Tuesday 29 April 2025
سياسة

لماذا فشل المغرب فـي وأد الفساد؟؟؟

لماذا فشل المغرب فـي وأد الفساد؟؟؟ هدف هؤلاء‭ ‬هو‭ ‬مراكمة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الثروات ‭ ‬وتحصين‭ ‬الزواج‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسلطة
ابتلي‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬بنخبة‭ ‬فاسدة‭ ‬تنهب‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬بل‭ ‬تدير‭ ‬كارتيلات‭ ‬إجرامية‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬المنافسة‭ ‬المتزايدة‭ ‬على‭ ‬الفساد،‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬أسواق‭ ‬النفوذ‭ ‬بالمغرب‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭.‬
 
لقد‭ ‬تابع‭ ‬الجميع‭ ‬تسونامي‭ ‬الاعتقالات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭  ‬برلمانيين‭ ‬ورؤساء‭ ‬جماعات‭ ‬ورؤساء‭ ‬جهات‭ ‬ورؤساء‭ ‬غرف‭ ‬بتهم‭ ‬متباينة: (التزوير،‭ ‬تبديد‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬الاختلاس،‭ ‬الارتشاء،‭ ‬السرقة،‭ ‬الابتزاز،‭ ‬المحسوبية،‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭..‬إلخ)‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يتابع‭ ‬بها‭ ‬هؤلاء‭ ‬توفر‭ ‬تفسيرا‭ ‬لمشكلات‭ ‬التنمية‭ ‬وأزمة‭ ‬السياسات‭. ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المفاجئ،‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬وتيرة‭ ‬الملاحقات‭ ‬القضائية‭ ‬وملاحظات‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكامة،‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬المراقب،‭ ‬بالدليل‭ ‬والبرهان،‭ ‬بأن‭ ‬الفساد‭  ‬واسع‭ ‬الانتشار،‭ ‬وبأن‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬المُسَيّرة‭ ‬وجدت‭ ‬بيئة‭ ‬ملائمة‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمالها‭ ‬المنافية‭ ‬للقانون،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬كلفة‭ ‬الفساد‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للترشيد،‭ ‬بل‭ ‬يعتبر‭ ‬مؤشرا‭ ‬قويا‭ ‬للإعاقة،‭ ‬وضربا‭ ‬لمبدأ‭ ‬التنافسية‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص‭. ‬وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬تتعطل‭ ‬إمكانية‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الفاسدون‭ ‬يستعملون‭ ‬كل‭ ‬الطرق‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬المتاحة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬ووضع‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحهم،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬بالتدافع‭ ‬المدني‭ ‬المشروع،‭ ‬وتمتلك‭ ‬بدائل‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وبإمكانها‭ ‬انتزاع‭ ‬التفويض‭ ‬بالطرق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المعروفة‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الانقضاض‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن،‭ ‬بل‭ ‬يدفع‭ ‬المستثمرين‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬الحماية،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬"الشراكات‭ ‬القذرة"‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬العائدات‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة‭ ‬الأمد‭ ‬«للإثراء‭ ‬السريع»‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لاحظناه،‭ ‬مثلا،‭ ‬في‭ ‬خالة‭ ‬بعض‭ ‬المتابعين‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬«إسكوبار‭ ‬الصحراء»،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬سعيد‭ ‬الناصري‭ ‬«رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬عمالة‭ ‬الدار‭ ‬الببيضاء»‭ ‬وعبد‭ ‬اللطيف‭ ‬بعيوي‭ ‬«رئيس‭ ‬جهة‭ ‬الشرق»‭ ‬اللذين‭ ‬راكما‭ ‬ثروة‭ ‬خيالية‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة،‭ ‬كما‭ ‬حازا‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬جعلتهما‭ ‬مقربين‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬الحكومي!
 
لقد‭ ‬تمكن‭ ‬«أصحاب‭ ‬الشكارة»‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬كل‭ ‬الأحزاب،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬الصف‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وكان‭ ‬قادتها‭ ‬وطنيون‭ ‬مشهود‭ ‬لهم‭ ‬بالنضالية‭ ‬العالية‭ ‬والحنكة‭ ‬السياسية‭ ‬ونظافة‭ ‬اليد،‭ ‬إذ‭ ‬حولها‭ ‬الفاسدون‭ ‬إلى‭ ‬كارتيلات‭ ‬فاسدة‭ ‬يستفيد‭ ‬زعماؤها‭ ‬وأثرياؤها‭ ‬من‭ ‬الحصانة‭ ‬والقرب‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬النفوذ،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬المحددة‭ ‬لنطاق‭ ‬الفساد،‭  ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتمدنة‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬المنتخب‭ ‬هو‭ ‬القدوة‭ ‬والمثال‭ ‬الذي‭ ‬يحتدى،‭ ‬ويتم‭ ‬انتخابه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دفتر‭ ‬تحملات‭ ‬«برنامج»‭ ‬واضح،‭ ‬يدرك‭ ‬جيدا‭ ‬أنه‭ ‬سيحاسب‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬المتابعة‭ ‬القانونية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬فساد‭. ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬مسؤولون‭ ‬أوربيون‭  ‬ويابانيون‭ ‬وأمريكيون‭ ‬فاسدون،‭ ‬لكن‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬النسبة‭.
 
