قال عصام لعروسي، أستاذ العلاقات الدولية الخبير في تسوية النّزاعات ومدير عام مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، إن لجوء عدد من دول الاتحاد الأوروبي وغيره للمغرب هو “بحثها عن مصالحها المشتركة من خلال هذه اللّقاءات، ولكون المغرب يدافع عن وجهة نظره التي تنطلق من السّيادة الوطنية ومن كونه فاعلاً إقليمياً، وليس مجرّد حارس لأوروبا للدفاع عن مصالحها”.
وأوضح لعروسي في حوار مع أسبوعية “الوطن الآن”، أن المغرب يبذل جهودًا كبيرة في تأمين حدوده. إلاّ أن الدّول الأوروبية لم تلتزم بتعهّداتها في دعم المغرب ماليًا لتحمل تكاليف الإجراءات الأمنية. فمنذ أن اعتمد المغرب في 2013 إصلاح منظومة الهجرة وقانون الهجرة، لم يعد المغرب بلدًا للعبور فقط، بل أصبح بلدًا للاستقبال. وقد غيّر المغرب الكثير من ملامح سياسته تجاه الهجرة، وتعهّد بمحاربة الهجرة غير النّظامية”. وفي ما يلي نصّ الحوار:
في لقاءات وزير الداخلية مع نظرائه من وزراء السعودية وإسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي يتم تركيز على مواضيع الهجرة، وتجارة المخدرات، وعصابات الاتجار بالبشر، وهي كلها لقاءات تتم بطلب من تلك الدول. ما دلالات ذلك؟.
بخصوص لقاءات وزير الداخلية المغربي بنظرائه في الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية، وخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، فإن هذه اللقاءات تعكس حقيقة مدى القضايا المشتركة التي تجمع المغرب مع هذه البلدان. نحن ندرك أن دول الشمال تعاني من عولمة العديد من الأزمات والمشاكل القادمة من الجنوب، وعلى رأسها قضية الهجرة. وقد شهدنا أن مجموعة من الدول الأوروبية بادرت إلى تبني سياسات احترازية وتحفظية بخصوص الهجرة، وأبرزها فرنسا التي قلّصت من عدد التأشيرات الممنوحة لدول المغرب العربي والدول الأفريقية بشكل عام.
الآن، أصبحت قضية الهجرة معقّدة ومركّبة، خاصة أن جنوب البحر الأبيض المتوسط يشهد في كثير من الأحيان حركات هجرة من دول شمال أفريقيا إلى الضفة الشمالية، عبر المناطق الهشّة مثل ليبيا وتونس، حيث توجد العديد من مراكب الهجرة السّرية التي شهدت حوادث غرق عديدة راح ضحيتها آلاف المهاجرين، وخاصة ما حدث في عام 2020 في جزيرة لامبيدوزا، مع رفض بعض السلطات الأوروبية المبادرة لإنقاذ هؤلاء.
إلى جانب ذلك، هناك قضايا الجريمة المنظّمة والجريمة العابرة للحدود، وكذا قضايا المخدرات ومحاربة الإرهاب. كلّ هذه القضايا تستدعي لقاءات مكثفة بين المغرب ونظرائه في دول الشّمال والدول الغربية بشكل عام، ودول الاتحاد الأوروبي بشكل خاصّ. في اعتقادي، أن هذه الجهود المبذولة وهذه اللقاءات تهدف إلى إيجاد إطار متناغم للتّعاون المشترك بين الضّفتين وبين المغرب وهذه الدّول.
وأعتقد أن الدّول الغربية تبحث عن مصالحها من خلال هذه اللّقاءات، وكذلك المغرب الذي يدافع عن وجهة نظره التي تنطلق من السّيادة الوطنية ومن كونه فاعلاً إقليمياً، وليس مجرّد حارس لأوروبا للدفاع عن مصالحها. وبالتالي، فإن تكرار هذه اللقاءات يدلّ على مدى الأهمية التي توليها الدول الأوروبية للمغرب، باعتباره يقدم ضمانات كبرى للدول الغربية لكونه فاعلاً إقليمياً، وأيضاً يتولى قيادة الدول الأفريقية وتنسيق المبادرات الأساسية المتعلقة بمحاربة الهجرة والجريمة المنظّمة والاتجار بالبشر والمخدرات وغيرها من القضايا التي تشكّل مصدر اهتمام للدول الغربية، إلى جانب قضايا التّنمية وتنمية القرى الأفريقية لجعلها مناطق آمنة ومنتجة اقتصادياً.
