في غياب سياسة رادعة للمسؤولين الذين تبث تورطهم في قضايا فساد سواء المنتخبين أو المعينين بإختلاف مناصبهم أو وظائفهم وعدم تفعيل المبدأ الدستوري بربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن إشكالية الفساد وتضارب المصالح ستظل آفة تهدد مستقبلنا جميعا في ظل وجود شبكات وتقاطبات تعمل بشتى الطرق للحفاظ على مكاسبها، واستغلال مسؤولياتها ومناصبها في مؤسسات الدولة لنهب الميزانيات العمومية وموارد البرامج الإجتماعية ويصبح معه تدبير الشأن العام غطاء لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة والإغتناء على حساب المصلحة العامة، والمس بمصداقية وسمعة المؤسسات الوطنية، لذا لا يكفي بتاتا المصادقة على تشريعات جديدة تعنى بمكافحة الفساد أو تجريم الإثراء غير المشروع وبالمقابل غياب إرادة حقيقية لدى العديد من المسؤولين لتفعيل صلاحيات المؤسسات الرقابية ومبادئ دستورية ظلت مجرد حبر على ورق بعد أزيد من 13 سنة من اعتماد دستور المملكة والذي ينص على ضرورة احترام مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة من أجل تخليق تدبير الشأن العام، في حين لا زلنا نعاين أحكام قضائية لا تصادر ممتلكات ناهبي المال العام وأسرهم بالرغم من إدانتهم بارتكاب جرائم الأموال، ومؤسسات دستورية لا زالت تقاريرها كلاسيكية لا تلامس عمق الفساد المستشري في المجتمع وتدبير الشأن العام
. وهو مايكشف عدم افتضاح أمر العديد من المسؤولين المنتخبين إلا بعد تدبيرهم لسنوات وتصدرهم للمشهد السياسي على أنهم مناضلين في أحزابهم وحصلوا على ثقة المواطنين، في حين كان هدفهم الوحيد هو تحقيق ثروات عن طريق السمسرة ونهب الميزانيات العمومية والريع والمحسوببة والتغطية على الإتجار في المخدرات على حساب تحقيق أهداف التنمية بالبلاد.
لا ننسى أن هؤلاء هم من ساهم في صدور العديد من القرارات السياسية والمصادقة على العدبد من التشريعات والقوانين بالبرلمان، ويعتبرون من مكونات التحالف الحكومي وهو ما يفسر عجز الحكومة اليوم في نهج قطيعة حقيقية مع الفساد وعدم انعكاس السياسات والبرامج الإجتماعية على المواطنين سواء في المجال القروي أو الحضري، ويوضح جانبا أساسيا عن خلفيات قرارها بسحب القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي والذي يتضمن مادة حول تجريم الإثراء «الكسْب» غير المشروع المحال من طرف الحكومة السابقة والتأخر في إصدار قانون يجرم تضارب المصالح في تدبير الشأن العام، والمسارعة الى تمرير قانون العقوبات البديلة لفائدة المحكوم عليهم بعقوبات سجنية تصل إلى خمس سنوات، مؤشرات كلها ساهمت في فقدان الثقة في العمل السياسي.
وبالتالي فإن اليوم ينتظرنا عمل كبير لمواجهة هاته المعضلة قبل فوات الأوان في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. والإعلان على حملة تطهيرية ضد كل أوجه الفساد وعلى جميع المستويات في انخراط فعلي وجدي من مؤسسة رئاسة النيابة العامة ومختلف المؤسسات وبصورة تشاركية لمحاربة هاته الجريمة والمشاركين فيها بدون هوادة ولا انتقائية أو تمييز ومصادرة الممتلكات التي حصلت بطرق غير مشروعة حتى يتسنى إعادة هيبة دولة الحق والقانون وإعادة الثقة للمواطن ومؤسساته.
يونس بوبكري، المنسق الوطني للجنة الوطنية للخبراء والقوانين بالهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب