الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الدكتور أنور الشرقاوي: ترسبات الحياة التي تنتهي بإبتلاع العقل

الدكتور أنور الشرقاوي: ترسبات الحياة التي تنتهي بإبتلاع العقل الدكتور أنور الشرقاوي
الدماغ بطبيعته رشيق للغاية.. ومع مرور الوقت وتقلبات الحياة، تتراكم طبقات رقيقة ويفقد الدماغ مرونته.
ختان. فقدان السن الأولى " سن الحليب". .
أول اتصال مع المدرسة. وفاة صديق الطفولة. تغيير عنوان السكنى والإبتعاد عن أول حب في مرحلة الطفولة. 
تجرع هزيمة رياضية.. ظهور البثور  " حب الشباب" على المحيا. شعر مجعد. تحطيم  اللعبة المفضلة. الاستبعاد من مجموعة الأطفال. 
الإحساس بالاهانة عند صفعة الأب. فورة الأم ودموعها.
إنها الترسيبات الأولى.
يبدو أن الوقت يمر بسلام، خلسة.
ورقة جديدة من الرواسب.
رفض قبلة من الحبيبة المفترضة. 
الاستمناء الأول. متعة خفية. الشعور بالخطيئة.
الميدالية البرونزية بدلا من الميدالية الذهبية في مسابقة رياضية مدرسية.
إستهجان وتحقير من طرف مدير المؤسسة. 
الإحساس بملامح وبشكل غير جذاب قرب الفتيات.
إحتداد الخلافات الأبوية والصراعات العائلية.
تواطؤ ضئيل أو منعدم بين الإخوة.
إنكسار الاكتاف والركب من كثرة الذهاب والمجيء  " السخرة " الى الحانوت ( البيسري). 
الحمل الاجباري اليومي "لوصلة"    الخبز الى " الفران" الفرن التقليدي
بشكل غادر ، تتسلل طبقة جديدة..
تجارب جنسية فاشلة..الخوف من الفشل الدراسي
اكتشاف الأفكار المنحرفة..
الشروع في قراءات تفتح أبواب الشك والشرك. 
نفث اول سيجارة. لمس الكأس الالى من الروج( الخمرة). توظيب اول لفافة  من الحشيش.
اشعال اول سبسي من الكيف  ( الشيشة المغربية). 
 يباع الكيف في رأس الدرب كباقة من  النعناع 
ركوب حافلة النقل العمومي دون شراء تذكرة. مع ما يشكل ذلك من إنقباض في القلب لو صعد المراقب. 
مع كل هذه الترسيبات، يبني  الدماغ شاشة دقيقة غير مرئية وغير محسوسة مع العالم الخارجي.
الطبيعة، من جانبها، تواصل طريقها، بصمت، دون شوشرة  ودون الكثير من الاضطرابات، لفترة طويلة من الزمن.
لكن قانون الفيزياء يبقى هو السائد .
الطبقات تترسب بتأدة وأناة وبدون أي علامة تثير الإنتباه. 
أفكار جنسية ملوثة، اهتزاز في  الإيمان وروحانية متذبذبة. 
اول رفض لسلطة الاب.
ولوج عالم الجنس و اكتشاف  المجلات والصور الإباحية.
مرض الأم. تقاعد الأب.
عدم تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لكأس العالم.
بدأت المعركة البيولوجية. إضمحلال  السيروتونين (هرمون السعادة) وتراجع الدوبامين (هرمون المتعة).
تتعثر البيولوجيا وتبدأ في الانحراف عن الأرقام السوية. 
تصطف هكذا جميع المكونات لطبخ ونضج حالة اكتئاب مرضية. 
إنها هذه الطبقات الصغيرة على كل ما تبدو من كونها تافهة و التي تفتح الباب على مصراعيه على المرض النفسي.
احداث بسيطة لا تأثير لها لو أخذت منفردة وفي حجمها الطبيعي والتي تلبس طابعا أكبر من وزنها عندما تتظافر الظروف السلبية.
إذاك يقوم دماغنا بتضخيمها  لدرجة أنها تنتهي بابتلاعه.