ما هي الرسائل التي تحملها هذه اللقاءات المتعددة بين المغرب والدول المعنية؟.
شكّ أنّ محاربة موضوع المخدرات، وخاصّة المخدرات الصّلبة، ولجوء المغرب إلى تقليص المساحات المتعلّقة بزراعة القنّب الهندي، خاصّة في أقاليم العرائش والقصر الكبير، هي بالطبع نتائج جيّدة بالنسبة للقنب الهندي. ولكن حقيقة أن الخطورة الكبرى تأتي من المخدرات الصلبة القادمة من أمريكا.
ما هي الرسائل التي تحملها هذه اللقاءات المتعددة بين المغرب والدول المعنية؟.
شكّ أنّ محاربة موضوع المخدرات، وخاصّة المخدرات الصّلبة، ولجوء المغرب إلى تقليص المساحات المتعلّقة بزراعة القنّب الهندي، خاصّة في أقاليم العرائش والقصر الكبير، هي بالطبع نتائج جيّدة بالنسبة للقنب الهندي. ولكن حقيقة أن الخطورة الكبرى تأتي من المخدرات الصلبة القادمة من أمريكا.
نتحدّث هنا عن التّهديدات المرتبطة بالمخدرات مثل الهيروين والكوكايين، التي تصل إلى المغرب بطرق ملتوية عبر مافيا ومنظّمات إجرامية تتاجر في المخدّرات. أعتقد أنّ المغرب يبذل أقصى الجهود لمحاربة هذه الظّاهرة، لكن حقيقة الأمر تحتاج إلى إرادة قويّة من قبل الاتحاد الأوروبي لمنع وصول هذه المخدرات إلى المغرب عبر حدوده.
وبالتّالي، أعتقد أن تعزيز آليات المراقبة والإجراءات الأمنية الصّارمة ضروري، لأنّ الجريمة المنظّمة في تطوّر مستمرّ. لذلك، فإن استراتيجية مكافحة الجريمة المنظّمة المتعلّقة بالمخدرات الصّلبة هي مطلب أساسي للمغرب.
وعلى الرغم من أنّ المصالح الأمنية تحقّق نتائج جيّدة في هذا الباب، إلاّ أنّ هذا العمل يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لمحاربة الاتجار بالمخدرات الصّلبة وكذا القنّب الهندي، خاصّة أنّ المغرب قد نهج استراتيجية هامّة تتعلق باستخدام القنب الهندي لأهداف صحّية وطبّية، من خلال استغلال هذه النّبتة في صناعة الأدوية.
وبهذا، يقدّم المغرب ضمانات للدّول الأوروبية، ومكافحة زراعة القنّب الهندي أصبحت أمرًا مفروغًا منه، مع جهود واضحة من النّواحي القانونية والجنائية، وكذا الاجتماعية من خلال دمج المناطق المعنيّة بزراعة القنّب الهندي في النّسيجين الاقتصادي والاجتماعي.
عطفا على ما ذكرته في جوابك لا تزال المخدرات الصلبة، مثل الكوكايين والهيروين، تمثل تحديًا كبيرًا للمغرب، حيث تأتي هذه المخدرات من أمريكا اللاتينية وآسيا عبر مسارب سرّية في دول جنوب الصحراء، حيث تستغل العصابات الدولية الوضع الهش في تلك المناطق لتهريب المخدرات عبر المغرب إلى أوروبا. فالمغرب يعاني من هذه التجارة العابرة للقارات للمخدرات الصلبة، إلا أن الدول الأوروبية لا تقدم الدعم الكافي له في هذا المجال. ما المطلوب من المغرب فعله إزاء هذا الوضع؟.
