الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: تطوير جائزة الصحافة ليس قرارا تقنيا

جمال المحافظ: تطوير جائزة الصحافة ليس قرارا تقنيا جمال المحافظ

في الوقت الذى كان المطلوب الإعلان عن فتح ورش إعادة النظر في مضمون وأسلوب تنظيم الجائزة الوطنية للصحافة، بشكل جذري يتجاوب مع مقترحات وتوصيات المهنيين والخبراء والمهتمين بالشأن الإعلامي، اكتفت الحكومة، بالتعامل مع الأمر بقرار تقني محاسباتي، تمثل في مصادقة مجلسها  الخميس 18 يوليوز الجاري، على مشروع مرسوم يقضي برفع القيمة المالية الجائزة الكبرى للصحافة، بدعوى " دعم وتثمين جهود الصحافيات والصحافيين، وتحفيزهم على الارتقاء بالعمل المهني في مختلف أجناس الصحافة وبمسار الفكر والثقافة، بما يسهم في إعلاء قيمة الإبداع في المملكة".

 

وبغض النظر عن العبارات الفضفاضة التي جاءت في المشروع، فإن  الجائزة الوطنية للصحافة التي يحتفل في ال 15 من نونبر المقبل بذكرى مرور 22 سنة على الإعلان عن قرار احداثها سنة 2022، بناء على ما جاء في الرسالة الملكية، فإنه يتعين الإشارة إلى أنها  تهدف إلى " التعريف بما يبذل من مجهودات فردية وجماعية، وتشجيع العطاءات الإعلامية الوطنية، وتكريم الكفاءات الصحفية المتميزة التي أسدت خدمات جليلة لمهنة الصحافة".

 

وإذا كانت مختلف لجان تحكيم هذه الجائزة التي شرع العمل بها ابتداء من نونبر 2003 ،عادة ما تضمن تقاريرها المخصصة لاستعراض نتائج عملها والإعلان عن الفائزين بجوائزها، مقترحات وتوصيات عديدة، فإن معظمها ظل مع تعاقب الحكومات والوزراء حبيس الرفوف،  على الرغم من جديتها والتي كان من شأن تفعيل مخرجاتها مع تحينها، أن تشكل لبنة  ل" إنقاذ" هذه الجائزة، ولتكون بذلك في مستوى التحديات المطروحة على المشهد الصحفي وطنيا ودوليا، وتساهم من جهة أخرى في عصرنة الممارسة المهنية لمختلف أصناف الصحافة.

 

ومع توالى السنوات، أصبحت الجائزة الوطنية للصحافة - رغم بعض المجهودات هنا وهناك- مجرد طقوس سنوية روتينية، يتوج هذا المسار بتنظيم حفل للإعلان عن الفائوين الكثر وتوزيع الجوائز على كل صنف من أصناف الصحافة والاعلام. ويسبق هذا الحفل الإعلان عن البدء في تلقى " طلبات الترشح" وتنصيب " لجنة تحكيم الجائزة "، مرفوقا بتصريح كل من الوزير المسؤول عن القطاع و رئيس لجنة التحكيم المختار.

 

فعلى المستوى الاشراف، إن الاعتقاد سائد على أنه آن الأوان، أن ترفع الوصاية عن الجائزة الوطنية للصحافة، وذلك تفعيلا للمقتضيات الدستورية في مقدمتها الفصـل 28  الذي ينص في جانب منه على أن السلطات العمومية تشجع على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.

 

وفي المقابل يمكن الإسراع بإحداث آلية مدنية مستقلة مهنية، تتوفر على استقلالية تنظيمية ومالية، تتشكل داخلها عدة خلايا منها خلية تتولى على مدار السنة، رصد وتتبع أفضل الإنتاجات الصحفية والإعلامية، وترشيحها تلقائيا للفوز بإحدى أصناف الجائزة.

 

كما يتعين أن يتحول تنظيم الجائزة، الى فرصة لفتح نقاش عمومي حول وضعية  الصحافة والاعلام، والنظر لمستقبلهما مع مع بحث الإمكانيات الكفيلة بالارتقاء بهما، مع تدارس التحديات والرهانات المطروحة، في مقدمتها  وضعية حرية التعبير لأنه لاسبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير، مع استحضار  ما جاء في الرسالة الملكية ليوم 15 نونبر 2022، من أن المشهد الإعلامي الوطني " لا يمكنه أن يرفع تحديات الألفية الجديدة التي تفرضها عولمة بث البرامج المعروضة عبر وسائل الإعلام والتعميم التدريجي للاستفادة من مؤهلات مجتمع المعرفة والاتصال، مالم تتم إعادة النظر بصفة جذرية في مناهج عمله، وما لم تتوفر له النصوص القانونية والأدوات والموارد اللازمة ".

 

كما ينبغي أن يشكل تنظيم الجائزة مناسبة للإنكباب الجاد والمسؤول على مستوى الأداء المهني بالاعلام العمومي والخاص، من أجل الخروج  بتصورات عقلانية وبرامج قابلة للتنفيذ، تتلائم و ما تفرضه الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي من تحديات جديدة.

 

أما على مستوى تنظيمات الجائزة، فإنه من المفيد العمل على تجميع بعض أصناف الجوائز في محاور، مما يتيح إمكانيات التقليص من أصنافها، مع اعتماد التجربة والكفاءة والتجرد والمصداقية، والإلتزام بأخلاقيات  المهنية عند اختيار أعضاء لجان تحكيم وتنظيم الجائزة، بدل الاعتماد على تعيينات المؤسسات الإعلامية لممثلين عنها بهذه اللجان، كما هو معمول به لحد الآن .

 

وغير وإن كان قرار الرفع من القيمة المالية لجوائز الجائزة الوطنية للصحافة، مسألة إيجابية، لكنه يظل قرارا جزئيا وتقنيا، وغير كافي، لترجمة الأهداف النبيلة التي أحدثت من أجلها هذه الجائزة  والمتمثلة أساسا في المساهمة بالارتقاء بمستوى المشهد الإعلامي.

 

 إن المطلوب في المرحلة الراهنة أن تتحول الجائزة الى حدث وطني إعلامي كبير، يعمل على كسب رهان  الرأي العام ويستأثر اهتمامه، عوض أن يظل – كما هو الآن - حدثا عاديا وعابرا ، في وسائل الاعلام.  وعلى عكس ذلك يتعين أن يساهم من جهة أخرى في تطوير وتأهيل المشهد الصحافي الوطني والإرتقاء به لتحقيق التأهيل المطلوب، وتطوير المضامين والمحتوى بالاستغلال الأمثل للتكنولوجيات الحديثة في الإعلام والإتصال، كأدوات يتحتم استعمالها في زمن اللايقين الذي من بين تجلياته سيادة التفاهة والرداءة  والتضليل .