السبت 29 يونيو 2024
سياسة

الحنوشي: الفقيد عبد العزيز النويضي.. حليف أساسي في مسار تكريس الحريات العامة

الحنوشي: الفقيد عبد العزيز النويضي.. حليف أساسي في مسار تكريس الحريات العامة عبد الرزاق الحنوشي والمرحوم عبد العزيز النويضي (يمينا)
تحل أربعينية الفقيد ذ. عبدالعزيز النويضي ، وبهذه المناسبة تنظم الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة وهيئة المحامين بالرباط لقاء تأبينيا و ذلك يوم الجمعة  28 يونيو 2024 على الساعة الرابعة بالمركب الثقافي والإجتماعي والرياضي التابع للهيئة ( شارع بلحسن الوزاني، زنقة خلوية حي السويسي بالرباط) ، وستقدم مجموعة من الشهادات في حق الراحل. " أنفاس بريس" تنشر شهادة أحد أصدقاء المرحوم  ، الفاعل الحقوقي : عبد الرزاق الحنوشي .
 

" تعود معرفتي بالفقيد ذ. عبد العزيز النويضي إلى بداية التسعينات، وتوطدت هذه العلاقة خلال السنوات اللاحقة، وقد جمعتني بالفقيد، العديد من المحطات و"المعارك"، لعل أهمها المساهمة في الإصلاحات التي طالت بعض مقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 بشأن تنظيم حق تأسيس الجمعيات، وكذا مسار صدور منشور الوزير الأول رقم 28/99 بتاريخ 5 نونبر 1999 بشأن إستعمال القاعات العمومية من طرف الجمعيات والأحزاب والنقابات. فضلا عن محطات عديدة لا يتسع المجال لإستعراضها في هذا الحيز المحدود ، لذلك سأتوقف ، وبشكل مركز ، عند محطتين :

 

المحطة الأولى:

أستحضر السياق الذي تبلورت فيه فكرة التعبئة الوطنية للحركة الجمعوية بشأن مطلب مركزي جماعي لمراجعة شاملة للإطار التشريعي للجمعيات بالمغرب، وقد تزامن ذلك مع تخليد الذكرى الأربعين لصدور ظهير 15 نونبر 1958.

 

وفي هذا الإطار وبمبادرة من "فضاء الجمعيات" ، الذي تأسس في 27 دجنبر 1996، تشكلت دينامية جمعوية واسعة (وصل تعدادها ما يفوق 3000 جمعية وشبكة وإئتلاف، تغطي كل جغرافية البلاد من مختلف التخصصات والمشارب) أفرزت سكرتارية وطنية ضمت -فيما أذكر – النقيبذ. عبد الرحيم الجامعي، و ذ. عبد العزيز بناني، ذة. ليلى رحيوي، وذ. الحبيب كمال، ذ. أحمد أرحموش وعبد الرزاق لحنوشي.

 

فعلاوة على المجهودات التي بذلت في مجال التعبئة والتواصل وتنظيم الحوار حول مضمون الإصلاحات المطلوب إدراجها على الإطار التشريعي للجمعيات، كان لابد في نهاية المطاف السعي إلى الترافع لدى أصحاب القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية والإقناع بجدوى و أهمية تلك المطالب، وكان على منسيقي هذه المبادرة، البحث على "حلفاء" و"ميسرين" .

 

في هذا السياق، كان لي تواصل مستمر مع الفقيد ذ. عبد العزيز النويضي الذي كان حينها مستشارا بديوان الوزير الأول الأسبق الراحل ذ. عبد الرحمان اليوسفي وكان مكلفا بالتحديد بملف حقوق الإنسان، ويمكنني أن أوكد أن الراحل قد لعب دورا إيجابيا، في حدود ما كان متاحا، في بلوغ ما تم التوصل إليه من تعديلات على ظهير 15 نونبر 1958، رغم أن بلوغ هذا الهدف قد إعترضته العديد من المطبات والعوائق، لاسيما في مرحلة عرض مشروع القانون رقم 75.00 على أنظار البرلمان، وطول المدة التي إستغرقها خروج النص إلى حيز التطبيق (صدر في الجريدة الرسمية عدد 5046 بتاريخ 10 أكتوبر 2002).

 

لقد كانت تجربة "دينامية إصلاح قانون الجمعيات" تجربة هامة وغنية بالدروس والعبر، وتستحق أن تكون موضوع بحث ودراسة رصينة، وهذا ما كان الفقيد ذ. عبد العزيز النويضي يثيره معي في أكثر من مناسبة.

