السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

عمر لبشيريت: السبعينيات.. كيف عاش المغاربة قرنا في عقد من الزمن

عمر لبشيريت: السبعينيات.. كيف عاش المغاربة قرنا في عقد من الزمن عمر لبشيريت

عندما تتأمل ما عاشه المغرب في السبعينيات، تخلص إلى أن البلد عاش عقدًا مكثفا وكأنه قرن (على سبيل المبالغة).. كانت هذه الفترة، دائما، تثيرني بوقائعها وأحداثها وزخمها..

ما أنجزه المغاربة وما عاشوه، يصعب أن تتخيل أنه وقع في ظرف عشر سنوات لا غير..

خلال عقد فقط، جرب المغاربة انقلابين عسكريين ضد السلطة، كما جربوا ثورة مسلحة بالجبال ضد النظام، وفيه تأسست أبرز التنظيميات اليسارية الماركسية، وتم تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ وعاش الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أزهى فتراته.

في السبعينيات كانت السياسة حقيقية، وبلغ الزخم النضالي السياسي والنقابي أوجه. وفي السبعينات جرب المغرب القمع بوحشية لا تتصور وفتح تازممارات ودرب مولاي الشريف ومارس الاختطاف السياسي والاغتيالات ، وشهد أكبر المحاكمات السياسية وصدرت أحكام بالإعدام ضد العشرات..

وفي السبعينيات قرر شبان وطلاب مغاربة الانفصال بالصحراء وأعلنوا تأسيس جمهورية وهمية وسط الخيام، وخلاله مشى 350 ألف مغربي في مسيرة لاستعادة الصحراء، ولعل الرصاص في الصحراء في حرب خاضها المغرب ضد البوليساريو والجزائر وليبيا وأسلحة وخبراء الاتحاد السوفياتي وكوبا..

في هذا العقد ، عاش وجرب المغاربة كل شيء بكثافة. فيه أفرغ المغاربة كل ما في جعبتهم من الإبداع الفني، تمّ توقفوا. الربطوار الذهبي المغربي في الغناء إنحز خلال هذا العقد..

تأسست جل المجموعات الغنائية المغربية وغنت أجمل ما لديها( الغيوان، جيلالة، لمشاهب، تكادة، لرصاد، إزنزارن، أوسمان، الإخوة ميكري..الخ) بلغ الإبداع والتنافس أوجه . عدد المطربات والمطربين الذي برزوا وتنوع اتجاهاتهم ومستوى الألحان والكلمات لم يقع أن أنجبهم المغرب في فترة عشر سنوات. كبار المطربات والمطربين تألقوا وأبدعوا في هذه الفترة: الطرب العصري، الشعبي، الأمازيغي.

جيل كان أشبه بجائع أو عطشان، كمية الابداع الفني ومستواه لا يمكن تخيله. كل الأذواق أخدت حقها، كل الألوان كانت حاضرة. وكل شيء كان جميلا وعليه إقبال، أجمل الأغاني الوطنية الرسمية هي بنت السبعينات. كل ما يطربنا، إلى اليوم، يعود للسبعينيات.. خلال عقدين من الألفية الثانية (2000/2020) لم ننتج ولو 10% من الأصوات والابداع وكتابة الكلمات والألحان التي زخرت بها السبعينيات ..

كانت أزهى فترة للمسرح المغربي ورجالاته ونسائه، وتعد، كذلك الفترة الذهبية للجمعيات والنوادي المسرحية والسينمائية. فيه تأسست نوادي السينما وكانت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية تغلي، وكان مهرجان مسرح الهواة تحفة ومدرسة حقيقية.

السبعينيات لعبنا فيها المونديال لأول مرة، وفزنا فيها بكأسنا الأفريقية اليتيمة، وعاشت فيه كرة القدم عصرها الزاهي على كافة المستويات: القسم الأول والثاني والهواة والبطولة العمالية.

مجتمعيا، الإقبال على الحياة كان كبيرا ومنظما، كان المغاربة أكثر تنظيما وأكثر حفاظا على نظافة الشوارع والممتلكات العامة كانت القاعات السينمائية مملوءة والمسارح مملوءة والشواطئ مملوء من كلا الجنسين، وكان المغاربة متسامحين وغير منشغلين بإشهار التدين. كان العصر الذهبي للفتوات و"المرود" وقياد المقاطعات الكبار.

يمكن القول إن أحسن جيل عاش مجد الجامعة والتكوين العالي، كان جيل السبعينيات (لا أقصد المواليد) . مستوى التكوين ومستوى الطلبة وزخم الحياة الجامعية، لا أعتقد أن جيلا عاش ما عاشه طلبة السبعينيات ولا تلاميذ السبعينيات..

مغرب السبعينيات كان أشبه ببركان تفجر وعاش وجرب كل شيء بكثافة، جرب الاستيلاء على الحكم والتطرف في السياسة والتطرف في الحكم والتطرف في الدين والتطرف في القمع والتطرف في الأحلام. وهو نفس المغرب الذي أخرج قمة وأجمل إبداعاته فنيا وثقافيا ورياضيا في ظرف عشر سنوات لاغير، ثم أغمي عليه بعد ذلك وتتاقلت خطواته وأصابه الخمول والكسل.

عقد السبعينات لم يتكرر بكثافة أحداثه ووقائعه وزخمه وتناقضاته وتطلعاته، وكأن المغرب كان في سباق مع الزمن، أراد ان يجرب ويعيش أقصى ما يمكن الوصول إليه، أن يحلم وينجز ويبدع ويفرغ كل مافي جعبته، وكأنه يسابق الزمن ويريد تكثيفه .. هذه مجرد ملاحظات. يحتاج إلى وقفات وبرامج خاصة ودراسة سوسيولوجية.