لم يكن جهل الأشياء سببا في جعل معرفتها بصفة متأخّرة سبقا يُلفت به الجاهل الأنظار إليه... فإنّ الشّذوذ المسمّى المثليّة الجنسيّة المتمثّلة في ميل الأنثى إلى الأنثى أو ميل الذّكر إلى الذّكر ليست عند النّاس جديدة، بل هي قديمة قِدم زمن جدِّ الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة وأزكى السّلام، فإنّ ضيوفَه الملائكة وبعد أن فَرِغُوا من زيارته وإبلاغه البشارة بالغلام العليم، ذهبوا مباشرة إلى لوط النّبيّ عليه السّلام يخبرونه بهلاك الكافرين من قومه الذين عُرفوا بتلك الرّذيلة المتمثّلة في إتيان الذّكران من العالمين، المسمّاة عند الفاسدين اليوم المثليّة. فهي فعل منكر يحاول به مرتكبوه تغيير خلق الله تعالى ومنع سنّة التّناسل والتّكاثر التي لن يكون الإعمار إلّا بها.
يتّخذون الشّعاراتِ الكاذبة كتلك المتحدّثة عن حبّ واحد (One Love)، ويستعملون ألوان الطّيف الزّاهية الخدّاعة لتمرير رذائلِهم وشذوذهم.
لقد عُدموا الحياء فظهروا متكبّرين متخلّفين يسعون إلى إفساد ميدانٍ بديعٍ حُضِّر بصبر وعناية وبذلٍ استثنائيّ لإنجاح تظاهرةِ كأسِ العالَم 2022، التي شهد جميع الأسوياء على رُقيِّ مستضيفيها وكرمهم ورِفعة أدبهم وكبيرِ رغبتهم في النّجاح وانعدام رغبتهم في الإثراء المناسباتيّ الذي شهدته كلُّ المناسباتِ المماثلةُ السّابقةُ، فاتّخذت قطر حلّة زاهية مشرقة الألوان وتنافس أهلُها كما يروي الزّائرون على إكرام النّاس وصرفهم عن الرّغبة في الذي هو أدنى وحثّهم على الذي هو خير.
تعدّدت القصص المحدّثة بالقيمة والصّور المرغّبة في السّعي إليها والتّحلّي بها، كهذه التي حصلت مع الشّابين أو الكهلين اللذين تعبا في البحث عن المشروبات الكحوليّة، حتّى إذا استوقفهما ذلك القطريّ واستوضحهما ولم يمهلهما فأركبهما سيّارته الفارهة كما وصفاها، وجدا نفسيهما بفناء بيتِه القصرِ، فاستمتعا بضيافة لم تخطُر لهما على بال؛ إذ نالا من كلّ طيّب أفقدهما الرّغبة في تلك الخبائث التي كانا يبحثان عنها.
أنهيا الضّيافة التي لم يألفَاها في بلدهما البريطانيّ فخرجا يملآن الفضاء الافتراضي بجوانب مصوّرة ممّا عوملا به في بيت ذلك الذي لم تسبق لهما به معرفةٌ، وكيف لاعبا الأسد الأهلي وغيره من الحيوانات المروّضة النّازلة في جانب من قصره. لقد عوملا بخير ما يُعامَل به القريبُ ذو الرّحم عند نزول بيت أهله بعد طول غياب. لقد عوملا بالإحسان المنتج للحبّ الصّادق المؤلّف بين النّاس. حبّ يذكّر النّاس بطبيعتهم البشريّة بعيدا عن المؤثّرات الشّاذّة التي لا تقتصد في الاعتداء على الخصوصيّات ولا تتأنّى في فهم الأدوار الحضاريّة لكلّ أمّة من الأمم.
لقد تمتّعت الجماهير في الملاعب بشهادة الطّيّبين منهم بأجواء إنسانيّة طيّبة رقّاها غياب المؤثّرات الكحوليّة، لقد كان النّداء للصّلاة بأصوات جميلة داعية، تجلب انتباه القلوب الباحثة عن حقيقة الوجود وكانت في الآن نفسه فاضحة لسلوك شواذّ ابتُلي بهم الوجود.
