الخميس 6 فبراير 2025
سياسة

 " كيف نرافع من أجل مغربية الصحراء؟".. موضوع ندوة بالجديدة

 " كيف نرافع من أجل مغربية الصحراء؟".. موضوع ندوة بالجديدة جانب من أشغال الندوة

خلصت الندوة المنظمة من طرف مركز "مازاكان للدراسات والأبحاث" بمدينة الجديدة يوم السبت 1 يونيو 2024 إلى أن  مغربية الصحراء، قضية محسوم فيها بالنظر إلى ما يتوفر لدى الجانب المغربي من المعطيات التاريخية والمسندات القانونية الدامغة، داعين في نفس الوقت، إلى ضرورة فتح نقاش جدي حول  كيفية الرفع من القدرات الترافعية لكل مهتم بالدفاع عن قضية مغربية الصحراء، انطلاقا من التزود بالمعلومة الدقيقة والوثيقة التاريخية المقنعة،  باعتبارها القناة الوحيدة للإقناع وإثبات عدالة القضية، إذ البحث العلمي الرصين، لن يكون إلا في تأكيد صالح شرعية الموقف المغربي.

وأجمع المشاركون في الندوة، بأن التنقيب في حفريات الوثائق والمخطوطات النادرة، يسمح باستجماع المعطيات الكافية لتأكيد الروابط القائمة بين شمال المغرب وجنوبه، لدرجة دفعت بعض المتدخلين إلى القول بأن المطلوب اليوم هو التأكيد على صحراوية المغرب وليس مغربية الصحراء، لكون كل الأحداث التي عرفها المغرب، وعلى مر التاريخ، كان مصدرها الصحراء، على امتداد مجالها الترابي العريض، من الشرق إلى الغرب.

وقال الباحث عبد الرحيم برديجي (وهو أستاذ باحث في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية ورئيس المركز الإسباني الصحراوي) في مداخلته، إن الدفاع عن قضية الصحراء يضم ما يكفي من المعطيات التاريخية لدحض دفوعات الخصوم، لكن ما يسجل بهذا الخصوص، أن الوصول إلى المعلومة مازال غير متاح للعموم، وهو ما يتطلب - في نظره - تكثيف القيام بالدورات التكوينية الهادفة إلى تدريب المدافعين عن الموقف المغربي، على تقنيات الترافع التي أصبحت تفرض نفسها أكثر  من أي وقت مضى، بالنظر إلى الأكاذيب المروج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، وما يطرحه ذلك من تحديات كبيرة على المترافع، الذي ينبغي – حسب قوله - أن يكون ملما بالترافع كتقنية أولا ، ثم بحيثيات الملف على مختلف الأوجه، التاريخية والجغرافية والحقوقية والقانونية وغيره، حتى لا يحاصر بالأسئلة المحرجة للخصم الذي ينحو دائما إلى التخلص من الأجوبة المفحمة والتوجه إلى إثارة القضايا الهامشية، فضلا عن ضرورة انخراط الجميع في مشروع الوعي بهذه القضية، لأنها أضحت تشكل، كما قال الملك محمد السادس في الذكرى 39 للمسيرة الخضراء، قضية جميع المغاربة وليسن قضية ملك أو حكومة.

