للأستاذ مصطفى بنحمزة خرجات و"محاضرات" و"ندوات" متعددة حول مدونة الأسرة بالموازاة مع النقاش الدائر حولها وورش إصلاحها وتعديلها. وقد ألقى محاضرة قبل يومين بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أسجل عليها ملاحظات كاشفة غير منشئة.
أولا: في غالب خرجات الأستاذ مصطفى بنحمزة، يخاطب الجمهور بالدارجة، وهو الذي لم يتردد في خوض حرب ضروس ضد أصحاب الدارجة، والغريب في محاضرة القنيطرة أنها محاضرة افتتاحية لندوة علمية في جامعة رسمية بحضور رئيس الجامعة ونخبة من الأساتذة والباحثين، فكيف لمحاضرة هذا نعتها أن تلقى بالدارجة العامية؟
هذه المحاضرة في الأعراف الأكاديمية الصارمة لا يُلتفت إليها ولا يعبأ بها.
ما معنى محاضرة افتتاحية؟
المحاضرة الافتتاحية تعني تكريما وتبجيلا لصاحبها، حيث لم يدرجه المنظمون ضمن عامة المتدخلين وميزوه عليهم بروتوكوليا، وميزوه عليهم من حيث المدة الزمنية، وميزوه عليهم في كل شيء، ما يفرض على المحاضر أن يهيئ عرضه جيدا، وأن يبذل فيه جهدا، وأن يأتي بجديد. وهذا غير متحقق في محاضرة الأستاذ المذكور.
ماذا تعني المشاركة في الندوة العلمية؟
تعني المشاركة بورقة بحثية مؤطرة بإشكالية وبمنهجية، وبلغة سليمة، وبمعايير أكاديمية من حيث المنهج والتوثيق وغير ذلك من الأعراف. والمحاضر ألقى محاضرته كما محاضراته السابقة خلوا من كل ما سبق، جاء بدون تحضير ليلقي الكلام كما اتفق وكما شاء، مع مكرور الكلام الذي عهدته فيه، لدرجة أنني أعرف ما سيقول قبل أن يقوله.
ما معنى المحاضرة في الجامعة؟
الجامعة ليست هي دار الشباب، وليست هي المركز الثقافي، وليست هي المسجد،
الجامعة هي محضن العلم، والجامعة هي دار المنهج، وإلقاء محاضرة في رحاب الجامعة بدون منهج وبدون لغة فصحى وبدون إعداد، كبيرة من الكبائر العلمية، وإهانة للجامعة.
الجامعة ليست هي دار الشباب، وليست هي المركز الثقافي، وليست هي المسجد،
الجامعة هي محضن العلم، والجامعة هي دار المنهج، وإلقاء محاضرة في رحاب الجامعة بدون منهج وبدون لغة فصحى وبدون إعداد، كبيرة من الكبائر العلمية، وإهانة للجامعة.
ورموز الثقافة في أوربا والغرب يحترمون الجامعة ويقدسون الجامعة، وللمشاركة في رحابها خطوط حمر عديدة، وقد استدعي دكاترة إلى رحابها وألقوا محاضرات نشرت باعتبارها كتيبات مجددة، أو أحيانا تعتبر نواة لكتاب صار بذكره الركبان، ومحاضرة الأستاذ مصطفى بنحمزة لا تحمل أطروحة ولا تحمل فكرا ولا تحمل تجديدا ولا تحمل شيئا ذا بال. فإذا كان رموز المغرب في جامعات المغرب هكذا، فاقرأ على المغرب السلام.
ما معنى إلقاء محاضرة أمام نخبة؟
لا بد للمحاضر أن يراعي ظروفه، ومنها مراعاة الفئة المستهدفة، فإذا خاطب العوام عرف كيف يبلغ لهم، وإذا خاطب النخبة لزمه احترامهم.
أول احترام للنخبة أن يُحَضّر عرضه بإشكاليته وبكل أدبيات العرض العلمي، وهذا لم يتحقق.
