الاثنين 1 يوليو 2024
سياسة

محمد الطيار: لابد للمغرب وهو يحاور القوى الدولية أن يستحضر وضع سبتة ومليلية المحتلتين

محمد الطيار: لابد للمغرب وهو يحاور القوى الدولية أن يستحضر وضع سبتة ومليلية المحتلتين محمد الطيار، خبير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية

يرى محمد الطيار، خبير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، أن اللقاءات التي يعقدها وزير الداخلية المغربي مع وزراء دول أخرى مثل اسبانيا والاتحاد الأوروبي في موضوع الهجرة وعصابات المخدرات الصلبة العابرة للحدود، يبين بجلاء دور المغرب في القضايا الأمنية الكبيرة التي تشغل بال العديد من دول العالم، فهو يعتمد مقاربة شمولية وإنسانية في مجال حكامة الهجرة، علما أن الهجرة تشكل الهجرة تحديا حقيقيا للأمن القومي المغربي باعتباره مركزا للانطلاق والعبور نحو أوروبا، داعيا المغرب وهو يحاور هذه القوى الدولية الى استحضار وضع سبتة ومليلية المحتلتين واللتان أصبحتا خلال العقدين الأخيرين مقصداً لآلاف المهاجرين الأفارقة من منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء .

 

 

ماهي قراءتك للقاءات التي يعقدها وزير الداخلية مع وزراء دول أخرى مثل اسبانيا والاتحاد الأوروبي في موضوع الهجرة وعصابات المخدرات الصلبة العابرة للحدود؟

لا شك أن القاءات التي يعقدها وزير الداخلية المغربي مع وزراء دول أخرى مثل اسبانيا والاتحاد الأوروبي في موضوع الهجرة وعصابات المخدرات الصلبة العابرة للحدود، يبين بجلاء دور المغرب في القضايا الأمنية الكبيرة التي تشغل بال العديد من دول العالم، فهو يعتمد مقاربة شمولية وإنسانية في مجال حكامة الهجرة، ويبدل جهود متواصلة في إطار المجموعة المشتركة الدائمة حول الهجرة، والتي تشكل آلية للحوار والتنسيق بشأن هذه المسألة وبذلك يحتل مكانة مهمة في المجهود الدولي للتصدي للعديد من التهديدات والمخاطر المحدقة بالأمن والاستقرار الدوليين.

 

وبحكم موقعه الجغرافي، يستقطب أعدادا هائلة من المهاجرين الباحثين عن أقرب نقط للعبور إلى القارة الأوروبية، إما عبر المدينتين المغربيتين المستعمرتين سبتة ومليلية أو عبر مضيق جبل طارق الذي لا يبعد إلا بأقل من 14 كيلومتر عن المغرب، أو عبر الجزر الخالدات انطلاقا من الجنوب المغربي خاصة من شواطئ مدن سيدي افني وطرفاية وبوجدور.

 

وبذلك تشكل الهجرة تحديا حقيقيا للأمن القومي المغربي باعتباره مركزا للانطلاق والعبور نحو أوروبا، بحيث أنه ورغم تشديد المراقبة على الحدود، وفي ظل ضعف التنسيق مع الدول المجاورة، لازالت أعداد المهاجرين في تزايد ولازال الخطر قائما بقوة لارتباط الهجرة غير الشرعية مع المنظمات الإرهابية والجريمة المنظمة بمنطقة الساحل الإفريقي.

 

توافد العديد من المسؤولين الأجانب الى المغرب للقاء وزير الداخلية المغربي حول مواضيع ذات الاهتمام المشترك ومنها القضايا المرتبطة بالهجرة، تجد تفسيرها في كون المملكة المغربية، التي ترأست خلال سنة 2023 الحوار الأورو-إفريقي حول الهجرة والتنمية، المسمى بـ "مسلسل الرباط"، تعد بلدا رائدا في تنفيذ ميثاق مراكش.

 

وتجد تفسيرها أيضا في كون الملك محمد السادس، ومنذ اختياره رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة بمناسبة انعقاد القمة ال28 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد، لم يدخر جهدا في الدفاع عن مصالح إفريقيا وإرساء أسس سياسة إفريقية رائدة حول قضية الهجرة. حيث عمل على تطوير رؤية إفريقية مشتركة للهجرة مع تسليط الضوء على هذه الأجندة الإفريقية على الساحة متعددة الأطراف، من خلال "ميثاق مراكش".

