الخميس 12 سبتمبر 2024
سياسة

أحمد نور الدين: تعقيباً على رسالة عتاب للمجلس العلمي الأعلى 

أحمد نور الدين: تعقيباً على رسالة عتاب للمجلس العلمي الأعلى  أحمد نورالدين
لست ضد فكرة مراسلة المجلس العلمي الأعلى وإحراجه بأسئلة حارقة حول الإبادة الهمجية في غزة. ولكن في نفس الوقت كل تلك الأسئلة الواردة في الرسالة المنشورة يوم 17 غشت 2024 بأحد المنابر الإلكترونية، تُسائلنا بنفس الحدّة عن الموقف من قضية وحدتنا الوطنية، قضية الصحراء المغربية، لأن المبادئ لا تقبل التجزئة والانتقائية. 
 
فصاحب الرسالة نفسه ومعه أغلب خطباء المساجد والفقهاء في المغرب، لم نسمع أو نقرأ لهم رسالة أو فتوى أو إدانة لما تقوم به الجزائر من حرب شعواء وظالمة ضد جار مسلم هو المغرب، وسفك للدماء وقطع للأرحام وتبديد للأموال منذ نصف قرن من الزمن. بينما رأينا مثلا "القرداغي" في قطر يرفع عقيرته باسم "علماء المسلمين" ضد الفقيه الريسوني بسبب موقفه من الصحراء المغربية! 
 
لم نسمع خطيبا أو عالما من علماء الدّين يرفع الدعاء من فوق المنبر على النظام الجزائري الذي سفك دماء أزيد من خمسة آلاف مسلم من المغاربة في الصحراء المغربية، خلال حرب الاستنزاف وحدها بين 1975و1991! ولم نسمع أحدا من هؤلاء ينادي المسلمين في المغرب للقنوت، في رمضان أو في صلاة الفجر، والدعاء على الظالمين المعتدين أعداء المغرب الذين يشنون علينا حربا شاملة وقذرة منذ نصف قرن!
 
لم نسمع صاحب الرسالة ولا الخطباء والعلماء، يرفعون الدعاء على من شرد وطرد ثلاثمائة ألف مغربي في يوم عيد الاضحى سنة 1975، من الجزائر التي عاشوا فيها عقودا من الزمن حتى أيام الاستعمار الفرنسي، وأخرجتهم الجزائر بعد استقلالها، واعجبي، من ديارهم وصادرت أموالهم وممتلكاتهم دون أحكام قضائية وبغير جريمة ارتكبوها إلا "جريمة" حمل الجنسية المغربية! 
 
تماماً كما لم نسمع هؤلاء وغيرهم، يدعون من فوق المنابر على من يريد تفريق الجماعة وتفتيت وحدة بلد مسلم جار هو المغرب، ويُسخّر لذلك كل أموال البترول والغاز الجزائري، لم نسمع من ذلك شيئاً..
 
وحتى لا يُحمل كلامي أنه تحاملٌ على الفقهاء دون غيرهم، يجب أن نقول مثل ذلك في أغلب المثقفين ورجال السياسة في المغرب، باستثناء ثلة قليلة، لم نسمع ولم نقرأ للأغلبية أيّ بيانات فردية أو جماعية بَلْه مؤسساتية، تدين ما يقوم به النظام العسكري الجزائري من حرب مباشرة بالسلاح وعبر الميليشيات الانفصالية ضدّ المغرب، وحرب غير مباشرة عبر دبلوماسيته وإعلامه وكل مؤسساته!
 
لم نقرأ بيانات لهؤلاء المثقفين والفقهاء المغاربة، على حد سواء، تدين هذا العدوان الجزائري ضد وحدة المغرب والذي طال أمده خمسين عاما بالتمام والكمال.. وما زال مستمرا الى اليوم، لم نسمع من يدين استيلاء الجزائر سنة 2021 على مزارع مواطنين بسطاء من فلاحي واحة العرجا قرب فكيك، ولم نسمع أو نقرأ بيانات تدين اغتيال الجيش الجزائري بالرصاص لشباب في عمر الزهور كانوا يلعبون على دراجاتهم المائية على شاطئ السعيدية صيف 2023، واحتجزت جثة بعضهم شهوراً.. 
 
لم نسمع مِن رجال الفكر والسياسة والعلماء مَن يدين تكالب الجزائر على المغرب لهدم وحدته، في وقت كل الأمة من طنجة إلى جاكارتا مشغولة فيه بالمجازر في غزة، لم نقرأ بيانات تدين سلوك الجزائر العدواني الذي يضعف الأمة في خاصرتها الغربية ويثخن جراحها المتعددة، ويعطل طاقاتها خدمة للمشروع الاستعماري القديم والحديث في تفتيت وتقسيم الأمة الواحدة. 
 
لم نسمع من يدين سحب الجزائر سفيرها من فرنسا، فقط لأن باريس اعترفت بمغربية الصحراء، في الوقت الذي لم تسحب فيه الجزائر سفيرها من فرنسا التي تدعم حرب الإبادة في غزة، ولم تسحب سفيرها من أي دولة أوربية أخرى تدعم علنا حرب الإبادة في غزة، وفي الوقت الذي لم تسحب فيه الجزائر سفيرها من واشنطن التي ترسل كل أسبوع الأطنان من الصواريخ والقنابل ومختلف الأسلحة لقتل المدنيين في غزة، بل وأرسلت تسعة آلاف من أفضل قوات النخبة الأمريكية المعروفة باسم "الدلتا فورس" للمشاركة في العمليات العسكرية في غزة..
 
