الخميس 6 فبراير 2025
سياسة

براو: أدعو إلى نشر ثروات المسؤولين للعموم لوقف الاعتداء على المال العام 

براو: أدعو إلى نشر ثروات المسؤولين للعموم لوقف الاعتداء على المال العام  الدكتور محمد براو، خبير دولي في الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد
دعا الدكتور محمد براو، خبير دولي في الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد، إلى‭ ‬نشر‭ ‬ثروات‭ ‬المسؤولين‭ ‬السياسيين‭ ‬والإداريين‭ ‬على‭ ‬العموم،‭  ‬كمقتضى‭ ‬ردعي‭ ‬مرحلي في‭ ‬انتظار‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬سن‭ ‬قانون‭ ‬فعال‭ ‬وردعي‭ ‬للإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع.
وتساءل مدير مجلة التدبير والرقابة على المال العام، ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬فعلي‭ ‬لإرادة‭ ‬سياسية‭ ‬فعلية‭ ‬لدى‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬لتحويل‭ ‬الخطب‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬ميدانية‭ ‬ونتائج‭ ‬وآثار‭ ‬ملموسة‭. 

 
في‭ ‬بداية‭ ‬ولاية‭ ‬الحكومة‭  ‬الحالية‭ ‬برئاسة‭ ‬عزيز‭ ‬اخنوش‭ ‬تم‭ ‬سحب‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬ستسعى‭ ‬لتجويد‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬فرصة،‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬تجاوزنا‭ ‬منتصف‭ ‬الولاية‭ ‬الحكومية،‭ ‬ولايظهر‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬لإخراجه‭ ‬أو‭ ‬تعديله،‭ ‬لماذا‭ ‬في‭ ‬نظرك؟
تردد‭ ‬الفاعل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬جماعية‭ ‬متوافق‭ ‬على‭ ‬أولوياتها‭ ‬ومتطلباتها‭ ‬وتكاليفها،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العوامل‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬فشل‭ ‬وجمود‭ ‬نتائج‭ ‬الجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد، وواحدة‭ ‬من‭ ‬الشواهد‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬التلكؤ‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭.. ‬لكن‭ ‬هنا، ‬دعني‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬شيئا‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬يفاجئك‭ ‬ويفاجئ‭ ‬قراء‭ ‬"الوطن‭ ‬الآن"‭ ‬وهي‭ ‬أنني‭ ‬أفضل‭ ‬شخصيا‭ ‬عدم‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬صدوره‭ ‬ناقصا‭ ‬أو‭ ‬مجوفا. ‬والحل‭ ‬الواقعي‭ ‬الممكن‭ ‬موجود‭ ‬ومتاح،‭ ‬وهو‭  ‬تفعيل‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬منظومة‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انصرام‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬ونصف‭ ‬على‭ ‬قانونها‭ ‬التأسيسي،‭ ‬وشهادة‭ ‬فشلها‭ ‬كتبه‭ ‬المجلس‭ ‬الاعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭.‬ 

 
من‭ ‬باب‭ ‬المفارقة‭ ‬أنه‭ ‬بسحب‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬ظهر‭ ‬تسونامي‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأولى‭ ‬للأحزاب‭ ‬والمنتخبين‭ ‬البرلمانيين‭ ‬والجهويين‭ ‬والجماعيين،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أننا‭ ‬انتقلنا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬"المافيا"؟
مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بسبب‭ ‬فشل‭ ‬منظومة‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬وليس‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬قانون‭ ‬الاثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع، ‬أنا‭ ‬أدعو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منبركم‭ ‬المحترم‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬ثروات‭ ‬المسؤولين‭ ‬السياسيين‭ ‬والإداريين‭ ‬على‭ ‬العموم،‭  ‬كمقتضى‭ ‬ردعي‭ ‬كاف‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬سن‭ ‬قانون‭ ‬فعال‭ ‬وردعي‭ ‬للإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اطلاع‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬المسؤولين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وثائق‭ ‬رسمية‭ ‬لتردد‭ ‬هؤلاء‭ ‬وفكروا‭ ‬مرتين‭ ‬قبل‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬
الظاهرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تشكل‭ ‬مادة‭ ‬للتأمل‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬نظريات‭ ‬وأدبيات‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬بالفساد‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الفساد‭ ‬الكبير‭ ‬والذي‭ ‬يتحول‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬"الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الدولة" state capture‭. ‬إننا‭ ‬أمام‭ ‬استيلاء‭ ‬جزئي‭ ‬وتدريجي‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬بفعل‭ ‬المزاوجة‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬الحرام‭ ‬وذو‭ ‬المصادر‭ ‬الاجرامية‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬والسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬والادارية، إننا‭ ‬أمام‭ ‬انتقال‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬إلى‭ ‬الإفساد‭ ‬والأخطر‭ ‬هو‭ ‬تطويع‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬والقضائية‭ ‬والإعلامية‭..‬ 

 
يتوفر‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬معمار‭ ‬مؤسساتي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرقابة‭ ‬والنزاهة‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬ومجالسه‭ ‬الجهوية،‭ ‬ومفتشيات‭ ‬الداخلية‭ ‬والمالية‭ ‬وباقي‭ ‬الوزارات‭ ‬وإمكانيات‭ ‬لجان‭ ‬تقصي‭ ‬الحقائق،‭ ‬والنيابة‭ ‬العامة.. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ينهض‭ ‬هذا‭ ‬المعمار‭ ‬سدا‭ ‬منيعا‭ ‬أمام‭ ‬مد‭ ‬الفساد‭ ‬بكل‭ ‬تمظهراته،‭ ‬لماذا؟‭ ‬وأين‭ ‬الخلل؟
الخلل‭ ‬واضح‭ ‬بيّن ‬وهو‭ ‬خلل‭ ‬مزدوج‭ ‬ويتعلق‭ ‬بمحدودية‭ ‬الفعالية‭ ‬السياسية‭ ‬والفعالية‭ ‬المؤسساتية،‭ ‬وعندما‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الفعالية‭ ‬فإنني‭ ‬أحيل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬خطابات‭ ‬نوايا‭ ‬حسنة‭ ‬وتعهدات‭ ‬سياسية‭ ‬مكتوبة‭ ‬وشفوية‭ ‬وبرامج‭ ‬معلنة‭ ‬ومشاريع‭ ‬مسطرة،‭ ‬ولكن‭ ‬الفعالية‭ ‬تعوزها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أصبح‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬فعلي‭ ‬لإرادة‭ ‬سياسية‭ ‬فعلية‭ ‬لدى‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬لتحويل‭ ‬الخطب‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬ميدانية‭ ‬ونتائج‭ ‬وآثار‭ ‬ملموسة‭.. ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الفعالية‭ ‬المؤسساتية‭ ‬فهي‭ ‬محدودة‭ ‬ومعرقلة‭ ‬لغياب‭ ‬إطار‭ ‬تنسيقي‭ ‬وممرات‭ ‬تعاونية‭ ‬فعالة‭ ‬بين‭ ‬الهيئات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬نظامنا‭ ‬الوطني‭ ‬للنزاهة‭ ‬تكامليا‭ ‬وسلسا‭. ‬ولقد‭ ‬وعت‭ ‬الدولة‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬متأخرة‭ ‬عندما‭ ‬شرعت‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬المطالب‭ ‬المالية‭ ‬والالتزامات‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬سنتين‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬تحسيسية‭ ‬وتنسيقية‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬هيئات‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية‭. ‬وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬متفائل‭ ‬ببداية‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬والمساءلة‭ ‬بفضل‭ ‬انخراط‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬العليا‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬واعتبارات‭ ‬تتظافر‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬محورية‭ ‬وهي‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للبلاد‭ ‬ومصداقية‭ ‬وهيبة‭ ‬الدولة‭. ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬نداء‭ ‬"الجدية"‭ ‬الملكي‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬شعار‭ ‬المرحلة‭..‬