الأحد 24 نوفمبر 2024
خارج الحدود

هرار: هكذا عملت الدانمارك على قطع نسل "أهالي" جزيرة غرينلاند

هرار: هكذا عملت الدانمارك على قطع نسل "أهالي" جزيرة غرينلاند سلطات الدنمارك مارست أبشع اعتداء على نساء الإنويت بجزيرة غرينلاند
بعد سنين من الضغوط التي مارستها جمعيات حقوقية تتبنى قضية "أطفال التجارب"، الذين ينحدرون من جزيرة غرينلاند، ضد الحكومة الدانماركية،  ما زالت القضية تثير الكثير من النقاش، رغم إعلان وسائل الإعلام منذ أشهر قليلة التوصل إلى تسوية مع الضّحايا مقابل تعويض ماليّ متواضع للغاية، وهو الأمر الذي ظلت ترفضه الحكومات الدانماركية المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحاليّة لـ"ميتي فريدريكسن".

فمنذ أن وضعت يدها على جزيرة غرينلاند ؛ نهجت الدّنمارك، في خمسينيات القرن الماضي وإلى حدود التّسعينيات منه، سياسة تبنّي مئات الأطفال من الجزيرة، في ظلّ ظروف غامضة ومشبوهة. إذ كانت عمليّات التّبنّي نتاجًا للسّياسة الدّانماركية التي اتّبعتها الدّولة، وهي السياسة التي اعتبرها السّكّان الأصليّون جريمة لها آثار مسترسلة بدأت تتكشّف اليوم جليّة للنّاس.
 
وتعود القضية إلى عام 1951، حيث تمّ انتزاع 22 طفلًا، قسرا من عائلاتهم. وقد تراوحت وقتها أعمارهم بين 4 و9 أعوام، ووقع إرسالهم إلى دار للأيتام في الدّنمارك. وأشارت السّلطات الدّنماركيّة الرّسميّة، آنذاك، إلى أنّ التّجربة تعليميّة، والهدف منها هو جعل الأطفال يتعلّقون أكثر بالبلد الأمّ الدّنمارك، ويرتعون من علومها وتقدّمها، حتى إذا عادوا مستقبلا إلى غرينلاند، تمكّنوا من أن يكونوا النّخبة فيها، ويكونون تبعا لذلك قدوة للمساهمة في رفع المستوى الثّقافي والتّعليمي للجزيرة. وقد تمّ إعداد التّجربة وتنفيذها من قبل السّلطات الدّنماركية بالتّعاون مع الصّليب الأحمر الدّنماركيّ ومنظّمة إنقاذ الطّفولة، وبمشاركة قطاع كبير من المؤسّسات الحكوميّة. بل إن الكنيسة الشّعبية الدّنماركيّة لم تتخلّف عن المشاركة بشكل كبير في المشروع، فكان القساوسة هم أكثر من  عمل على اختيار الأطفال الذين أخضعوا  للتجربية دون موافقة والديهم.

في البداية، كانت التّجربة مخصّصة للأيتام، غير أنّ الكهنة وسّعوها لتشمل غيرهم من الأطفال، وذلك في ظلّ عدم وجود العدد المأمول من الأيتام.. بدؤوا إذن في انتزاع الأطفال من أسرهم. ولم يكن الأمر سريا، إذ أن الملكة إنغريد نفسها جاءت لزيارتهم، ونُشرت صور الملكة والأطفال الغرينلانديّين في الصّحف الكبرى في البلاد. ثمّ أُعيد الأطفال، بعد ذلك، إلى جرينلاند بعد إقامة عام في الدّنمارك، ولكن بدل أن يتمّ جمع شملهم مع عائلاتهم من جديد، أرسلوا إلى دار أيتام خاصّة في نوك، أين سُمح لهم فقط بالتّحدث باللغة الدّنماركيّة. وقد كان الغرض من إيداع السّلطات الدّنماركية تجربة 22 طفلا ليكونوا بمثابة رأس حربة "لدنماركيّة غرينلاند" من خلال أن يصبحوا نخبة غرينلانديّة ذات عقليّة دنماركيّة في المستقبل. وبعبارة أخرى، فقد تمّ استخدامهم كأداة لتعزيز هيمنة البرجوازيّة الدّنماركيّة على البلاد. وللعلم فإنّ منطقة "الإنويت" المستقلّة التّابعة للدّنمارك على مرّ العصور، تشكّل ما يقرب من 90 % من سكّان غرينلاند...

 ليس هذا فحسب، ففي زمن مبكر من القرن الماضي؛ سلكت الدّنمارك سياسات غاية في الإيذاء النّفسيّ والبدنيّ لكثير من اليافعات وحتّى الصّغيرات منهنّ، حيث أرغمن على تركيب اللولب لمنع الحمل داخل أرحامهنّ.

وهكذا أخضعت ما لا يقل عن 4500 شابّة أو يزيد من شعب الإنويت؛ لعمليّة زرع لولب دون موافقتهنّ ولا حتى أسرهنّ أُخطِروا بذلك. ولم يكن عدد كبير منهنّ على علم بوضع وسائل منع الحمل لهنّ، إلى أن اكتشف بعض الأطباء أثناء الحديث معهن حول عدم إنجابهن؛ وأثناء الفحص تبين وجود وسائل من هذا النّوع لدى الكثير منهنّ. وظهرت تحقيقات عديدة، وشهادات كثيرة لأطبّاء وأطر من داخل رحم الدّولة الدّنمركيّة، أرّقهم تأنيب الضّمير، فأدلوا بشهاداتهم في وسائل الإعلام الدّنمركيّة، ولا يزال أثر الصّدمة يُظهر ما أخفي في الصّندوق الأسود من معلومات!!!.

 لم يرق للحكومات المتعاقبة الدّنمركيّة إنصاف الجميع وإعادة الاعتبار لهم، فظلّ المسار رغم طول مدّته يترّد بين الاعتراف بالذّنب والخطيئة، وبين عقدة التّرفع والكبرياء المانعان لإغلاق هذا الملفّ، فيما ظلّ مجلس حقوق الإنسان يتابع عن كثب ويحاول ما أمكن الضّغط على حكومة الدّنمارك، وقد يكون لجهودهم ما سوف تبشّر به الأيّام، ولن يتكلّم عن الإنسانيّة، ولا يُقبل منه تبرير؛ مَن عمل على الفصل بين الولد ووالده أو اجتهد في منع الوالد ولده!..