لم نقرأ بيانا واحدا للخارجية الجزائرية، يدين واشنطن بسبب استقبال الكونغرس الأمريكي لسفاح غزة النتن ياهو، ولا بيانا واحداً بسبب فيتو "العم سام" المعرقل لقرارات مجلس الأمن ضد جرائم الكيان العبري، بينما نقرأ عشرات البيانات من الخارجية والرئاسة الجزائرية التي تُدين مواقف دول تساند مغربية الصحراء او تفتح قنصليات في الداخلة والعيون، المدينتان المغربيتان رغم أنف الحاقدين! 
 
فأين مواقف المثقفين المغاربة من كل هذه العربدة الجزائرية؟ أين غيرة المغاربة على أرضهم ودماء شهدائهم؟ أين النخوة والنجدة المغربية؟ أين حب الأوطان؟ أين "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"؟ أين مبدأ القانون الدولي بالمعاملة بالمثل، ولو بعد صبر استراتيجي مغربي طال نصف قرن؟ أين العدل في المواقف من كل القضايا دون انتقائية بين مشرق أو مغرب؟ واين وأين وأين؟
 
لا يمكن مطالبة المغاربة، وهم المُعتدَى عليهم، السكوت عن العدوان الجزائري من باب الأخوة، في حين أن الأحرى والأوجب والآكد منطقاً وعقلاً وسياسةً وشريعةً وقانوناً أن نطالب المُعتدِي وهي الجزائر، ومن باب الأخوة ذاته، أن تَكفّ عدوانها المتواصل على المغرب، إن لم يكم من أجل الحق والجوار، فعلى الأقل عرفاناً بجميل المغرب الذي دعم الجزائر لنيل استقلالها وتحريرها من الاستعمار؟ وأن تُعيد الحقوق المُغتصَبَة والأموال المصادرة والعقارات المسلوبة للمغاربة الذي هُجّروا قسريّا من الجزائر. 
 
ويكفينا في هذا الباب أن نذكر الناس أجمعين، بأنّ فرنسا التي قتلت من الجزائريين مليونا ونصف مليون حسب سردية جمال عبد الناصر، واحتلت بلدهم قرنا وثلث قرن، تربطها علاقات تجارية وسياسية واقتصادية مع الجزائر، وسمحت الجزائر للطيران العسكري الفرنسي أن يعبر أجواءها ليقصف المسلمين شمال دولة مالي في يناير 2013 ولازالت تفعل ذلك. أما المغرب الذي احتضن الثورة الجزائرية ودعمها بكل غال ونفيس فقد أصبح، حسب قائد الجيش الجزائري هو العدو الاستراتيجي والكلاسيكي الذي قطعت الجزائر معه علاقاتها ومنعت طائراته المدنية مِن عبور أجواء الجزائر، حتى ولو كانت تلك الطائرات المغربية تقل حُجاج بيت الله الحرام في شهر ذي الحجة الحرام! لم نقرأ مثلاً فتوى من "هيئة علماء المسلمين" تجرّم الجزائر بسبب منعها الطائرات المدنية المغربية المقلة للحُجاج المتوجهين على مكة المكرمة، من عبور أجوائها! فما حكم الشريعة في بلد مسلم يقطع الطريق على الحجاج؟ وما حكم الشريعة في من يقطع الطريق عموماً وعلى الإطلاق على الناس؟ هذه المقارنة البسيطة والساذجة كفيلة لوحدها أن تسقط كل أوراق التوت عن عورة النظام العسكري الجزائري، وعن أدواره القذرة ضدّ جيرانه، وتسقط القناع أيضاً عمّن يتهرب من إدانته علانية ودون مُداراة، سواء كانوا فقهاء أو مثقفين أو ساسة..
 
نعم لمساءلة الفقهاء في المجلس العلمي الأعلى، ونعم لمساءلة الأكاديميين والساسة والحقوقيين وكل المثقفين عن موقفهم من الإبادة في غزة وفلسطين وفي كل بقعة من بقاع العالم يقع فيها الظلم.. ولكن لا لصمت هذه النخب عن العدوان والقتل والكراهية والتحريض وقطع الأرحام الذي تمارسه الجزائر ضد المغرب في كل يوم وفي كل مكان، تحت الشمس وفي جنح الظلام منذ نصف قرن من الزمان ودون توقف أو كلل أو ملل. 
 
نعم لمطالبة كل المثقفين في المغرب وخارج المغرب أفرادا ومؤسسات، وليس العلماء وخطباء المساجد وحدهم، أن يخرجوا عن صمتهم ويعبروا بوضوح عن إدانتهم لجرائم الجزائر ضد المغرب والمغاربة، وهي جرائم امتدت إلى كل المجالات حتى الرياضية والثقافية والدينية ولم تعد تقتصر على الميدان العسكري أو الإعلامي أو السياسي.. لذلك كله فإن السكوت على العدوان، من أي جهة كان هذا العدوان، هو دعم للمعتدِي وخِذلان للمعتدَى عليه في غزة فلسطين أو المغرب أو كشمير أو البوسنة أو الأويغور.. فالقضايا المصيرية والعادلة في الوطن وعبر العالم، ليس فيها مجال للمنطقة الرمادية وأنصاف المواقف.