السبت 4 مايو 2024
مجتمع

المبادرة الملكية الأطلسية.. خبراء يقدمون ستة مداخل لترسيخ التنمية المشتركة بإفريقيا(مع فيديو)

المبادرة الملكية الأطلسية.. خبراء يقدمون ستة مداخل لترسيخ التنمية المشتركة بإفريقيا(مع فيديو) جانب من أشغال الندوة الفكري
احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أشغال الندوة الفكرية حول "المبادرة الملكية الأطلسية وميلاد إفريقيا الجديدة: الأبعاد الجيوسياسية، الاقتصادية والاستراتيجية"، بمدرج الشريف الإدريسي يوم الثلاثاء 26 مارس 2024، من تنظيم المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، ومركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية بشراكة مع ذات الكلية المستضيفة التابعة لجامعة محمد الخامس الرباط.
ويأتي اختيار موضوع لندوة، إيمانا من المنظمين والمتدخلين بالدور الهام والمركزي الذي يمكن أن تلعبه الجامعة المغربية، في تعميق الأبحاث والدراسات حول القارة الإفريقية، وفق مقاربة متنافذة ومتعددة التخصصات لمواكبة التوجهات والمشاريع الاستراتيجية الكبرى للمملكة المغربية (ربط بلدان الساحل بالمنافذ البحرية المغربية وخاصة ميناء الداخلة الأطلسي، الإطار المؤسسي للدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلنتي، خط أنابيب الغاز الاستراتيجي المغرب - نيجيريا، تنويع المعابر البرية مع إفريقيا، بناء أسطول تجاري بحري وطني) ذات الصلة بالمبادرة الملكية الأطلسية التي يقودها الملك محمد السادس، تحقيقا للتنمية المشتركة للقارة الإفريقية، ولتحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.
ولقد شكلت أشغال الندوة الفكرية، مناسبة جديدة للقاء بين أعضاء الفريق البيداغوجي لمشروع ماستر "الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا: الموارد، الفرص والمخاطر"، من أجل تعزيز البناء المشترك لهذا المشروع العلمي والبيداغوجي طور مسطرة الاعتماد بشعبة الجغرافيا (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط - جامعة محمد الخامس)، مع اعتماد مقاربة متعددة التخصصات، تجمع بين الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد والقانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية واللغات والثقافة وعلوم التربية والجيواستراتيجيا والجيوبوليتيك والدراسات الإسلامية.
لقد أجمعت المداخلات، على أن التحولات والمتغيرات الجيوسياسية الدولية تؤكد صوابية رهان السياسة الخارجية المغربية على القارة الإفريقية منذ مطلع الألفية الثالثة، فالمغرب بلد مؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي). كما أن المقاربة التنموية المغربية المقترحة بمنطقة الساحل والصحراء تفتح آفاق واعدة أمام مثلث التنمية - الأمن والسلام والاستقرار المفقود منذ عقود بالمنطقة، وتتضمن العديد من الرهانات والفرص والتحديات.
لقد حظيت المبادرة الملكية الأطلسية بإشادة دولية واسعة، كونها أضافت أربع دول حبيسة، بمساحة شاسعة وموارد بشرية وثروات طبيعية مهمة إلى مبادرة الدول المطلة على المحيط الأطلنتي. هذه الإشادة ترجمتها ردود داعمة من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والدول الإفريقية ودول الخليج ومؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وانخرطت فيها عمليا بلدان الساحل المعنية، خاصة أن الحل الوحيد لمحاربة الإرهاب هو التنمية، والهدف الأساسي من المبادرة يبقى اقتصاديا في المقام الأول لجذب الاستثمارات الدولية خدمة لاستقرار وازدهار الشعوب المعنية.
إن إفريقيا مطالبة بالتعامل مع مرحلة "ما بعد الغرب وما بعد الحداثة"، حيث يحيل الوضع الجيواستراتيجي الجديد على أفول المركزية الغربية وتعدد الأقطاب الدولية وفرصة لتغيير بوصلة ميزان القوة من الشمال إلى الجنوب، ولذلك فإن فكرة تشكيل "حلف/تكتل الجنوب الأطلسي" أصبحت معقولة أكثر من أي وقت مضى، خاصة إذا تمت تقوية العلاقات الإفريقية -الأمريكية الجنوبية.
إن المبادرة الأطلسية الموجهة لدول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلنتي، تشكل انخراطا نوعيا واستراتيجيا للمغرب في مشروع الاندماج القاري وتحقيق أهداف رؤية 2063 للاتحاد الإفريقي، واستثمار الاهتمام الدولي المتزايد بإفريقيا التي أضحت في قلب الاهتمامات العالمية كونها غنية بالموارد والثروات البشرية والطبيعة خاصة الطاقية والمعدنية.
إن المقاربة المغربية تنطلق من مشروعية جغرافية وتاريخية وديبلوماسية ودينية، ساهمت في بناء الحضارة الأطلنتية، وتنطوي على رد الاعتبار لإفريقيا التي عانت من الرق والهجرة القسرية من خلال التجارة الثلاثية نحو العالم الجديد بعد القرن 15، ومن الحملات الاستعمارية والاستغلال والاستنزاف المتعدد الأبعاد.