 

المحطة الثانية:

تعود "المعركة" الثانية إلى سنة 1999، وذلك في السياق الذي طبع العلاقة بين وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري والوزير الأول الأسبق الراحل ذ. عبد الرحمان اليوسفي وفريقه، والتي كانت مطبوعة بالحذر والتوجس وإنعدام الثقة، وكان من تجلياتها، ما خرج إلى العلن من إصرار إدريس البصري على الإستمرار في تكريس نهجه السلطوي – القمعي وتجاهله للإلتزامات حكومة اليوسفي ،ولاسيما فيما يعلق بحقوق الإنسان ، حين عمد البصري في الرابع من فبراير من سنة 1999 إلى تعميم "تليكس" على كل الولاة والعمال يأمرهم فيه بمنع الأحزاب والنقابات والجمعيات من إستعمال القاعات العمومية، وخلقت هذه التعليمات ردود فعل قوية مستهجنة ورافضة، مما إستدعى ضرورة تدخل الوزيرالأول، وفي هذا السياق كان للفقيد ذ. عبد العزيز النويضي دور أساسي في تغيير مجرى الأحداث ، وفي بلورة الرد اللازم والحازم على تجاوزات إدريس البصري، وعن هذه المحطة يورد المرحوم النويضي في حوار مطول أجراه معه الصحفي إسماعيل بلا وعلي ونشر بمجلة "زمان" (عدد 46-47/ غشت – شتنبر 2017) ما يلي: "لم تكن معالجة هذه القضية سهلة، فقد تهاطلت على الوزير الأول عشرات وربما مئات مراسلات الإحتجاج من الداخل والخارج، أعددت في البداية مراسلة جد صارمة من الوزير الأول لوزير الداخلية، غير أن أحمد الحليمي، الذي كان ملما أكثر مني بالوضع داخل الدولة. نصحني بأن أهيئ مراسلة إلى جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات المتوفرة على قاعات عمومية. تطلب الأمر بحثا معمقا حول النظام القانوني لهذه القاعات، وساعدني في هذا العمل عضوان من المجتمع المدني ومن الإدارة هما عبد الرزاق الحنوشي ومصطفى كاكة الذي كان مديرا لإحدى دور الشباب بفاس. عندما أنهيت صياغة مشروع هذا المنشور الجديد أرسله الوزير الأول لكل الوزارات، وهو ينوه بعمل الجمعيات والأحزاب والنقابات التي يعتبرها شريكا للدولة في العمل السياسي والإجتماعي، ويقدم شرحا دقيقا للقانون ولكيفية التعامل مع طلبات القاعات العمومية وتقديم أقصى أشكال التعاون، تم تعميم المنشور في 5 نونبر 1999، وكنت يومها رفقة اليوسفي في باريس، ... حيث وصلنا خبر إعفاء وزير الداخلية في 9 نونبر".

 

لقد ربطت مجموعة من الشهادات والكتابات بين إقالة وزير الداخلية إدريس البصري، وبين "التليكس" المشؤوم وتداعياته، علما أن جل المتابعين للأوضاع السياسية بالمغرب اعتبروا حينها أن أيام البصري في السلطة باتت معدودة إثر وفاة الملك الراحل الحسن الثاني في 23 يوليوز 1999 وتولي جلالة الملك محمد السادس العرش بعده.

 

وبالعودة على منشور الوزير الأول، والذي لعب فيه الراجل ذ. عب العزيز النويضي دورا محوريا، فإنه كرس مبدأين أساسيين:

 

أولهما: إعفاء الجمعيات والهيئات المؤسسة بصفة قانونية من كل ترخيص أو تصريح مسبق لدى السلطات الإدارية المحلية في كل ما يتصل بتنظيم أنشطتها الداخلية التنظيمية أو التكوينية التي تنظم داخل القاعات العمومية، والإكتفاء «بموافقة المسؤولين المباشرين على القاعات. وعند الضرورة موافقة الوزارة الوصية.. وإحترام مبدأ مساواة المواطنين والهيئات ".

 

ثانيهما: تكريس الطابع "التصريحي" لتنظيم الإجتماعات العمومية وإستبعاد تحويل "التصريح" على "ترخيص"، بل ذهب المنشور إلى حد منع مسؤولي القاعات العمومية من طلب أي ترخيص ويشير بوضوح إلى: "في حالة الإجتماعات العمومية فإن المسؤولين عن القاعات العمومية، والذين يوافقون على وضعها رهن إشارة الجمعيات أو المنظمات أو المسؤولين الراغبين إلى التجمع العمومي لا يحق لهم مطالبة هذه الجمعيات أو التنظيمات أو المسؤولين الذين قاموا بإجراءات التصريح بالإدلاء برخصة من السلطة المحلية قبل الموافقة على وضعها رهن إشارتهم أو الموافقة على تمكينهم من إستعمالها، وإن كان يحق لهم التأكد من كونهم قاموا بإجراءات التصريح"، وقد صيغ المنشور بطريقة دقيقة لا تترك أي مجال لتأويلات من شانها أن تنتج ممارسات تعسفية أو تضييقية، ولذلك كان المرحوم ذ. عبد العزيز النويضي حريضا على معرفة كل التفاصيل والإشكالات المرتبطة بولوج الجمعيات والنقابات والأحزاب إلى القاعات العمومية ، وكل أنواع الذرائع و الحيل التي يتم اللجوء إليها لمنع إستعمال هذه القاعات، ولأجل ذلك ، لم يكتف المرحوم النويضي بتكريس جهده لإستقراء النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، بل قام أيضا بعدة لقاءات للإستماع لبعض الفاعلين المدنيين والسياسيين، وقد كان لي الشرف لمرافقة الراحل في كل مراحل بلورة هذا المنشور الهام ،من موقعي كفاعل جمعوي، كما لا يفوتني التنويه بالدور الإيجابي الذي لعبه أيضا في هاتين المحطتين (مراجعة قانون الجمعيات ومنشور الوزير الأول) ذ. محمد أوجار كوزير لحقوق الإنسان في حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002).