ثاني احترام للنخبة أن يرتقي معهم في لغة الخطاب، وهذا لم يتحقق، والنخبة لا تخاطَب بالدارجة إلا إن كان المحاضر يعتقد أنهم لا يرقون إلى فهم الفصحى.
أما المحاضرة في ذاتها، فهي:
أولا: ليس لها أطروحة يمكن اعتمادها في ورش الإصلاح، وليس لها أطروحة يمكن اعتمادها في تطوير النقاش، وليس لها أطروحة تؤلف بين الفرقاء إذ هي تعزز الانقسام كما سنجليه.
ثانيا: المحاضرة تخاطب طرفا غير مذكور، وغير مبين، لذلك فهي تستعمل ضمير المخاطَب كثيرا، وتنتقد الآخر غير المعروف كثيرا، وتتحدث عن الأنا في مقابل الغير، الأنا ممثلا في السيد بنحمزة ومن معه دون تحديدهم، (احْنَا اللي كذا وكذا ... أنت اللي كذا وكذا). وهذا الأسلوب لا يميز النخبة المجتمعية التي يلزمها التأليف وليس التبخيس.
نعم، بإمكانه أن يخصص محاضرته لمناقشة أطروحة الأخرين، لكن يجب عليه أن يحددها ويشير إليها وينقلها، ويكر عليها بالنقد والنقض والدحض بمنهج علمي، وهذا ما لم يتحقق. (المنهج العلمي على أرضية الشراكة الوطنية).
ثالثا: محاضرات وخرجات الأستاذ بنحمزة حول المدونة كلها خديجة، لأنها لا تستحضر البعد الأهم، وهو البعد الخارجي، يناقش الموضوع وكأن المغرب لا علاقة له لا بالأمم المتحدة ولا بالاتفاقيات الدولية، بل إنه لا يستحضر حتى الوثيقة الدستورية في مناقشاته، وحري بنا أن نسائله اليوم عن نظرته تجاه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمنصوص عليها دستوريا.... قلت سابقا: عروضه لا تتضمن أية أطروحة... فهل يستطيع أحد أن يتتبع محاضراته حول الموضوع وهي بالعشرات ثم يستخرج لنا منها موقفه من هذه الاتفاقيات والمواثيق؟ وها هو أحمد عصيد ومحمد الساسي وغيرهما لا يفتآن يذكرانها ويستدلان بها ويشغبان بها... فكيف به يواجههم ولا ينقض على مستنداتهم؟ إنه انتقاد خديج أيضا.
رابعا: وهذه كارثة، يتحدث بدون إعداد، فينتقل من فكرة إلى فكرة، حتى إذا فطن بنفسه ابتعد عن موضوع المحاضرة نبه الحاضرين إلى ذلك ووعد بالعودة إليه،،، ثم تراه يبدأ الفكرة دون أن يكملها، بل يبدأ الجملة دون أن يكملها، بل إنه يبدأ الكلمة ويتركها تتلعثم في فمه ولا يكملها وينتقل إلى جملة أخرى،،، ومن أراد أن يتأكد من هذا فما عليه إلا أن يجرب كتابة محاضرته، فسيبقي كلمات دون إكمال، ولا أقول جملا... أهكذا العروض العلمية في المنتديات العلمية في الجامعات العلمية؟
ملاحظات على الهامش:
أولاها: للشيوخ مريدون، والمريد أمام شيخه كالميت أمام مغسله، هكذا قالوا، وكذلك نرى المريدين مع السيد مصطفى بنحمزة. لذلك لم يترددوا في ملء الفضاءات التواصلية بدرر محاضرة الرجل.