في نفس الاتجاه، دعا "عبد الوهاب سيبويه" (رئيس الجمعية المغربية للمخطوطات وحفظ ذاكرة الصحراء المغربية) الذي نظم على هامش الندوة معرضا فريدا خاص بالوثائق النادرة والمخطوطات الأثرية القديمة، إلى ضرورة إيلاء  الوثائق والمخطوطات، ما تستحق من أهمية، كونها تعكس -في نظره- العنصر الأساسي  لإبراز تجليات شرعية المغرب على صحراءه، مؤكدا في نفس الوقت، على أن الوثيقة العدلية هي أسمى ما يمكن الارتكاز عليه بهذا الخصوص، ضاربا المثال بوثيقة بيعة أهل الصحراء للسلطان الحسن الأول سنة 1882، ومبرزا أيضا، بأن وثائق الفترة الاستعمارية، تعد أكبر دليل على مغربية الصحراء، ومنها مثلا اتفاقية مدريد سنة 1880 واتفاقية الخزيرات سنة 1906، واللتان تثبتان وجود اعتراف دولي من طرف ملوك ورؤساء الدول الغربية بالوحدة الترابية للمملكة الترابية بما فيها الأقاليم الجنوبية، موضحا بأن البحث في النوازل والأحكام المحررة  من طرف قضاة الصحراء المعينين من طرف سلاطين المغرب على مر التاريخ، ولا سيما في عهد الدولة العلوية، أكبر دليل على ترسيخ سيادة المغرب على صحرائه، وهو الشيء ذاته، الذي أكده ، "نور الدين بلحداد"، الذي أوضح في مداخلته، بأن مواقف  السلطان العلوي مولاي الحسن الأول خلال القرن 19 ضد تحرشات الدول الأجنبية، ولاسيما الفرنسية منها والإسبانية والبريطانية في سواحل المغرب الجنوبي، دليل آخر، على مغربية هذه السواحل، لاسيما أن الوثائق التاريخية التي خلفتها هذه المواقف، هي التي من شأنها إماطة اللثام عن حقيقة ما جرى من أحداث، والتي أثبتت استماتة المغرب، في الدفاع عن وحدة أراضيه ضد الغرب الأجنبي، وذلك منذ زمن طويل، قبل أن تظهر ملامح هذا الصراع المفتعل الآن، والذي لا يعدو أن يكون صنيعة من صنائع المستعمر، موضحا، بأن دحض الادعاءات المروجة من قبل الكيان الوهمي وصنيعته الجزائر، لا بد أن يستند على المعطى التاريخي وليس على الانفعالات العاطفية، مذكرا، بأن جلالة الحسن الثاني رحمه الله، سبق له أن التقاه صدفة في أروقة المكتبة الوطنية، عندما كان بصدد إنجاز بحثه لنيل شهادة الدكتوراه، وعندما أخبره بأن موضوع رسالته يتركز على قضية الصحراء، قال له جلالته : " إذا وجدت أي وثيقة تنفي وجود حق للمغرب على الصحراء، فلا تتردد بنشرها"، وهو ما يفيد في نظر بلحداد، أن جلالته، كان واثقا جدا، باستحالة وجود مثل هذه الوثائق، لأن التاريخ الحقيقي، لا يكذب ولا يزور الوقائع، وبالتالي فهو سلاح المغرب وقوته الشرعية  .

من جهته، أبرز "نبيل دريوش" (أعلامي وباحث في العلاقات المغربية الإسبانية)، أن مواقف الإسبان الأخيرة من قضية الصحراء، تشكل تغييرا كبيرا في نظرة هذا البلد الجار إلى المغرب، الذي كانت مواقفه دائما ملتبسة وغير واضحة، إن لم نقل أنه كان في الكثير من المحطات داعما لفكرة الخصوم، لاسيما أنه لم ينس الطريقة المهينة التي انسحب بها من الصحراء بواسطة ملحمة المسيرة الخضراء سنة 1975، والتي تركت في وجدانه جرحا غائرا من الصعب نكرانه، وذكر بهذا الخصوص، أن أكبر خصم للمغرب في هذه القضية، هو الإعلام الإسباني الذي كان دائما حجر عثرة  في مسلسل تسوية قضية الصحراء، وأنه لا يؤمن إلا بسردية الخصم ويشيح بوجهه عن وجهة نظر المغرب، على الرغم من موضوعية المبررات التي يستند عليها مقابل ضعف مبررات الطرف الآخر، لذلك، يرى "دريوش" أن  الإعلام الإسباني غير مستقل في خطه التحريري عن الأحزاب السياسة، بل كان دائما إعلاما معبرا عن مواقف وآراء هذه الأحزاب، وأبعد ما يكون عن المهنية التي تفترض عليه منطقيا الأخذ بالرأي والرأي الآخر"، داعيا  المهتمين بالحقل الإعلامي، إلى ضرورة رفع مقدراتهم اللغوية والتوثيقية كي يكونوا في مستوى مواجهة ادعاءات هذا الإعلام المنحاز.