ويتوفر المغرب على العديد من المؤهلات التي تجعله قادرا على إنجاح هذه المبادرة المبتكرة، وفي مقدمتها موقعه الجغرافي الاستراتيجي الرابط بين القارات، بواجهتين بحريتين الأولى شمالا تجعله مشرفا على البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، والثانية غربا على المحيط الأطلنتي الذي يمثل واحدا من أهم المعابر التجارية في العالم.
ويضاف لذلك، عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتطور البنيات اللوجستية والمينائية والخدماتية والصناعية المتقدمة، والموارد البشرية المؤهلة والعلاقات الاستراتيجية المتنوعة مع مختلف القوى الفاعلة على الساحة الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ناهيك عن علاقاته التاريخية والروحية والاقتصادية المتينة مع بلدان الساحل وغرب إفريقيا.
ولذلك فإن مختلف الفاعلين، بما في ذلك المجتمع البحثي الأكاديمي، ومراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية، مدعوون للانخراط القوي في الديبلوماسية الملكية، في أفق التأسيس لمدرسة مغربية -إفريقية للدبلوماسية المدنية الموجهة للمجال الإفريقي، من أجل تكاثف جهود دعم وتثمين هذه المبادرة داخليا وخارجيا وتعبئة كل القوى والطاقات خدمة لهذا المشروع الإقليمي والقاري الاستراتيجي.
إن حجم المبادرات الإندماجية والمشاريع التي أعلن عنها المغرب يجعل من مسألة ردم الهوة اللوجستية والربط البي-إفريقي استحقاقات وعوامل حاسمة للنجاح والاندماج الإفريقي خاصة على مستوى البنيات التحتية ووسائل النقل والتواصل والاستثمارات اللوجستية في إطار التعاون الدولي.
ومن هنا تأتي أهمية انخراط الجامعة المغربية، في رفع تحدي المعطيات المفتوحة وتداولها في ظل العولمة كمدخل أساسي لتوسيع المعرفة والاهتمام بالمجال الإفريقي.
وقد خلصت الندوة الفكرية إلى تسجيل التوصيات التالية:
- أولا، نشر أشغال الندوة الفكرية ضمن مؤلف جماعي حول "الشراكة الأطلسية وبناء إفريقيا الجديدة"، مع توسيع باب المشاركة ليشمل باحثين من بلدان إفريقيا والساحل.
- ثانيا، تنظيم ندوة دولية حول "دور النخب الإفريقية في تعزيز الشراكة الأطلسية وبناء إفريقيا الجديدة"، في إطار برنامج من اللقاءات والموائد المستديرة والندوات المنتظمة وفق مشروع علمي وبحثي متعدد التخصصات.
- ثالثا، تكوين نواة فكرية للتشبيك بين مراكز الدراسات والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية بالمغرب وبلدان الساحل وإفريقيا، في إطار "منتدى المراكز الأطلسية للدراسات الإستراتيجية"، سيربط بينها ميثاق للتعاون والتنسيق والعمل المشترك مع النخب الإفريقية العلمية والمدنية في سبيل إنجاح المبادرة الأطلسية.
- رابعا، دعم بناء وتطوير مشروع ماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا: الموارد، الفرص والمخاطر، في ظل النقص الحاصل في الأبحاث والتكوينات الجيواستراتيجية بالجامعة المغربية، وأهمية توجيه الطلبة والباحثين نحو دراسة الدول الإفريقية المعنية بالمبادرة الأطلسية.
- خامسا، أهمية انتقال المغرب من قوة برية إلى قوة بحرية، من خلال تكثيف الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، والتثمين المستدام للثروات الطبيعية بالمحيط الأطلنتي، وتطوير صناعة السفن، وبناء أسطول تجاري بحري قوي قادر على ربط موانئ المغرب بموانئ إفريقيا والفضاء الأطلسي.
- سادسا، الدعوة إلى تعزيز الدبلوماسية العلمية والتعاون الجامعي المغربي – الإفريقي، وإيلاء القوة الناعمة الأهمية اللازمة لدعم الانفتاح الاقتصادي للمغرب على إفريقيا، والإسهام في إنجاح المبادرة الملكية الأطلسية.
وقد أعقبت الندوة مناقشة مثمرة ثمنت محتوى التدخلات، وأضافت أفكارا مكملة أغنت موضوع الندوة، مؤكدة أهميتها وعنصر السبق فيها، وأيضا اعتمادها على مقاربة متعددة التخصصات الجيواستراتيجية والاقتصادية والتاريخية والثقافية. كما جرى على هامش التظاهرة تسليم "درع التقدير" لكل من رئيس مؤسسة محمد السادس من أجل السلام والتسامح بجمهورية مالي محمد حمادة الأنصاري، وللعميدة بالنيابة ليلى منير.