لقد ابتُدِئ حفل الافتتاح بآية من القرآن الكريم تُترجم المعنى الحقيقيّ للتّواصل وتشرح الهدف منه وتنزّل هذا المهرجان العالميّ الذي جمع النّاس وسيلةً من وسائله، وتفضح المنافقين المندسّين في بلاد المسلمين في صفّ "المفكّرين" وساكني الفضائيّات وغيرهم. فقد تجمّعتم للتّنافس على المرتبة الأولى في اللعبة وهي مرتبة لا يحظى بها إلّا فريق واحد يمثّل صنفا واحدا من البشر، وأمّا بقيّة النّاس بل كلّ النّاس؛ إذ الفائز هو أيضا منهم، فيغنمون بالإضافة إلى التّنافس التّعارف ويستجلون أسباب الكرم ويتنافسون فيه.
ليست أسباب الكرم ماديّة فقط ولا جسمانيّة وإنّما هي كما بيّنت الآية قيميّة: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَيٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْقَيٰكُمْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۖ} (الحجرات: 13). ذكّرت الآية بأنّ النّاسَ خلقُ الله ﷻ وأنّ اختلافَ شعوبِهم وقبائلِهم يذلّله كونُهم جميعا من ذكر وأنثى وأنّ لكلّ منهما دورَه المحدّد، وإنّما حُدّد الدّور بطبيعة المخلوق وبقدراته الموقوفة؛ إذ ليس الذّكر كالأنثى، كما نطقت بذلك أكثر الصّنفين (الذّكر والأنثى) معرفة بمؤهّلات الأنثى، أمّ مريم عليها السّلام.
تقول جماعةٌ تمثل مشجّعي إنجلترا، تُهين الأسودَ بتسمية نفسها "فخرُ الأسودِ"، إنّه مخيّب للآمال أن يبدأ قادة الفرق الأوروبيّة المباريات ببطاقات صفراء لمجرّد محاولتهم تسليط الضّوء على مشاكل متعلّقة بحقوق الإنسان.
قد تظنّ وأنت تسمع تعبيرهم عن هذه الخيبة أنّ الفِرقَ المذكورة جاءت ترفع الشّعارات في وجه الاحتلال البغيض الجاثم على فلسطين، أو جاءت تستنكر ما يتعرّض له المسلمون أو غيرهم في بلادهم من اعتداءات جيوشهم الغازية أو تستنكر ما تتعرّض له الإنسانيّة في البلاد التي تدور فيها الحرب بالوكالة على الدّيمقراطيّة وطالبيها، فتُفاجأ بأنّ الإنسان عندهم ليس ما انصرفت بإنسانيّك إليه ولكنّه عندهم ذاك البشع الشّاذّ المغيّر لخلق الله الضّارب لأسباب التّنافس في مضمار التّقارب والقِيم.
فِرقٌ بل بلدانٌ انطلقت بلسان حالها وسلوكها المشين تكشف خبايا قلوبها وأنفسها: "ليست قطر بيضاء ولا هي غربيّة، وإنّنا لا نحترم عاداتِها ولا حتّى معتقداتِها، وسنفعل ما نريد ونعلّمها كيف تدير بلدها، فإنّ قوانينها لا تعني لنا شيئا، فنحن السّادة وإنّنا نُتّبع ولا نتّبِع"... يستنكر مات وولش (Matt Walsh)، الكاتب والمعلّق السّياسي الأمريكي المحافظ ذلك، ويراه وقاحة لا تليق بقومه ويرفض سعيهم إلى فرض ثقافتهم المليئة بالتّجاوزات الأخلاقيّة وبالشّذوذ، ويعبّر عن عدم رضاه عنهم ولا يقبل استكبارهم، فيقول: "لنتّفق على أنّنا في الغرب لسنا في وضع يسمح لنا بإلقاء محاضرات أخلاقيّة على أيٍّ كان، ولا يمكّننا مستوانا من التّعالي على الآخرين، فنحن الذين أجرمنا فأعدمنا ستّينَ مليونَ طفلٍ في الأرحام ونحن الذين عمدنا إلى خصي عدد كبير من الذين تمكّنوا من الخروج إلى هذه الحياة، حتّى بتنا لا نملك الإحساس بتمييز أو معرفة مَن هو الرّجل ومَن هي المرأة. نحن نحتفي بالشّرّ في أبشع أشكاله وأكثرها جنوحا إلى الجنون، وإنّه لعمري ما لا يسمح لنا بالذّهاب إلى العالم لنشر إيديولوجيَا أو لإقناعهم بأنّهم بحاجة إلى أن يكونوا مثلنا. فإنّ البلدان الأخرى ينظرون إلينا كمجموعةٍ من المسوخ غريبة الأطوار، ويقولون لنا بأدب خفيّ أنّهم لا يريدون أن يكونوا مثلنا، فإنّهم لا يرون ما نرى ولا يعتقدون ما نعتقد؛ فإنّ الحمل لن يكون ممكنا للرّجال ولو زعمنا نجاحا في تغيير خلقهم منذ الصّغر بالجراحة وتحويلهم إلى فتيات. إنّهم يقولون لكم بصوت مرتفع: إنّ عَرضَكم غيرُ مقنع وبضاعتَكم رديئةٌ مزجاةٌ"!.
يقول الدّكتور نايف بن ديار فيما نقل عنه هذا الغربيّ المستنكرُ سلوك قومه: "بصفتي قطريّ، فأنا فخور بما حدث ولا أدري متى يدرك الغربيّون أنّ قِيمهم ليست عالميّة، فهناك ثقافات أخرى ذات قِيم مختلفة يجب احترامُها على قدم المساواة"، مضيفا: "دعونا لا ننسى أنّ الغرب ليس المتحدّث باسم الإنسانيّة"!..
نعم، ليس الغرب من يتحدّث عن الإنسانيّة وآلته المدمّرة تمحق المستضعفين في كلّ مكان. ليست عروضهم مقنعة كما قال شاهدهم وإن رفعوا لها شعارات حقوق الإنسان واتّهموا الطّاهرين من النّاس المنظّمين للمونديال بأنّهم يكمّمون أفواههم ويعقلون أرجلهم ما جعل الفرق الصّغيرة غير البيضاء تفوز عليهم في سابقة مؤذنة بإنهاء الانتفاخ الكاذب، فقد فازت اليابان على ألمانيا حبيبة الشّواذّ وفازت المغرب على بلجيكا البيضاء".
لقد بالغ الشّواذّ حتّى تعهّد بوتن العدوّ بعدم الرّضوخ لهم، وبأنّ العائلة سيظلّ فيها، ما حيِيَ، بابا وماما ولن تنقلب كما يأملون إلى مجرّد زوجين قد تماثلا.
لقد بالغوا حتّى نُقل في مجلّة كيوبستس (Q Posts) عن البروفيسور الألمانيّة كريستيانه
نوسلين فولهارد (Christiane Nüsslein-Volhard)، الحائزة على جائزة نوبل في علم الأحياء، قولُها العلميّ غير المجامل: "الكلام عن وجود العديد من الأجناس مجرد هراء، لأنّه يفتقد إلى المصداقيّة العلميّة. أمّا قانون تقرير المصير المخطّط له للشّباب، في هذا العمر، فهو قرارٌ مجنون، غابت عنه المبادئ الأساسيّة في علم الأحياء وعلى الجميع أن يعرف أنّ جميع الثّدييّات، والإنسان من بينها، تتألّف من جنسين: أنثى (XX) تنتج البويضات، وذكر(XY) ينتج الحيوانات المنويّة. واتّحاد البويضة مع الحيوان المنويّ يأتي بكائنٍ جديد إمّا ذكرا وإمّا أنثى، وحتّى في الحالات النّادرة حين يحدث خللٌ في التقاء هذه الصبغيّات لتأتي بكائنٍ ثنائي الجنس (خنثى) أو غيره، فسوف يحمل خصائص هذين الجنسين معًا، ولذلك فهو ليس جنسًا ثالثًا كما تزعمون".
بالغوا حتّى وقف ذلك الشّيخ السّودانيّ وقد دَعَوا بلده إلى تمكين المثليّين فيه من حقوقهم يُسمعهم بطريقته البليغة المستنكِرة ولهجته المحبّبة ما هم أهل له، يتفل عليهم وعلى "حُبّهم" وعلى بلدانهم وخاصة على ساستهم و"إنسانيتهم"، تِفّْ، تِفّْ، تِفّْ! يقرّعهم ويحتقرهم: مثلي! أنت مثلي أنا! تِفّْفففف!