السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: اعتذار راقي من الساموراي

إدريس المغلشي: اعتذار راقي من الساموراي إدريس المغلشي
دعونا نتفق أن الرياضة وعلى وجه الخصوص كرة القدم بالنظر لجماهريتها شكلت احدى الواجهات الأساسية للتعريف بالشعوب وسلوكها في جل أطوار المنافسات بل أن الجماهير من مختلف الديانات والأعراق ترقب بشكل دقيق تفاعل الآخر القادم من منطقة قد لا نعرف موقعها الجغرافي، وبالتالي نحتاج قبل كل شيء طرح سؤال مهم. هل تستحضر الجماهير مسؤوليتها أمام الأحداث والصور التي تقدمها للشعوب الأخرى وهل هناك تأطير في الموضوع؟ ...
تأسيسا على ما سبق لا يختلف اثنان اننا بصدد واجهة مهمة ومؤثرة تضعنا أمام معادلة رئيسية. ايصال كل الأشياء الجميلة التي تترك انطباعا جيدا لدى الطرف الآخر.
ثانيا، تجنب كل ما يسيء لهويتنا الدينية والوطنية ويجعلنا بالتالي أفضل سفراء للبلد الذي ننتمي. لانشك لحظة أن الجماهير بمختلف تنشئتها الاجتماعية هي بالضرورة عاكسة لواقع سلوكها الوطني الداخلي. لكن لا أعلم أن صورة الشعب المغربي عموما بالخارج سيئة بالمقارنة مع بعض الدول الاخرى دون ذكر أسماء فحسب تجربتي المتواضعة ألمس كثير من الإعجاب والتقدير للبلد.
المثل الدارج الذي نتداوله بيننا اختصارا للوقت والمشكل وكذلك التسليم بأمر الواقع (بحال اليابان بحال اليمن) لا يصمد أمام بعض الوقائع، فهناك بعض الصور التي يصر الشعب الآسيوي عموما، وعلى وجه الخصوص الجمهور الياباني في ايصالها عبر شاشات العالم بوجود مناسبة او بدونها. تفرض علينا الوقوف عندها وملاحظتها بالنظر لأهدافها البيداغوجية المؤثرة في سلوك الآخر.
منتخب اليابان الذي انهزم اليوم في الدقائق الأخيرة من عمر المقابلة بعدما كان متقدما على المنتخب الإيراني. انتهت المباراة لصالح هذا الاخير بهدفين لواحد .وبين مشاعر الفرحة بالإنجاز التي اشتعلت في مدرجات مشجعي الفريق الإيراني وصور عناق وبكاء وتوثيق لحظة فرح بين اللاعبين وابنائهم، نشاهد في الطرف الآخر صورة فريدة لحلقة المنتخب الياباني يتوسطها المدرب وهو يتكلم بكل حزم وسط عناصر الفريق بأكمله ، الكل يستمع بإمعان وانتباه ،تحس من خلال وقوفهم مستوى ودرجة الوعي بالمسؤولية.
لكن الجميل الذي استأثر باهتمامي وفاجأني كباقي محللي الاستوديو بعدما أوقفوا ضجيج المعلق الذي انساق للفرحة بكلمات توضح ان الاثارة مهما كانت عاطفية لها ضوابط. لكن يبدو أن الصراخ والضجيج والفوضى غطت على الأشياء الجميلة في الحدث وهي صور لم يلتقطها مع الاسف المعلق فضاعت لحظة بها رسائل جديرة بالاهتمام فغابت معها المعلومة والهدف. انتظم اللاعبون اليابانيون في صف واحد يحملون لافتة كتب عليها عبارات شكر للبلد المضيف واعتذار للجمهور الياباني وهم يقفون في كل مرة أمام الجمهور الياباني وينحنون تقديرا له. تتربص بهم الكاميرات التي ما فتئت تلاحقهم باعتبارهم كانوا المرشحين الاوائل للبطولة ومن أجل نقل مباشر لكل الاجواء المرافقة لهزيمة غير منتظرة اعتبرها جل المتتبعين مفاجأة الدورة .
أي وعي هذا ..! وأي رقي وجمالية تلك التي يصر هذا الشعب على ترسيخها لدى الجميع ..! فعلا صورة مثيرة ومؤثرة كشفت البون الشاسع بين اليابان وباقي الشعوب فالرياضة قبل كل شيء أخلاق . ورسائلك قد تكون أبلغ لحظة الفشل والاعتراف به أكثر من لحظة الفوز التي لن تحتاج فيها لمدافع. فالفوز اصدقاؤه كثر اما الفشل فهي حالة يتيمة وحيدة لا صديق لها .