حينما يقوم طبيب مختص في التخدير والإنعاش بإعطاء التخدير لمريض على وشك إجراء عملية جراحية، قد يجتاح ذهنه سيل من التأملات العميقة والمربكة أحياناً.
أولاً، ثمة مواجهة مع هشاشة الإنسانية: المريض معلق في حالة من الوعي المعدل، بين الحياة والمجهول، والطبيب يلعب دوراً حاسماً في هذا التوازن الهش.
هذه المسؤولية قد تثير تأملات وجودية حول طبيعة الموت وهشاشة الحياة، لأن كل تدخل جراحي يحمل في طياته مخاطرة، واحتمالية فقدان لا يمكن الرجوع عنها.
كما قد يكون الطبيب مشغولاً بسؤال الألم، ليس فقط الألم الجسدي المحتمل الذي قد يشعر به المريض عند استيقاظه، ولكن أيضاً الألم العاطفي والنفسي المرتبط بعدم اليقين بشأن نجاح العملية.
من الممكن أن يتساءل عما إذا كان التخدير، من خلال إزالة الوعي مؤقتاً، يؤدي إلى رؤى أو هلوسات قد تترك أثراً دائماً في عقل المريض.
جانب آخر من هذه التأملات يتعلق بلحظة الاستيقاظ. الانتقال من حالة التخدير إلى الوعي هو عملية حساسة، وقد يتساءل الطبيب عن التجربة الذاتية للمريض خلال هذه العملية.
الذكريات أو الانطباعات التي تتركها هذه الفترة من الوعي شبه المعدل قد تؤثر بعمق في إدراك المريض لحالته الصحية، وألمه، والتجربة التي مر بها.
في النهاية، هناك بُعد أخلاقي وفلسفي ضمني: دور الطبيب كوسيط بين حالة النوم والاستيقاظ، بين المخاطرة والأمان، فضلاً عن المسؤولية الأخلاقية لضمان راحة المريض مع احترام حدوده الإنسانية والمهنية.
هذه التأملات، سواء كانت شخصية أو مهنية، تشكل ممارسة طبيب التخدير والإنعاش، مما يضفي على كل عمل طبي عمقاً إنسانياً ووجودياً.
الدكتور أنور الشرقاوي، وجمال الدين كوهن، طبيب مختص في التخدير والإنعاش