فيما يتعلق بالسؤال، يبدو أن المغرب يبذل جهودًا كبيرة في تأمين حدوده. إلاّ أن الدّول الأوروبية لم تلتزم بتعهّداتها في دعم المغرب ماليًا لتحمل تكاليف الإجراءات الأمنية. فمنذ أن اعتمد المغرب في 2013 إصلاح منظومة الهجرة وقانون الهجرة، لم يعد المغرب بلدًا للعبور فقط، بل أصبح بلدًا للاستقبال. وقد غيّر المغرب الكثير من ملامح سياسته تجاه الهجرة، وتعهّد بمحاربة الهجرة غير النّظامية.
عطفا على ما ذكرته في جوابك لا تزال المخدرات الصلبة، مثل الكوكايين والهيروين، تمثل تحديًا كبيرًا للمغرب، حيث تأتي هذه المخدرات من أمريكا اللاتينية وآسيا عبر مسارب سرّية في دول جنوب الصحراء، حيث تستغل العصابات الدولية الوضع الهش في تلك المناطق لتهريب المخدرات عبر المغرب إلى أوروبا. فالمغرب يعاني من هذه التجارة العابرة للقارات للمخدرات الصلبة، إلا أن الدول الأوروبية لا تقدم الدعم الكافي له في هذا المجال. ما المطلوب من المغرب فعله إزاء هذا الوضع؟.
فيما يتعلق بالسؤال، يبدو أن المغرب يبذل جهودًا كبيرة في تأمين حدوده. إلاّ أن الدّول الأوروبية لم تلتزم بتعهّداتها في دعم المغرب ماليًا لتحمل تكاليف الإجراءات الأمنية. فمنذ أن اعتمد المغرب في 2013 إصلاح منظومة الهجرة وقانون الهجرة، لم يعد المغرب بلدًا للعبور فقط، بل أصبح بلدًا للاستقبال. وقد غيّر المغرب الكثير من ملامح سياسته تجاه الهجرة، وتعهّد بمحاربة الهجرة غير النّظامية.
مع ذلك، نجد أن هناك جهودًا مضنية للتّصدي للهجرة السّرية في المغرب. وقد تقلص بشكل كبير عدد المهاجرين السّريين، إلا أن الهجرة السّرية ما زالت موجودة، سواء من المغرب أو من الدول التي يأتون منها، خصوصًا من إفريقيا جنوب الصحراء، وأيضًا من الجزائر حيث يسعى المهاجرون للعبور إلى الحدود الأوروبية عبر مليلية وسبتة.
لكن المغرب لا يحصل على مساعدات كافية من الاتحاد الأوروبي مقابل الجهود الكبيرة التي يبذلها في الجانبين الأمني والاستراتيجي. في اعتقادي، التّعهدات التي وعد بها الاتحاد الأوروبي لم تنفّذ بشكل كافٍ، ولم تقدّم المؤسّسات المعنية بمحاربة الهجرة الدّعم اللاّزم.
كما توجد جمعيات ومجتمعات مدنيّة توجّه انتقادات للمغرب بزعم أنه لا يحترم حقوق الإنسان في هذا السّياق. وتكررت محاولات تسلّل المهاجرين عبر الأسلاك الشائكة في مليلية، ممّا يرهق القوة العمومية المغربية.
من الضروري أن يفهم الاتحاد الأوروبي أنّ عليه تقديم مقابل لحماية الحدود، فتكلفة حراسة الحدود باهظة، والمغرب لا يستطيع تحمّلها بمفرده. كما أنّ التّنسيق مع الاتحاد الأوروبي ضروري جدًّا في هذا الشّأن، ويجب أن يأخذ الاتحاد الأوروبي الموضوع بجدّية حتّى تتمّكن الدول الأوروبية من التّكيّف مع الاستراتيجية الأمنية التي يضعها المغرب، والذي يتفاعل بشكل إيجابي مع استراتيجيات الاتحاد الأوروبي في محاربة الهجرة غير النّظامية.
وعلى الرّغم من النتائج الإيجابية التي تحقّقت، فإن محاربة الهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصّحراء تحتاج إلى مقاربة مختلفة من قبل الاتحاد الأوروبي.
