عدة مشاريع قوانين مازالت تنتظر صدورها منذ مدة مثل قانون الإضراب، وقانون الإثراء بلا سبب وغيرها، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع -انفاس بريس- اجرت الحوار التالي مع رشيد لبكر أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بجامعة شعيب الدكالي:
بعض القوانين طال انتظار صدورها ومنها قانون التنظيمي الاضراب ..ويبدو أن الحكومة مازالت مترددة في الافراج عن المشاريع المتعلقة به واحالتها على البرلمان..لماذا في نظرك؟
اعتقد ان وجود خلافات جوهرية في بعض مشاريع القوانين المحالة على البرلمان هو الذي يدفع الحكومة إلى البحث عن التوافق، فهذا يفسر ذاك، على اعتبار أن هذه المشاريع هي على قدر كبير جدا من الأهمية، ولا نبالغ إذا قلنا بأن السلم الاجتماعي يتوقف عليها، وبالتالي فالخطأ فيها غير مقبول، لذا فالحكومة تعد ألف حساب لهذا المشاريع قبل أن تجازف بإحالتها على البرلمان، يمكن أن نتكلم في هذا الإطار مثلا عن قانون الإضراب، الذي يفترض ان يشكل السند القانوني لكل الاحتجاجات الاجتماعية، لكن التخوف منصب حول إمكانية تضمن هذا القانون لمقتضيات تبرر طرق قمع الاحتجاجات من طرف الأجهزة المختصة في الدولة، وهذا شيء خطير ولا يمكن التكهن بردة الفعل إزاءه، فقد يكون هذا أحد الأسباب الذي فرض على الحكومة، بل كل الحكومات المتعاقبة، التعامل مع هذا المشروع بحساسية شديدة وحذر أشد، فتمريره مرتبط بالمزاج المجتمعي العام وبتطور الوعي الديمرقراطي لدى كل الفئات والطبقات، وذلك حتى لا يتخذه البعض ذريعة لقمع الاحتجاجات "بالقانون"، أو للتاثير من جهة أخرى، على الجماهير وتطويعها نحو خوض إضرابات قد لا تكون المعطيات القائمة مبررة لخوضها، بل نابعة من دوافع سياسوية محضة او نوازع التحرش بالسلطة، طبعا نحن هنا لا مبرر للحكومة تأخيرها في فك الحصار عن هذه المشاريع، بل نحاول نفهم مبررات التأخيرفقط ، لذا اعتقد ان الحكومة قد أخذت وقتها الكافي جدا في التفكير والإعداد والدراسة والمشاورة، وبالتالي لم يعد أمامها أي مبرر للمماطلة والزيادة في أمد تأخير إخراج هذه المشاريع، التي أصبح صدورها ملحا في هذا الظرف المتميز بارتفاع وتائر الإحتجاج، لضمان مواصلة بناء دولة الحق والقانون و مواكبة إجراءات التحول الديموقراطي في بلادنا منذ إعلان صاحب الجلالة عن ميلاد المفهوم الجديد للسلطة...
اعتقد ان وجود خلافات جوهرية في بعض مشاريع القوانين المحالة على البرلمان هو الذي يدفع الحكومة إلى البحث عن التوافق، فهذا يفسر ذاك، على اعتبار أن هذه المشاريع هي على قدر كبير جدا من الأهمية، ولا نبالغ إذا قلنا بأن السلم الاجتماعي يتوقف عليها، وبالتالي فالخطأ فيها غير مقبول، لذا فالحكومة تعد ألف حساب لهذا المشاريع قبل أن تجازف بإحالتها على البرلمان، يمكن أن نتكلم في هذا الإطار مثلا عن قانون الإضراب، الذي يفترض ان يشكل السند القانوني لكل الاحتجاجات الاجتماعية، لكن التخوف منصب حول إمكانية تضمن هذا القانون لمقتضيات تبرر طرق قمع الاحتجاجات من طرف الأجهزة المختصة في الدولة، وهذا شيء خطير ولا يمكن التكهن بردة الفعل إزاءه، فقد يكون هذا أحد الأسباب الذي فرض على الحكومة، بل كل الحكومات المتعاقبة، التعامل مع هذا المشروع بحساسية شديدة وحذر أشد، فتمريره مرتبط بالمزاج المجتمعي العام وبتطور الوعي الديمرقراطي لدى كل الفئات والطبقات، وذلك حتى لا يتخذه البعض ذريعة لقمع الاحتجاجات "بالقانون"، أو للتاثير من جهة أخرى، على الجماهير وتطويعها نحو خوض إضرابات قد لا تكون المعطيات القائمة مبررة لخوضها، بل نابعة من دوافع سياسوية محضة او نوازع التحرش بالسلطة، طبعا نحن هنا لا مبرر للحكومة تأخيرها في فك الحصار عن هذه المشاريع، بل نحاول نفهم مبررات التأخيرفقط ، لذا اعتقد ان الحكومة قد أخذت وقتها الكافي جدا في التفكير والإعداد والدراسة والمشاورة، وبالتالي لم يعد أمامها أي مبرر للمماطلة والزيادة في أمد تأخير إخراج هذه المشاريع، التي أصبح صدورها ملحا في هذا الظرف المتميز بارتفاع وتائر الإحتجاج، لضمان مواصلة بناء دولة الحق والقانون و مواكبة إجراءات التحول الديموقراطي في بلادنا منذ إعلان صاحب الجلالة عن ميلاد المفهوم الجديد للسلطة...
وماذا عن التاخير الحاصل أيضا بخصوص مشروع قانون الجنائي والاثراء بلا سبب؟ ...
مشروع تعديل مدونة القانون الجنائي مازال يثير نقاشا كبيرا وقد طالت فترة مخاضه واصبح يتطلب ولادة قيسرية بعد تعذر ولادته طبيعيا، فقد سبق منذ أكثر من سنة، أن وصل إلى مراحل النهائية لإخراجه إلى حيز الوجود قبل إحالته على البرلمان من اجل الشروع في مناقشته، لكن تم سحبه في آخر لحظة، واعتقد ان السبب راجع إلى وجود حذر كبير من طرحه في هذه الفترة المتسمة بسياق دولي متقلب و غير مناسب. حذر يمليه التخوف من ردة فعل الشاعر اتجاه ما قد يتضمنه من بنود سبق للسيد وزير العدل ان أدلى بتصريحات او تلميحات بشانها، وأدت إلى نشوب خلافات جوهرية شديدة اللهجة بين مؤيدين ومعارضين، لاسيما ان بعض النقاش مس مسائل تخص المعتقد الديني الذي يشكل ركنا أساسيا في تركيبة الوجدان المغربي العام وفي ضمان السلم المجتمعي، وبالتالي فهذا موضوع لا يمكن المجازفة به ولا التسرع فيه، ويحتاج فعلا إلى التروي وإعادة القراءة الف مرة، لأن المسألة تتعلق بتشريع، يفترض أنه سيؤسس لقواعد قانونية عامة ومجردة، منسجمة مع التزامات المغرب الدولية و لكنها متلائمة ايضا مع الدستور وخصوصيات الحكم بالبلاد. تشريع يرمي إلى رعاية المصلحة العامة بالطبع، و التي يجب