 

فقد قام الملك محمد السادس بتتبع تنفيذ المقترحات الواردة في الأجندة الإفريقية حول الهجرة، ولاسيما المرصد الإفريقي للهجرة، وإعادة إطلاق مقترح إحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف بالهجرة، وتعزيز الرؤية الإفريقية المشتركة في الإطار بين- القاري الأوروبي- الإفريقي، وتعزيز التفاعلات بين الأجندة الإفريقية حول الهجرة وميثاق مراكش وتقديم الخلاصات الرئيسية لمنتدى تخفيض تكاليف التحويلات المالية للمغتربين الأفارقة، الذي نظمته المملكة المغربية بشكل مشترك مع جمهورية الطوغو. فبعد التوقيع على اتفاق المقر الخاص بالمرصد الإفريقي للهجرة سنة 2018 بين الاتحاد الإفريقي والمملكة وتدشين مقره بالرباط في 18 دجنبر 2020، أصبح هذا المرصد يكرس اختيار الملك محمد السادس كرائد للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة.

 

قضية الهجرة حاضرة بقوة في اللقاءات التي يحضرها وزير الداخلية، ليس فقط بسبب موقع المغرب الجغرافي فحسب، ولكن أيضا بسبب كون الربط بين الهجرة من جهة والأمن والجريمة من جهة أخرى في سياسات الهجرة للدول المضيفة، أحد أبرز المظاهر الجديدة للهجرة الدولية، وقد أصبح هذا المظهر أكثر وضوحاً بعد أحداث 11 سبتمبر2001 م حيث أصبح يُنظر إلى الهجرة باعتبارها تهديداً محتملا للأمن القومي لكل دولة وتُدرج في خانة القضايا الأمنية إلى جانب التهديدات الإرهابية وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة، وأصبحت المراقبة الرقمية للهجرة غير النظامية جزءاً أساسياً من جدول أعمال كل الحكومات الغربية من أجل توظيف تكنولوجيا ما يعرف ب"الحدود الذكية"، لمضاعفة فعالية الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.

 

وقد أصبحت الهجرة الغير النظامية أحد مظاهر التطور الخطير للجريمة المنظمة، وهي تحقق أرباحا مهمة للعاملين عليها، حيث تقوم المنظمات الإجرامية بتهريب أعداد كبيرة من المهاجرين بصورة غير شرعية إلى أوربا، لأسباب اقتصادية، وسياسية أو اجتماعية.

 

تدفق المهاجرين على المغرب جعله يتحول من نقطة عبور إلى مستقر للآلاف من المهاجرين الأفارقة، مما جعل السلطات المغربية أمام عدة تحديات دفعتها للقيام بعدة إجراءات لاحتواء هذه الظاهرة، منها فتح المجال أمام تسوية وضعية العديد من المهاجرين الغير الشرعيين الذين فضلوا الإقامة في المغرب بعدما تعذر عليهم المرور إلى أوربا، وأصبح المغرب بذلك ثاني دولة إفريقية مستقطبة للمهاجرين بعد دولة أوغندا.

 

لقاءات وزير الداخلية المغربي مع العديد من نظرائه من مختلف العالم، مرتبطة كذلك بنجاح المقاربة الأمنية المغربية في مجال التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة وهي مقاربة ملائمة وشاملة خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية؛ وهي استراتيجية شاملة تجمع بين العمليات الميدانية الاستباقية وتبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات الوقائية، فضلا عن مكافحة التطرف، وبرامج إعادة الإدماج.

 

نجاح المقاربة الأمنية المغربية جعلها تصبح نموذجا وتجربة ناجحة على المستوى الدولي، الأمر الذي دفع العديد من دول العالم الى طلب الاستعانة بالمغرب، من اجل المساعدة في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وكذا تأمين العديد من التظاهرات الدولية، في مجالات متنوعة، كما الحال بالنسبة لدولة قطر حين تنظيمها لكاس العالم في كرة القدم، ونفس الأمر بالنسبة لفرنسا التي أعربت عن شكرها للمصالح الأمنية المغربية على دعمها الميداني واللوجستي في إطار الاستعدادات للألعاب الأولمبية باريس 2024.

 

ما هو المطلوب من المغرب وهو يحاور هذه القوى بشأن التصدي إلى هذه المعضلات؟

لابد للمغرب وهو يحاور هذه القوى الدولية في شأن التصدي للقضايا المرتبطة بالهجرة أن يستحضر وضع سبتة ومليلية، اللتان أصبحتا خلال العقدين الأخيرين مقصداً لآلاف المهاجرين الأفارقة من منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء (يفضل المهاجرون غير النظاميين هذه الوجهة، لأنهم يستطيعون الوصول إلى "أراضٍ أوروبية" بمجرد دخولهم إلى الثغرين)، كما أن هذا المسار يعتبر أقل خطورة مقارنة بغيره من المسالك.

 

لا ترتبط خطورة وضع المدينتين فقط بتشجيع الهجرة إلى المغرب، فبالإضافة إلى الأهداف المعلنة المتمثلة في إيقاف الهجرة غير النظامية، فإن قيام إسبانيا بإنشاء سياجات حول سبتة ومليلة له أهداف استراتيجية بعيدة المدى، مرتبطة بالوضع القانوني والسياسي للثغرين باعتبارهما منطقتين محل نزاع، لذلك فبناء السياجات هو أحد الإجراءات التي تهدف من خلالها إسبانيا إلى تعزيز الوضع الراهن للاحتلال بوصفه عنصراً أساسياً من استراتيجية إسبانية تضمن بناء السياجات والأسوار الحدودية، وترسيم الحدود بحكم الواقع مع المغرب من جانب واحد ومنح الثغرين الحكم الذاتي، وسن قوانين هجرة تقييدية وتنظيم زيارات للملك وأعضاء الحكومة الإسبانية إلى الثغرين.

 

الموقع الجغرافي للمغرب، دفع الدول الغربية الى اعتباره عن طريق العديد من الاتفاقيات والبرامج المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، "دولة عازلة" تفصل أوروبا عن مصدر الهجرة، وجعله بالتالي محطة أولية لمواجهة تدفق المهاجرين الغير الشرعيين قبل وضع أقدامهم على اليابسة الأوروبية.

 

فقد قامت الدول الأوروبية في البدايةً إلى توحيد سياساتها في مجال الهجرة، منذ قمة "تامبير" 1999م، و"لاهاي" 2004م، و"ستوكهولم" 2008م، بجعل محاربة الهجرة غير الشرعية أولى أولوياتها، عن طريق القيام بعدة تدابير مادية، وقواعد قانونية زجرية.

 

وهو ما أقره البرلمان والمجلس الأوروبي في الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء الذي صادق عليه المجلس الأوروبي في15و16 أكتوبر 2008م، وفي مذكرة البرلمان والمجلس الأوروبي CE/2008/115 بتاريخ 17 ديسمبر 2008م، المتعلقة بالقواعد والمسطرة المشتركة بين كافة الدول الأعضاء، من أجل ترحيل وعودة المهاجرين في وضعية غير قانونية.

 

في هذا الإطار وقع المغرب والاتحاد الأوروبي في 20 دجنبر 2004 م اتفاقية تحمل اسم "اتفاقية تمويل متعلقة بالمراقبة الحدودية بين المغرب والاتحاد الأوروبي"، والتي يلتزم فيها الشريك الأوروبي بتمويل ثلاثة محاور مرتبطة بمراقبة الحدود ومحاربة الهجرة الغير النظامية وتطوير وتحسين العمل داخل الهيئتين اللتان أسسهما المغرب في مجال الهجرة وهمتا مديرية الهجرة ومراقبة الحدود والمرصد الوطني للهجرة، إضافة إلى المساهمة في مجال تكوين الأطر والوحدات المتخصصة في محاربة الهجرة الغير النظامية، وتزويد المغرب بالتجهيزات التكنولوجية والآليات الضرورية، للقيام بالمهام المتعلقة بمراقبة الحدود ومحاربة الهجرة الغير النظامية.

 

وقد فرضت الدول الأوروبية على دول العبور والمصدر، واجب مراقبة حدودها الخارجية وقبولها أحيانا بالمساهمة البشرية الأوروبية في عمليات المراقبة المباشرة فوق أقاليم بعض الدول الإفريقية في مناطق معروفة بنقط العبور السرية، خاصة على السواحل المغربية والموريتانية حيث تشارك قوات من خفر حرس السواحل الإسباني مع القوات المغربية أو مع القوات الموريتانية في دوريات مشتركة. كما اقترح الاتحاد الأوروبي، خلال سنة2018 في إطار دفع الهجرة السرية عن أراضيه، على دول شمال إفريقيا إقامة منصات على أراضيها تخصص لتجميع المهاجرين وفرزهم، وقد رفض المغرب بشكل قاطع هذا الاقتراح كما هو الحال بالنسبة لباقي الدول المغاربية ومصر.

 

وقد تحدثت إحصائيات مصدرها مديرية الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية المغربية، عن أن عدد المهاجرين من الدول الإفريقية جنوب الصحراء يبلغ أربعين ألفًا، والذين كانوا يرابطون في غابات "كروتشا" قرب مدينة فرخانة المتاخمة لمليلية، أو غابة "بليونش" المحاذية لمدينة سبتة، أو في غابة "كورو" قرب سلوان بالناظور وفي الشرق بمدينة وجدة، أو في مدينة طنجة، وهو العدد تقريبا الذي أعلنه وزير الداخلية المغربي بمناسبة الإفصاح عن نية المغرب تسوية أوضاع 850 لاجئًا و25 ألفًا من المهاجرين، حيث ذكر أنداك انه يوجد في المغرب ما بين 25 ألفًا و40 ألف مهاجر في وضعية إدارية غير قانونية.