ثانيتها: هذه الدرر كما قيل، قول الرجل: المجتهد ليس منشئا للحكم الشرعي بل هو كاشف له.... وهذا لعمر الله من باب ألفباء الفقه وأصوله، وأول ما يُقرأ في الأصول باب الحكم والحاكم .... ومن درر المحاضرة كما قيل: إن الفقهاء هم الذين يحافظون على السلم الاجتماعي،،، ولست أدري كيف يحافظون على السلم الاجتماعي وأغلبهم متواري إلى الخلف لا يشارك المجتمع نقاشاته ولا تجده إلا خادما للسلطة، ودونك فتوى الفقهاء الرسميين حول الردة وتراجعهم عنها بعد الضغط الإعلامي،،، هل بهذا الفعل يحافظون على السلم الاجتماعي؟
إذا كانت هذه هي درر المحاضرة، فكيف بما دون الدرر.؟
أخيرا: لما تحدث عن المذهب المالكي، بيّن أفضليته على المذاهب، وأنه له 17 أصلا، وبعض المذاهب ليس لها إلا أربعة..... هذه عقلية مذهبية لا تسهم في تقدم المجتمع، وأصحابها لو ولدوا في قم لقالوا بأن المذهب الإمامي أفضل المذاهب، ولو ولدوا في استنبول لقالوا بأن المذهب الحنفي أفضل المذاهب... أما مذاهب المسلمين، فكلها في الفضل سواء، وكلها من رسول الله ملتمس، وكلها فيها نبوغ واجتهاد، وفيها استدلال وحجاج، وفيها القول الضعيف، وفيها الاضطراب، وفيها الشذوذ، والكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه ورسله.
أما الأستاذ مصطفى الرميد، فمخالف تماما للسيد مصطفى بنحمزة.
أولا: قليل الخرجات، وفي نقاش المدونة، لعله ألقى ثلاثة عروض فقط، واحدة بالبيضاء والأخرى بالجديدة والثالثة مع التجديد الطلابي (ربما بالرباط).
ثانيا: محاضراته كانت مزيجا بين رجل الفقه ورجل القانون ورجل المشاركة السياسية.
ثالثا: لا يميل إلى العقلية الانقسامية بل إلى التأليف، لذلك تجده يخاطب أصحاب التيار المحافظ وينبههم ويخاطب التيار الحداثي وينبههم، ويحاول أن يعتمد الجميع المقاربة العلمية، لأن الأرضية العلمية هي الأرضية الجامعة. كما نبههم إلى احترام الدستور والهوية المغربية وتحفظات المغرب التي تستند إلى القانون الدولي.
رابعا: التزم الخطاب العلمي، فكان عرضه منهجيا، وكانت لغته سليمة وفصيحة، وفي ذلك احترام للمتلقي.
خامسا: يمكن أن تُخضع عروضه للنقاش العلمي موافقة أو اختلافا، ويمكن أن تعرف أطروحته، بخلاف المحاضر السابق.
سادسا: من إيجابيات عرضه أمام التجديد الطلابي أنه قارب موضوع الاتفاقيات الدولية واستند إلى الوثيقة الدستورية وكشف مغالطات من يستند إليها بناء على لغة النص الدستوري الذي يضيف عبارة "كما صادق عليها المغرب" وبيّن مدلولها وتنكب الحداثيين عنها. وهذه دقة رجل الفقه والقانون الذي يحاج الآخر بالوثائق الجامعة وليس بالفهلوة اللغوية.
سابعا: قدم الأستاذ الرميد في الدقائق القليلة التي تكلم فيها اجتهادات خاصة يمكن للهيئة المشتغلة على ورش المدونة الالتفات إليها ومناقشتها، مثل اجتهاده حول إثبات نسب ابن الزنا. مع ما رافق ذلك من استدلال، ولم يكن كلامه مرسلا، في حين، لم نر للسيد بنحمزة أدنى اجتهاد، بل وجدناه منتفضا ضد كل من يدعو إلى الاجتهاد، وكأنه يتوجس من "الاجتهاد" خيفة. وإذا لم يجتهد العالم، فمن الذي سيجتهد؟
ملحوظة:
نقلا عن صفحة الدكتور عبد الله الجباري بالفيسبوك