هذا الانحياز، هو الذي عبر عنه "نور الدين أحمد" (مكلف بالدراسات سابقا لدى وزارة الخارجية) في مداخلته، والتي خصصها لتطور مسار مرافعة المغرب عن موقفه في  المنتظم الدولي،  مؤكدا على أن  المكتسبات التي حققها المغرب، لا تنفي القول بحدوث عدة أخطاء في المسار الديبلوماسي، منها مثلا قبول المغرب الجلوس على طاولة المفاوضات مع الكيان الوهمي، ثم التسامح مع وجود هذا الكيان في عضوية الاتحاد الأفريقي ومن ثم، التعامل معه كأمر واقع منذ عودة المغرب إلى المنظمة الأفريقية سنة 2017، فضلا عن رفع منسوب الأمل حيال الحلول الدولية المقترحة من طرف الأمم المتحدة، والتي بينت الأحداث، أنها لم تكن بذات الجدية والمسؤولية التي كان المغرب يتطلع عليها، وأنها استهلكت وقتا كبيرا دون أن تكون لها نتائج ملموسة على أرض الواقع للدفع بمسلسل هذه القضية نحو التسوية، وأكد، أن المعطيات القانونية والديبلوماسية  تثبت بشكل جلي، بأن الموقف المغربي، وجيه وموضوعي ومنطقي ومؤسس من الناحية القانونية، لذا يجب البحث عن خيارات أخرى، لإنهاء مسلسل التسويف الأممي، معتقدا في الوقت ذاته، بأن الأمم المتحدة كهيئة دولية، شاخت وهرمت، وتجاوزها الزمن والأحداث، وأصبحت أدوارها باهتة جدا، فالمنظمة التي أنشأت منذ أكثر من 80 سنة  مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لغرض واحد هو صيانة مصالح الدول الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب، أصبح وجودها، في حد ذاته، معرقلا لمسلسل السلام، وكابحا لجهود التسوية، ليس في المغرب فحسب، بل في كل بؤر الصراع بالعالم، وحان  الوقت – حسبه - لتعديل القوانين المنظمة لها، وطرح السؤال حول جدوى الاستمرار في تعليق الحل على قرارتها.

يذكر أن مركز مازاكان للدراسات والابحاث، قرر تنظيم هذه الندوة، حسب تصريح رئيسه رشيد لبكر ( أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة) من أجل تسليط الضوء على المعطيات التي تمكن كل مهتم بقضية المغرب الأولى، من اكتساب آليات معرفية صلبة ودقيقة، تمكنه من الدفاع عن مغربية الصحراء والترافع في كل المنتديات على حقوق المغرب الثابتة والراسخة في هذا الجزء لا يتجزء من ترابه، بالدليل والبرهان، أي بالوثيقة التاريخية والمعلومة الرسمية، التي تشهد على صحتها، مكاتب التوثيق الحكومي والارشيف العسكري في عدد من الدول المعروفة بتاريخها الاستعماري في المنطقة المغاربية، لذلك قرر أن تشارك في تنشيطها كفاءات علمية متخصصة، ومن الشخصيات التي كرست حيزا كبيرا من حياتها للبحث في هذا الموضوع والتنقيب عن الوثائق والمستندات التاريخية، العسكرية منها والمدنية، لتوضيح الرؤى وتقديم البيانات الكافية، التي تمكن كل مطلع عليها،  من بناء موقف علمي وموضوعي، اتجاه القضية، مسنودا بالأدلة الدامغة والحجج الساطعة، على صحة الموقف المغربي وشرعيته، بعيدا عن اي  دوغمائية أو بروباغندا إعلامية لن تدفع به إلى الامام.

 من الأنشطة التي نظمت على هامش الندوة، تنظيم "ذ عبد الوهاب سيبويه" لمعرض خاص بالوثائق والمخطوطات النادرة حول الارتباط التاريخي للصحراء ببلدها الأم " المغرب"، إضافة إلى تكريم العقيد المتقاعد سي ّ الشرفي بوعزة السباعي" وهو من أبناء الجديدة الذين قضوا سنوات في خط المواجهة المباشرة بحدود أقاليمنا الجنوبية.

أشرفت على تنظيم هذه الندوة جمعية "مركز مازاكان للدراسات والأبحاث بالجديدة " كيف نرافع من أجل مغربية الصحراء؟" بالشراكة مع المركب الثقافي عبد الحق القادري التذي احتضن أطوارها صبيحة يوم السبت الماضي، بالتعاون مع جامعة شعيب الدكالي وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة وبدعم من هيئة المحامين بالجديدة والمجلس الجهوي للعدول باستئنافية الجديدة.