السبت 23 نوفمبر 2024
خارج الحدود

يوسف لهلالي: هل يحكم اليمين المتطرف بلد فولتير؟

يوسف لهلالي:  هل يحكم اليمين المتطرف بلد فولتير؟ يوسف لهلالي يتوسط ماكرون وبارديلا

يبدو ان سلسلة المفاجأة السياسية التي تعيشها فرنسا لن تتوقف عند تقدم اليمين المتشدد وحل البرلمان الفرنسي بشكل مفاجئ والذي صدم كل الطبقة السياسية،زهو قرار اعتبر مقامرة سياسية، ولن يكون الحدث الألعاب الأولمبية بباريس التي تعقد في نهاية شهر يونيو وبداية شهر غشت بل حكومة اليمين المتشدد المعادي للإسلام والهجرة على راس السلطة ببلد فولتير. وهو ما أكدته اخر دراسات الرأي حول نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة.

هذه الدراسة جاءت قبل ان يستفيق المشهد السياسي الفرنسي من صدمة قرار الرئيس الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة تجرى دورتها الأولى في 30 يونيو والثانية في 7من يوليوز.

وهو قرار فاجأ الجميع واعتبره اغلب السياسيين مقامرة لعدم توفر الرئيس على أوراق رابحة، وهو قرار فاجأ حتى المقربين لرئيس مثل غبريال اطال الوزير الأول المعين مؤخرا ورئيسة مجلس النواب وعدد من اقطاب حزبه الذين يتشبثون بالبقاء على رأس المؤسسات رغم عدم توفر حزب النهضة على اغلبية.

طبعا وقت الانتخابات والحملة ليس كافيا، تلاث أسابيع لإنجاز التحالفات والقيام بالحملة هو غير كافي لجميع الأحزاب خاصة في أجواء التحالفات الممكنة. اليسار لحد الساعة كان هو التحالف الذي يسير في الاتجاه الصحيح بعد ان أسس الجبهة الشعبية وذلك بسرعة قياسية تتلاءم مع الحدث، وذلك للمطالبة الملحة لناخبي اليسار بتشكيل جبهة موحدة في مواجهة اليمين المتشدد.

ويتشكل هذا التحالف ما بين حزب فرنسا الابية، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي وحزب الخضر، وهو تحالف يمكنه الحصول على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية المقبلة حسب اخر دراسات الراي.

اليمين الجمهوري تعرض لازمة، وذلك بعد قرار رئيسه أريك سيوتي القيام بتحالفك مع التجمع الوطني وهو ما استنكرته قيادة الجمهوريين وقام المكتب السياسي بفصله عن رئاسة الحزب التي مازال يتشبث بها، مما جعل هذا الحزب الدوغولي يعيش في ازمة حتى قبل ان يدخل في اية تحالفات ممكنة في هذه الانتخابات. وأعلن سيوتي «أنا رئيس وسأظل رئيسا" محذرا من "عواقب جنائية". مما جعل المسلسل القضائي مع قيادة الجمهوريين ينطلق هو الاخر، الذي سمح لرئيس الحزب من الاستمرار في مهامه.
الرئيس الفرنسي، في ندوة صحفية بعد حله للجمعية الوطنية دعا ، إلى "رص الصفوف" في وجه كل أشكال "التطرف" وذلك بعد الانتقادات التي تعرض لها داخل معسكره بعد اقدامه على حل الجمعية الوطنية ليست في صالحه وصالح حلفائه.
ولأول مرة  يقوم ماكرون بنوع من النقد الذاتي لسياسته وقال  "أتحمل بالكامل مسؤولية التسبب بحركة التوضيح هذه. أولا، لأن الفرنسيين طلبوا منا ذلك الأحد. فعندما يصوت 50 % من الفرنسيين للمتطرفين، وعندما يكون لدينا غالبية نسبية في الجمعية الوطنية لا يمكننا أن نقول لهم: نواصل كأن شيئا لم يكن". وهو يشير بذلك للازمة السياسية التي تعيشها فرنسا مند إعادة انتخابه لافتقاد معسكره الى اغلبية داخل الجمعية الوطنية ولجوئه الى بند 49.3  من اجل تمرير عدة قوانين مهمة مثل قانون التقاعد الذي يعتبر احد اهم الإصلاحات التي اثارت ضده سخط الفرنسيين.