 ‬إنها‭ ‬حالات‭ ‬استثنائية‭ ‬لا‭ ‬يتهاون‭ ‬بشأنها‭ ‬القضاء‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭. ‬بينما‭ ‬نجد‭ ‬عندنا‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬العامة‭ ‬هي‭ ‬الفساد‭ ‬والحالة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬هي‭ ‬النزاهة‭ ‬وعفة‭ ‬اليد‭ ‬والضمير‭ ‬المهني‭ ‬العالي‭ ‬والحي‭.‬‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬الملاحقات‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الخطب‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬دون‭ ‬لبس‭ ‬على‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬وعلى‭ ‬وضع‭ ‬ميثاق‭ ‬أخلاقيات‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬وعلى‭ ‬تحسين‭ ‬نسل‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬والإدارية‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وما‭ ‬يستتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬تطهير‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭.‬
 
وتبعا‭ ‬لذلك،‭  ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬نبرر‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬أميط‭ ‬عنه‭ ‬اللثام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القضاء‭ ‬وتقارير‭ ‬مجالس‭ ‬الحكامة‭ ‬«مجلس‭ ‬المنافسة‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬والمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي»،‭ ‬لا‭ ‬بالصعوبات‭ ‬المصاحبة‭ ‬لما‭ ‬دأبنا‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالانتقال‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬ولا‭ ‬بالتحول‭ ‬نحو‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬والأسواق‭ ‬المفتوحة،‭ ‬ولا‭ ‬بالتغيرات‭ ‬الإيديولوجية،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬بالأزمة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تركيبة‭ ‬النخب‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمجالس‭ ‬المنتخبة‭.‬
 
لقد‭ ‬باتت‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬أصحاب‭ ‬المال‭ ‬والثروة‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬الآن‭ ‬بالنفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أصحاب‭ ‬الأفكار‭ ‬والمناضلين‭ ‬المثقفين‭ ‬وحاملي‭ ‬المشاريع‭ ‬والسياسيين‭ ‬الإيديولوجيبن‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬البرامج‭ ‬وابتكار‭ ‬الأساليب‭ ‬العملية‭ ‬والموضوعية‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية،‭ ‬بل‭ ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬هو‭ ‬مراكمة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬وتحصين‭ ‬الزواج‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسلطة،‭ ‬والمال‭ ‬والرياضة‭.. ‬إلخ،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭ ‬كارتيلات‭ ‬حزبية‭ ‬وانتخابية‭ ‬تتبادل‭ ‬المنافع‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها،‭ ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬اللون‭ ‬الحزبي‭ ‬ولا‭ ‬تاريخ‭ ‬الحزب،‭ ‬ولا‭ ‬البرامج،‭ ‬ولا‭ ‬الإديولوجيات‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حذا‭ ‬ببعض‭ ‬الظرفاء‭ ‬إلى‭ ‬القول:‭ ‬يحق‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬ينافس‭ ‬كارتيلات‭ ‬الكوكايين‭ ‬بكولومبيا،‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬نتوفر‭ ‬على‭  ‬كارتيلات‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬تجمعات‭ ‬منظمة‭ ‬حاضنة‭ ‬للفاسدين‭.‬

فهل‭ ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رجة‭ ‬تطهيرية‭ ‬جديدة‭ ‬قوية،‭ ‬حتى‭ ‬تكف‭ ‬الكارتيلات‭ ‬المتنازعة عن‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬الحجاب؟‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الحاسم‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكامة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرقابية‭ ‬في‭ ‬ردع‭ ‬الفساد‭ ‬والمفسدين‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تكتفي‭ ‬بإصدار‭ ‬التقارير‭ ‬وإبداء‭ ‬الملاحظات‭ ‬ورفع‭ ‬التوصيات؟‭ ‬ما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬(وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات)،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تكتفي‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬جرائم‭ ‬المال‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمجالس‭ ‬المنتخبات‭ ‬وشركات‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬بمنطق‭ ‬التوبيخ‭ ‬بدل‭ ‬رفع‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬ليقول‭ ‬كلمته؟
 
إن‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بـ‭ ‬«التوبيخ»‭ ‬و»قرص‭ ‬الأذن»‭ ‬يعتبر‭ ‬وجها‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الفساد‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تغيير‭ ‬المهام‭ ‬والأدوار‭ ‬الموكولة‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرقابية‭ ‬التي‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬مرتفعة‭ ‬ويتقاضى‭ ‬مسؤولوها‭ ‬رواتب‭ ‬وتعويضات‭ ‬مهمة،‭ ‬بينما‭ ‬يستمر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬دون‭ ‬حسيب،‭ ‬ولا‭ ‬رقيب!
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن" 
                                                                                    رابـــــط العـــــــدد هنا