الخميس 6 فبراير 2025
سياسة

جواد شفيق: تواتر الإضرابات والحركات الإحتجاجية عنوان لفشل حكومة التغول الليبرالي

جواد شفيق: تواتر الإضرابات والحركات الإحتجاجية عنوان لفشل حكومة التغول الليبرالي جواد شفيق عضو المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي

في حوار لجريدة "أنفاس بريس" مع جواد شفيق عضو المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، بخصوص انتقال عدوى الإضرابات بالمغرب من قطاع إلى آخر، يرى بأن "الحركات الاحتجاجية الاجتماعية في تعاظم وتزايد"، واعتبر ذلك "تعبير كبير عن تحولات الحقل النقابي و كيف تتمثل وتفهم فئات عريضة من الموظفين والأجراء والمستخدمين قضية الاحتجاج و المطالب" وأكد بقوله "وهو ما يسائل الفاعل النقابي والسياسي و يساءل الدولة أيضا"

 

ـ ما هي قراءتكم لهذه الحركات الاحتجاجية المتتالية في المغرب؟

الحركات الاحتجاجية والاجتماعية عموما هي مؤشر إيجابي على حيوية المجتمع وحركيته ويقظته وقدرته الدائمة على الدفاع عن نفسه وحقوقه المشروعة، وهي وسيلة شرعية لإبراز المطالب والتعبير عن الإنتظارات، وهي الوسيلة المتعارف عليها كونيا للتعبير عن رفض إجراء، أو تشريع، أو قرار، أو برنامج، أو مخطط ما، يرى المحتجون أنه قد يجهز على حقوق مكتسبة أو يمس بها، وكذلك أداة للتعبير عن مطالب جديدة أملتها تطورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحقوقية للأفراد والجماعات والفئات.

ومادامت هذه الاحتجاجات تبقى في إطار ما هو جار من قوانين وتشريعات فهي مشروعة، ومادامت تنبع من إطارات منظمة ومشروعة فهي مستحبة، لأنها تعبير عن التمتع بحرية التعبير مثلما تعبر عن قدرة المجتمعات على الدفاع عن نفسها، بتحصين حقوقها المكتسبة والمطالبة بتوسيع وتجويد دائرة هذه الحقوق.

وبطبيعة الحال، فإنه لا يجب أن نربط بالضرورة بين كل حركة احتجاجية أو اجتماعية ومطالب ذات طبيعة مادية، فقد تكون دواعي الاحتجاج ذات طابع معنوي رمزي أو حقوقي أو تشريعي.

بالنسبة للمغرب لابد من التأكيد بأن للحركة النقابية والاجتماعية المغربية عموما تاريخ تليد وتقاليد راسخة سواء من حيث طرحها ونضالها من أجل القضايا والملفات الاجتماعية، أو من حيث تقاطعها مع الحركة الديموقراطية والتقدمية.

وأما فيما يتعلق بما يقع بالمغرب اليوم، فهو من وجهة نظري عادي جدا بالنظر لتعطل انتظامية مسارات وقنوات الحوار الاجتماعي، وتجزيء وتفييئ هذا الحوار، وتراكم الإنتظارات، وتجميد سلم الأجور، والإرتفاع الصاروخي للأسعار، واتساع دائرة الهشاشة، و "بلترة الطبقة الوسطى"، وتحولات أنماط الاستهلاك، وتنامي الوعي الحقوقي الاجتماعي.

فعلى الرغم من تراجع منسوب الانتماء والانتساب النقابي، و تعاظم ظاهرة التنسيقيات الفئوية، فإن الحركات الاحتجاجية الاجتماعية في تعاظم و تزايد، وفي ذلك تعبير كبير عن تحولات الحقل النقابي و كيف تتمثل وتفهم فئات عريضة من الموظفين والأجراء والمستخدمين قضية الاحتجاج و المطالب، وهو ما يسائل الفاعل النقابي والسياسي و يساءل الدولة أيضا .

