صباح يوم الاثنين 24 يونيو 2024، قمت بزيارة خاصة إلى ابن عمي وصديقي محمد تقي الله الأدهم، الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في موريتانيا. وجدته يستعد للخروج للندوة الصحفية اليومية، فاستقبلني بابتسامته المعهودة وأناقته المألوفة مرتديًا بدلة سوداء مع ربطة عنق مناسبة جدًا.
محمد تقي الله الأدهم هو من قيدومي الصحفيين الموريتانيين ومن ألمعهم وأذكاهم، ودائمًا ما كنت أشبّهه بالصحفي المقتدر المغربي مصطفى العلوي الذي كان ينقل الأنشطة الملكية في المغرب، كما ينقل محمد تقي الله الأدهم أنشطة أغلب رؤساء الجمهورية في موريتانيا.
طلب مني الناطق الرسمي مرافقته لحضور الندوة الصحفية. كانت القاعة جميلة، مبنية على شكل قبة خضراء مغلفة بالثوب، تحتوي على منصة منسقة مع تلفاز كبير ورموز للجنة الوطنية. حضر عشرات الصحفيين والصحفيات منتظرين وصول الناطق الرسمي، الذي حياهم بحرارة وألفة، تنم عن اعتياده اللقاء بهم صباح كل يوم منذ بداية الحملة الانتخابية الرئاسية. قدم لهم بعض المستجدات، مؤكدًا ضمان التوصل بالنتائج في وقتها، وأن أي خلل يلاحظه ممثل المرشح خاصة في احتساب الأصوات سيتم تصحيحه فورًا. كما أعلنت اللجنة عن عدد الأموات الموجودين في اللوائح التي قامت اللجنة بنشرها وتوزيعها. وأخبرهم بأن الإدلاء ببطاقة الناخب أو البطاقة الوطنية أو جواز السفر كافٍ للقيام بالواجب الوطني للتصويت.
تساءلت، أين نحن في المغرب من نظام الانتخابات في موريتانيا؟ الدولة الشقيقة المجاورة التي يظنها الجميع متخلفة، بينما الواقع عكس ذلك. الانتخابات في موريتانيا مماثلة لقوانين الانتخابات في فرنسا أو جارتها السنغال، حيث تُجرى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات والتصويت في دورتين. نفس الشيء ينطبق على الانتخابات التشريعية أو البرلمانية أو الجماعية.
على النقيض، في المغرب، تجري أغلب الانتخابات باللائحة، التي تبنتها حتى الأحزاب التقدمية لأنها تخدم أغراض أصحابها الأنانية. اللائحة في الأحزاب المغربية هي لوائح محاباة وبيع وشراء، تملؤها العلاقات العائلية والأصدقاء. في انتخابات البلديات، يُشترط أن يكون رئيس اللائحة غنيا لشراء الأصوات، بينما في الأحزاب التقدمية تُخصص لأعيان ومحظوظي الحزب، كما في حزب الإسلاميين أو الاشتراكيين أو التقدميين.
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على سبيل المثال، لديه الحق في إقصاء أي مرشح في الانتخابات البرلمانية، كما حدث مع النائب الدكتور بلاجي، الذي ينجح في الحزب ويتم إبعاده ليفرض علينا في حي النهضة المرحوم عبد الله بها. ولم يتمكن الدكتور بلاجي من النجاح إلا بعد تعيين عبدالله بها وزيرًا للدولة. بنكيران يدعي الديمقراطية وهو يعرف في قرارة نفسه أن فاقد الشيء لا يعطيه.
فلماذا لا تتفق الأحزاب المغربية مستقبلا على الاقتراع في دورتين؟ فهو أنجع لأنه يسمح بتكتلات حزبية محترمة ولا يترك الخريطة السياسية مبعثرة. أتمنى من كل قلبي أن يعتمد البرلمان مستقبلا الاقتراع في دورتين على غرار أغلب دول العالم. إلا أنني أستبعد ذلك لأن الاقتراع الحالي يخدم المتواجدين حاليا في الساحة السياسية ويجعل الخريطة متحكمًا فيها من طرف وزارة الداخلية والدولة العميقة.
كما أتساءل، لماذا لا يعمد المغرب إلى تكوين لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات الجماعية والبرلمانية وإبعاد وزارة الداخلية عن العملية برمتها؟ إن ما يُهدر من أموال على لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية يكفي نصفه لإشراف لجنة مستقلة مغربية على الانتخابات، ونكون بذلك قد ربحنا النزاهة والشفافية على غرار أغلب الدول في العالم.
هنيئًا لموريتانيا على هذه الشفافية والنزاهة في الانتخابات، فوزارة الداخلية لا دخل لها من بعيد أو قريب وهي تتلقى نتائج الانتخابات عن طريق الإعلام كما يتلقاها باقي أفراد الشعب والعالم.
لا زلت أذكر أنني في إحدى دورات الانتخابات البرلمانية تواجدت صدفة عند ابن عمي والي نواذيبو آنذاك المعروف بولد ديس، وكان الوالي يتلقى نتائج الانتخابات عن طريق اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهذه شهادة للتاريخ.
موريتانيا أعطت كل الضمانات لإجراء انتخابات نزيهة لا يمكن أن ينتقدها إلا حاقد أو حسود، وما أكثرهم في زماننا هذا. موريتانيا، رغم ما يُقال، هي دولة في طريق النمو، ينتظرها مستقبل زاهر لأن الديمقراطية فيها غير مزيفة. رغم الثغرات، كل شيء يبشر بالخير. حباها الله بموقع جغرافي متميز فهي باب إفريقيا السوداء، بالإضافة إلى الخيرات النفطية التي اكتشفت فيها مؤخرًا، وتسامح أفراد شعبها رغم أن البعض يعمل على إثارة النعرات بين أفراد الشعب. لكن بالديمقراطية واقتسام الخيرات ستنتصر الدولة على كل التحديات. يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.