ان تسمو على كل المصالح الخاصة، وان تترفع عن جميع الحساسيات والتجاذبات الإيديولوجية، لذا اعتقد، ان التخوف والحرص والتوجس كاف لوحده لتفسير تردد أو نقل تريث الحكومة في الافراج عن مشروع القانون الجنائي، ومع ذلك، يبدو انه اخذ ما يكفي الوقت وقد حان الأوان أيضا للإفراج عنه، ولا أظن أن الرؤية مازالت لم تتضح بعد أمام الحكومة بالشكل الكافي الذي يشجعها على الإفراج عنه، لاسيما أن النصوص المتعلقة بالجانب العقدي ليست هي وحدها فقط التي تثير التساؤلات، بل هناك نصوص اخرى متعلقة بمجالات لا تقل أهمية، منها تلك التي ستخصص لمحاربة الفساد المالي وجرائم الإثراء بلا سبب، والعقوبات الماسة بالحرية الصحفية ثم إلى أي مدى يمكن استغلال بعض النصوص المتعلقة بالقضايا الجنسية في تكييف جرائم الفساد وإسكات الاصوات المعارضة، فهذه كلها، نصوص تبرر وجود بعض التحفظات او تخوفات حول كيفية تنزيلها، حتى لا نرجع بمشروع القانون الجنائي إلى عهد " كل ما من شأنه" السيء الذكر ...فبلادنا اليوم تتهيئ للتقدم إلى الأمام وليس العكس، وعلى العموم، لذا أظن ان الإفراج عن هذا المشروع في هذا الوقت بالذات، سيكون منسجما مع عنوان المرحلة المتعلق بالتخليق و محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيره، وكيفما كان الحال، ستكون امامه جولات اخرى من النقاش البرلماني، و هو ما سيوفر، بظني، ضمانات أخرى للنأي به عن شتى الانحرافات او المنزلقات التي ستبدد كل هذه التخوفات التي تبقى على أية حال مفهومة ولها ما يبررها، لكن على البرلمانيين من جهتهم، الرفع من منسوب المسؤولية عند مناقشة هذا المشروع والتخلي عن المزايدات والحسابات السياسة حرصا على المصلحة العامة.
مشروع تعديل مدونة القانون الجنائي مازال يثير نقاشا كبيرا وقد طالت فترة مخاضه واصبح يتطلب ولادة قيسرية بعد تعذر ولادته طبيعيا، فقد سبق منذ أكثر من سنة، أن وصل إلى مراحل النهائية لإخراجه إلى حيز الوجود قبل إحالته على البرلمان من اجل الشروع في مناقشته، لكن تم سحبه في آخر لحظة، واعتقد ان السبب راجع إلى وجود حذر كبير من طرحه في هذه الفترة المتسمة بسياق دولي متقلب و غير مناسب. حذر يمليه التخوف من ردة فعل الشاعر اتجاه ما قد يتضمنه من بنود سبق للسيد وزير العدل ان أدلى بتصريحات او تلميحات بشانها، وأدت إلى نشوب خلافات جوهرية شديدة اللهجة بين مؤيدين ومعارضين، لاسيما ان بعض النقاش مس مسائل تخص المعتقد الديني الذي يشكل ركنا أساسيا في تركيبة الوجدان المغربي العام وفي ضمان السلم المجتمعي، وبالتالي فهذا موضوع لا يمكن المجازفة به ولا التسرع فيه، ويحتاج فعلا إلى التروي وإعادة القراءة الف مرة، لأن المسألة تتعلق بتشريع، يفترض أنه سيؤسس لقواعد قانونية عامة ومجردة، منسجمة مع التزامات المغرب الدولية و لكنها متلائمة ايضا مع الدستور وخصوصيات الحكم بالبلاد. تشريع يرمي إلى رعاية المصلحة العامة بالطبع، و التي يجب ان تسمو على كل المصالح الخاصة، وان تترفع عن جميع الحساسيات والتجاذبات الإيديولوجية، لذا اعتقد، ان التخوف والحرص والتوجس كاف لوحده لتفسير تردد أو نقل تريث الحكومة في الافراج عن