 

ـ ما هي الأسباب التي حولت مجموعة من القطاعات بالمغرب إلى ساحة للاحتجاجات المتتالية؟ وما معنى أن تنتقل عدوى الإضرابات من قطاع لآخر؟

كما سبق و قلت، إن تجزيء وتفييء (من الفئوية) الحوار الاجتماعي، و عدم انتظاميته، وتكاثر ظاهرة "التنسيقيات"، وغياب رؤية حكومية شاملة أفقية ومندمجة للمسألة الاجتماعية، وغير ذلك من العوامل الموضوعية، هو ما جعل فتيل الإضرابات والاحتجاجات، لا يكاد ينطفئ داخل قطاع ما حتى يشتعل داخل قطاع آخر، فبالأمس القريب كان التعليم، واليوم الصحة والجماعات والعدل، وغدا قد تخرج قطاعات أخرى، وبموازاة مع ذلك هناك حركة المعطلين الدائمة الاحتجاج، وقد تحتج غدا أو بعد غد مناطق بكاملها تحت وطأة مخلفات الجفاف الشرسة، و استمرار مخلفات الوباء وغلاء المعيشة وارتفاع معدلات البطالة و اتساع دائرة الفوارق الاجتماعية و المجالية، و بالتالي فإن اتساع و تعدد دوائر و مجالات الاحتجاج هو تعبير اجتماعي و مجتمعي عن عجز كل ما اتخذ لحد الساعة من إجراءات وما سطر من برامج وما ضخ من ميزانيات، عن تقديم الجواب المطمئن والمستدام والملبي للحاجيات والانتظارات المعبر عنها في الحركات الاحتجاجية و الاجتماعية المتواترة و المتصاعدة .

ومن المؤكد أنه إذا استمر التعاطي الحكومي بنفس منطق التعامل الحالي مع الحركات الاحتجاجية ببلادنا، حيث لا يتم التدخل و الإنصات و الحوار و التجاوب إلا بعد أن تشب النيران في تلابيب الجلباب الحكومي، و يتوقف العمل و تتعطل مصالح الناس و تصبح وتمشي شوارع مدننا و قرانا على الاحتجاجات و الاعتصامات ...فستتواتر الاحتجاجات والإضرابات أكثر فأكثر ....و "فكها يا من وحلتيها".

 

ـ ما هو جدوى وجود الحكومة والبرلمان والجماعات المحلية إن لم تنشغل بتجويد حياة الناس وبالرفع من المستوى المعيشي للمغاربة وتحسين القدرة الاقتصادية والناتج الداخلي الخام؟.

مبدئيا و نظريا، لأجل هذه الغايات النبيلة وجدت هذه المؤسسات (الحكومة، البرلمان والجماعات الترابية ..)، بل و لأجل ذلك وجدت السياسة أصلا .

و لكن واقع الحال الحالي مع هذه الحكومة الليبرالية، حكومة المال و الأعمال و جزء غير يسير من الإعلام الساقطة في تضارب مخزي للمصالح، حكومة التغول الباسطة أجنحتها على الحكومة والبرلمان والجهات والجماعات ...واقع الحال يقول بأن الهوية الليبرالية لهذه الحكومة تنزع عنها أي نزوع اجتماعي، و حتى إذا رضخت للاحتجاجات فهي تسلب بيد من هؤلاء و تعطي بيد أخرى لأولئك فيما يشبه "دَارَتْ" أو تدويرا موسميا لنفس الدراهم، دون أن تتجرأ على اقتحام معاقل الريع و الثروة لتضريبها بغاية الرفع من مداخيل صناديق الدولة، و هي بذلك قد مسخت مفهوم "الدولة الاجتماعية " الذي جعل منه الملك عنوانا لهذه المرحلة.

ويكفي للتدليل على ما نقول أن ننظر إلى معدلات البطالة الذاهبة نحو مزيد من الارتفاع، ومعدلات الهشاشة المتصاعدة، و دائرة الفقر المتسعة، و مؤشرات الشفافية و الفساد المقلقة ...وما إلى ذلك من مظاهر وظواهر تقول بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لمعظم المغاربة هو فعلا مقلق و لا يمكن أن يبعث إلا على الإضراب و الاحتجاج و الغضب ...

والخلاصة أن ما عاشه ويعيشه المغرب من تصاعد للحركات الاحتجاجية والاجتماعية بكل أشكالها وبمختلف تعبيراتها هو من جهة تعبير عن وضع اجتماعي واقتصادي مقلق، وتعبير عن خوف من المستقبل ومتطلباته المتزايدة، وهو بالأساس عنوان عريض لفشل ذريع للحكومة المتغولة عدديا، الفاقدة للشرعية اجتماعيا ومجتمعيا، وكلنا يعلم ويعرف بأن نجاح الحكومات لا يقاس كونيا إلا بما تحققه اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا.