لم يكن تنبيه "أنفاس بريس" عبثا، وهي تدق جرس الإنذار في تضاعيف العنوان التالي: "تلاعب المجلس العلمي في الناظور بمصداقية بعثة رمضان إلى إسبانيا!"، (7 مارس 2024)، وذلك في ظل تواتر الخبر الآن، في أوساط القيمين الدينيين بالشمال الشرقي عن مجموعة من الأئمة والخطباء بأقاليم الدريوش والناظور وبركان وتاوريرت، الذين اقترحتهم المجالس العلمية بالأقاليم المذكورة، لمهام الوعظ والإرشاد والتشفيع بدولة فرنسا وألمانيا.. خلال رمضان 2024، قد فروا بعد انتهاء مهامهم إلى وجهة غير معلومة، مفضلين البقاء في ديار المهجر.
وهذه الظاهرة التي بدأت في الاستفحال، سبق أن سجلت ميلاد الحديث عنها بهولاندا. ويظهر أن دوافع الحريگ هنا، تحتضنها "شبكات" أخرى من الاتجار في البشر، على خلفية الهروب من المتابعات القضائية الجارية، أو دعم البنية التنظيمية للأصولية في أوروبا، بتخطيط مسبق.
وأكيد أن هذا الأمر يسائل رؤساء المجالس العلمية المحلية بشأن معايير اختيار الوعاظ والمرشدين والمشفعين لأداء مهامهم بالخارج خلال شهر رمضان، في ظل مطلب الكشف عن حقيقة أسباب فضيحة ما حصل.
وأفادنا من استرشدنا برأيهم في الريف الشرقي، أن هناك عدة أسباب تجعل المجالس العلمية في قلب هذه الفضائح، يمكن إجمالها على هذا النحو: عدم الشعور بالمسؤولية، والإستهتار بصورة المملكة المغربية بالخارج. فضلا عن المحسوبية والزبونية في اقتراح الأسماء. بل هناك من يتحدث عن شبهات الفساد المالي، و"دفع إتاوات" قصد تزكية إسمه ضمن المقترحين لأداء المهام المذكورة بالخارج. وكل هذه المستويات تستوجب المساءلة، وليس التغافل كما هو الحال الآن.
ومن النوادر المتنذر بها فيمن عنته مادة "أنفاس بريس" المشار إليها أعلاه،والذي اقترحه رئيس المجلس العلمي بالناظور، لمهمة أداء التراويح بالجالية المغربية، رغم أنه لا تربطه أية صلة بفئة القيمين الدينيين ولا يحفظ القرآن الكريم، ولا يتوفر حتى على الشهادة الإبتدائية، بإستثناء الشهادة التي يتبجح بها، موقعة من رئيس المجلس العلمي الجهوي لوجدة في مادة المنطق، حيث كان يحضر لدرسه في المنطق التي تبثه "قناة السادسة"، الأمر الذي جعله محل سخرية بين الأئمة المرشدين بالناظور، قائلين؛ كيف لمن لا يفرق بين الفاعل والمفعول، أن يحصل على شهادة في علم المنطق من فقيه وجدة، والحال أن حتى المنطق الذي يدعيه هذا الفقيه، لا علاقة له بمقولات المنطق كعلم.بل كل ما في الأمر، سياحة محدودة في هوامش المنطق.
وإذا كان فيما يتداول،الربط بين مادة "أنفاس بريس"، واستبعاد وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى في آخر لحظة، لمشروع حراگ،لم يكن ما سيسجله بأوروبا إلا الحريگ.ولا شك أن هذا الاستبعاد جميل في باب تفاعل الإدارة مع الإعلام.لد لكن الأمر كان يستوجب أبعد من ذلك،وهو التحقيق في طبيعة الاختراقات الحاصلة، وترتيب الجزاءات المطلوبة.
وفي باب التنذر مما حصل، في نوافذ التواصل الاجتماعي بالمنطقة، نقف على التدوينة التالية: "كملو التراويح ودارو طار أويح. فقهاء التراويح يحرقون الفيزا ويفرون للجوء تحت حماية خاري عيسى".وتمت ترجمتها للإسبانية تحت هذا العنوان: "ترجمة رحاج كوكل نعاماس".والمقصود "تحت حماية خاري بنعيسى" ،الأستاذ عيسى بويوزان رئيس المجلس العلمي للدريوش.
لكل هذا، وبالنظر إلى انفلاتات الحريگ المسجلة الآن، على الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فتح تحقيق نزيه في الموضوع ومحاسبة المتورطين، سواء كانوا من المجالس العلمية أو مندوبيات الشؤون الإسلامية، حفاظا على صورة المملكة المغربية في أوروبا، والتي تعول بلدانها، على بلادنا كثيرا في الجانب الأمني والروحي، لمحاربة كل مظاهر الغلو والتطرف.
فهل بمثل هؤلاء الأئمة "الحراگة"، سنؤطر الجالية المغربية بالخارج، وننافس أئمة الأزهر في باب الاقتدار العلمي، ودعاة الحوزات العلمية الشيعية، وغيرهم من الوهابية والإخوان، القادمين من مختلف البلدان، بشتى رهانات مشاريعهم المذهبية؟ فاتقوا الله في هذا البلد الأمين!