وانتقد الرئيس الحالي الذي دخل بذلك للحملة الانتخابية التشريعية سواء اليمين المتطرف الذي يدعو إلى "الاقصاء" واليسار المتطرف الممثل برأيه، بحزب فرنسا الأبية، متهما إياه "بمعاداة السامية ومعاداة الحياة البرلمانية".وذلك في إشارة الى الازمات التي تسبب فيها فريق هذا الحزب، خاصة مطالبته الملحة بوقف اطلاق النار بغزة ووقف حرب الإبادة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، اتهم ماكرون الأربعاء التجمع الوطني بمواصلة اعتماد موقف "ملتبس حيال روسيا" وبالسعي إلى "الخروج من حلف شمال الأطلسي (ناتو)». واستهدف ماكرون أيضا في هذه الندوة حزب اليسار "فرنسا الابية" المتهم بـ "خلق فوضى مستمرة أحيانا" في الجمعية الوطنية. وانتقد التحالف الذي يتشكل بين حزب فرنسا الابية وثلاثة أحزاب يسارية أخرى واعتبره تحالف «غير لائق".وذلك سعيا منه الى التفرقة داخل الجبهة الشعبية التي أصبحت القوة الثانية حسب الاستطلاعات.

وحسب استطلاع جديد جرى قبل الندوة الصحفية لرئيس ايموانويل ماكرون الذي أجراه معهد "إيلاب" لصالح تلفزيون "بي إف إم تي في" فإن التجمع الوطني بزعامة جوردان بارديلا سيحصل في نهاية الجولة الثانية على ما بين 220 و270 مقعدا (من مجموع 577)
وسيحصل تحالف اليسار "الجبهة الشعبية على ما بين 150 و190 مقعدا، وحزب النهضة الرئاسي وحلفاؤه على ما بين 90 و130 مقعدا، والجمهوريون على ما بين 30 و40 مقعدا، فيما تتوزع بقية المقاعد على القوى السياسية الأخرى.

وهي نتائج كلها تعكس نتيجة واحدة وهي حصول اليمين المتشدد وحلفاؤه على اغلبية رغم انها نسبية في البرلمان الفرنسي المقبل، وهو ما يعني ان الرئيس الحالي سوف يقضي اخر عهدته الانتخابية متعايشا مع رئيس حكومة من اليمين المتطرف. وبالتالي سوف يتمكن اليمين المتطرف من الوصول الى سدة الحكم لأول مرة في الجمهورية الخامسة بعد ان ظل حزبا هامشيا وعلى أبواب السلطة. وهو توجه لم يحكم فرنسا مند اسقاط حكومة فيشي الموالية لنظام النازي بألمانيا سنة 1945 من طرف الحلفاء والمقاومين بفرنسا. هذا اليمين سوف يصل الى السلطة بفضل تبني أفكاره من قبل عدد من زعماء اليمين، حيث وصلت أفكاره الى الحكم قبل الحزب الذي يحملها وذلك من خلال تبنيها من طرف سياسيين محسوبين على اليمين الجمهوري مثل نيكولا ساركوزي وفرنسوا فيون ولورون فوكيي وايريك سيوتي من خلال طرحهم لها منذ سنة 2007 مثل قضية الهوية الفرنسية، قضية الامن والهجرة والافضلية للفرنسيين العداء للأجانب وهي كلها  من بنات أفكار اليمين المتطرف وتتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية التي تدعو الى الحرية، المساواة والاخاء.