مشروع القانون الجنائي، ومع ذلك، يبدو انه اخذ ما يكفي الوقت وقد حان الأوان أيضا للإفراج عنه، ولا أظن أن الرؤية مازالت لم تتضح بعد أمام الحكومة بالشكل الكافي الذي يشجعها على الإفراج عنه، لاسيما أن النصوص المتعلقة بالجانب العقدي ليست هي وحدها فقط التي تثير التساؤلات، بل هناك نصوص اخرى متعلقة بمجالات لا تقل أهمية، منها تلك التي ستخصص لمحاربة الفساد المالي وجرائم الإثراء بلا سبب، والعقوبات الماسة بالحرية الصحفية ثم إلى أي مدى يمكن استغلال بعض النصوص المتعلقة بالقضايا الجنسية في تكييف جرائم الفساد وإسكات الاصوات المعارضة، فهذه كلها، نصوص تبرر وجود بعض التحفظات او تخوفات حول كيفية تنزيلها، حتى لا نرجع بمشروع القانون الجنائي إلى عهد " كل ما من شأنه" السيء الذكر ...فبلادنا اليوم تتهيئ للتقدم إلى الأمام وليس العكس، وعلى العموم، لذا أظن ان الإفراج عن هذا المشروع في هذا الوقت بالذات، سيكون منسجما مع عنوان المرحلة المتعلق بالتخليق و محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيره، وكيفما كان الحال، ستكون امامه جولات اخرى من النقاش البرلماني، و هو ما سيوفر، بظني، ضمانات أخرى للنأي به عن شتى الانحرافات او المنزلقات التي ستبدد كل هذه التخوفات التي تبقى على أية حال مفهومة ولها ما يبررها، لكن على البرلمانيين من جهتهم، الرفع من منسوب المسؤولية عند مناقشة هذا المشروع والتخلي عن المزايدات والحسابات السياسة حرصا على المصلحة العامة.
هل تتوقع ان يتم الإفراج عن هذه المشاريع قبل إنهاء هذه الحكومة لولايتها؟...
ممكن جدا، بل وأتوقع ذلك، حتى لا تفقد الحكومة مصداقيتها ولا تضيع هذه الورقة من يدها، وبالمقابل، أعتقد أن عدم التسرع، في حد ذاته، يعبر عن وجود حس مرتفع من الالتزام والمسؤولية و الإصرار على ضمان الاستقرار، فالحكومة وإن كانت واعية بأن ما ستفرجه عنه مجرد مشروع قانون مازال في بداية طريقه قبل التشريع النهائي ، فإنها أيضا منتبهة وحريصة على ألا ينسب إليها مشروع قد يثير حساسيات متعددة يفتح الباب امام شتى التأويلات، التي ربما ستسيء إليها، وربما يستغله الخصوم للنيل منها ، لكل هذا قلت، ان وراء هذا التاخير معطيات موضوعية تبرره، وليس من الضروري النظر إليه بمنظور سلبي، بل من الممكن جدا، ان العكس هو الصحيح، والاهم في آخر المطاف هو ضمان مصلحة البلاد..
ممكن جدا، بل وأتوقع ذلك، حتى لا تفقد الحكومة مصداقيتها ولا تضيع هذه الورقة من يدها، وبالمقابل، أعتقد أن عدم التسرع، في حد ذاته، يعبر عن وجود حس مرتفع من الالتزام والمسؤولية و الإصرار على ضمان الاستقرار، فالحكومة وإن كانت واعية بأن ما ستفرجه عنه مجرد مشروع قانون مازال في بداية طريقه قبل التشريع النهائي ، فإنها أيضا منتبهة وحريصة على ألا ينسب إليها مشروع قد يثير حساسيات متعددة يفتح الباب امام شتى التأويلات، التي ربما ستسيء إليها، وربما يستغله الخصوم للنيل منها ، لكل هذا قلت، ان وراء هذا التاخير معطيات موضوعية تبرره، وليس من الضروري النظر إليه بمنظور سلبي، بل من الممكن جدا، ان العكس هو الصحيح، والاهم في آخر المطاف هو ضمان مصلحة البلاد..
