السبت 23 نوفمبر 2024
مجتمع

جوهرة الجنوب :" بورديل" آكادير المشهور الذي سقط من ذاكرة السوسيين

جوهرة الجنوب :" بورديل" آكادير المشهور الذي سقط من ذاكرة السوسيين

في المغرب كما الرجال كما المدن . لا تستقيم السيرة إلا بسرد الصلاح الملازم للحياة. فالمدن تتميز ب " حسن السيرة " الذي يبعدها عن كل شين، كذاك الرجال ؛ قائمين على فرائض الدين.

سلفية المجال والأشخاص ..

أرض الصالحين..

غير أن الأدلة عن " دنس " المكان لا تعدم الذكر، حتى ولو أهملتها ذاكرة خؤونة، مرضاة  لتعاليم تقليدية في " التستر " على من  أصيب بالابتلاء .".. فمنجزات الشيطان لا ينبغي الإتيان على ذكرها أبدا..

آكادير، عاصمة سوس العالمة بالأجرومية وطبقات الحضيكي ورحلة العبدري ومؤلفات المختار السوسي.. ما كان أهلها يجرؤون على ذكر تلك الدار المسماة جوهرة الجنوب La perle du Sud

والتي عمًدها البعض فأطلق عليها إسما بالغ الدلالة Maison de la tolérance دار التسامح.

يتعلق الأمر بدار للخدمة الجنسية،" بورديل "، كما درج لسان العامة على نعته، في استدراج بليغ للتسمية الفرنسية بدون لَحَن .

غير أن السوسيين من ساكنة آكادير،الذين عاصروا فترة الحماية وما بعد الاستقلال، استكانوا لنكران جماعي يشبه تواطؤ المتآمرين وأشروا على نفي جدير بالإفتحاص، على أن تلك الدار التي كانت توفر خدمة جنسية، والتي كانت توجد في الطريق المؤدية للمقبرة المحادية للقصبة [ آكادير أوفلا ] لم توجد أبدا .

لا يتعلق الأمر بنكران  لبناء معماري على طريقة رواد ما بعد الحداثة. حتى المنوغرافيات التي أتت على ذكر زلزال 29 فبراير 1960 قامت بتجاهل  " أكل " الزلزال لدار مشهورة عرفت بتميزها تأثيثا و بناءا على طراز الروكوكو..

الشهادة الوحيدة، التي أرخت لدار الدعارة السوسية هذه  تعود لطفل آكاديري غادر وعائلته المدينة سنة 1958 في اتجاه كندا .

يتعلق الأمر بجاك بن سيمون؛ رجل السينما المختص في الأشرطة الوثائقية، والرئيس السابق للمكتب الوطني  للفيلم بكندا والذي توفي عام2012 عن عمر 69 سنة .

ينحدر جاك بن سيمون من أسرة بن سيمون الفاسية والتي استقر أحد أفرادها [ Emile Bensimon]بمدينة آكادير بعد زواجه من ابنة أبي سرور تلك العائلة اليهودية - الأمازيغية القادمة من أعماق هضبة درعة .

قبل وفاته بعام واحد كتب جاك بن سيمون ما أسماه " رواية حقيقية " أو " حقيقة مروية " . ففي كتاب موسوم ب : آكادير، جنة مسروقة ، المندرج  ضمن جنس السيرة الذاتية، تحدث جاك بن سيمون عن طفولته بآكادير قبل المغادرة نحو كندا سنة 1958، عن الدار الشهيرة المتواطئ على نسيانها سوسيا وآكاديريا؛ بورديل آكادير المسمى ب "جوهرة الجنوب "أو" دار التسامح ".

بدءا من الصفحة 174 يتحدث جاك بن سيمون عن  خياط اسمه Armand ،  حيث يحايثه بعملاق السينما الإيطالية مارسيلو ماسترياني. للشبه الحاصل بينه وبين الإيقونة السينمائية .

Armand هذا كان في سن الثلاثين، ولقد كان بمثابة " حكواتي جنسي " يتولى "التربية العاطفية والجنسية " ل"عصابة " من صغار اليهود أصدقاء جاك بن سيمون .

كان السرد يتسم بكثير من الخلاعة. ولقد تخلى Armand عن تحفظ الكبار، وبدأ يحكي لأطفال بالكاد بلغوا سن العاشرة كيفية معاشرة المرأة " لإسعادها " .

كان الأمر يشبه " تناصا " مع  الشيخ النفزاوي في روضه العاطر . يبدو أنه في سنوات الخمسينات من القرن الماضي كانت " الرجولة " تزحف على " الطفولة " وتأخذ منها . إنه نوع من " تسمين الطفولة " للوصول لمرحلة البلوغ المبكر.

سيقود حكي المعلم "آرمون" إلى تلفظه بشتيمة " بورديل " في حق أحد أصدقاء جاك بن سيمون والذي أراد التنازع مع " المعلم " بعد أن فطن، بتأويل أن " الفتاة " التي تتحدث عنها النسخة الآكاديرية من ماسترياني إنما هي شقيقته .

في هذه اللحظة - يقول جاك بن سيمون - أدركنا أنه ثمة بورديل بآكادير..

قادت أبحاث الصغار في النهاية إلى الوصول إلى مكان اسمه" جوهرة آكادير" يتوفر على رقم هاتف يبدأ ب 22- يليها رقم 69 ..

حفظ صغار المردة رقم الدار التيليفوني بسرعة فرقم 22 كان هو رقم الطوارئ الخاص بالشرطة، أما رقم 69 فلقد كان يحيل على وضعية من وضعيات الكاماسوترا الخاصة بالمضاجعة.

البورديل السوسي الذي كان يختبئ تحت اسم جوهرة آكادير، كان موصولا بخطوط الهاتف. نتحدث عن آكادير زمن الحماية الفرنسية..حيث الهاتف مِنًة وامتياز لا تحوزها إلا البنيات التابعة للإدارة . بورديل الدارالبيضاء المعروف باسم "بوسبير" لم يكن يتوفر على خط هاتف، وبورديل مراكش، الذي كان يتصرف في مداخيله الباشا الكلاوي، لم يكن يتوفر بدوره على خط هاتف ..

في حالة آكادير نحن أمام بناية – إدارية لم يغب عن مشيديها أن يستلهمواطرازا في المعمار هو الروكوكو المستند لتقليد الصدفة أو المحارة Rocaille   في جعل التزيين الداخلي ينساب بحرية بعيدا عن صرامة الطراز الباروكي الذي ساد من قبل .

بورديل آكادير المنفلت من أي ذكر، والغائب حتى في الكتابات الأكثر استحضارا لعاصمة سوس مثال كتاب الطبيبة الفرنسية Marie – France Dartois  [والتي عاشت طفولتها بآكادير إلى أن أخذ الزلزال معمارها وأناسها ] الموسوم ب : آكادير وجنوب المغرب ،الصادر في سنة 2008،  ناهيك عن كتاب : آكاديرAgadir للمرحوم الشاعر محمد خير الدين..والكتابات الأخرى الحديثة لعبد الله كيكر أو تلك التي اشترك فيها كيكر مع لحسن الرسافي وإعزا جافري، جميع هذه الكتابات لم تذكر بيت التسامح، حيث كان بإمكان طفل يهودي الديانة في سن التاسعة أن يضاجع مومسا مسلمة الديانة اسمها عائشة في أتم بلوغها، كما كتب جاك بن سيمون في راويته السير – ذاتية،AGADIR-Un paradis dérobé  والذي لم يكن غير ذاك الطفل الذي سلمته عائشة جسدها تدشينا " لطقس المرور " بمعناه الإنثروبولوجي ،إلى عالم الكبار، عالم البلوغ ،عالم الرجال .

لقد انتهى الأمر بجاك الصغير وصديقا له إلى مرافقة " معلم الخلاعة " Armand  إلى حيث باب بدفتين يحرسه " شاوش " كما لو كان إدارة اشتغال المراقب المدني للمنطقة، وفي داخل المبنى رٌكِزت مروحة تهوية أما على الأرض فلقد تسربل المبنى بأغطية من زرابي،  ونضدت الحواشي بكراسي مغلفة بجلد مدبوغ..وفي مكان قصي صممت مقدمة الحانة، فيما أخذ الدرج له مكانا في الزاوية حيث يتلوى واشباهه صعودا ليشكل ممرا يؤدي إلى غرف وثيرة حيث يختلي كل "ضيف " أنى كان شكله وعرقه بمن اشتهى هواه من النساء البيض والسُمر، النحيفات وذوات الأرداف ، من كل جنس ومن كل دين.. منزل التسامح، ففي هذا البورديل دحضت آكادير مقولة صراع الحضارات لهنتينغتون..ولربما احتراما لتراثها المنسي إن وجد من أعاد إحياء الغنج القديم في صيغة حديثة اختار لها من الأسماء : مهرجان التسامح..

عند وفات الربي ياكوف، يسرد جاك بن سيمون الواقعة التالية ؛ لما وري جثمان الربي ياكوف وأثناء عودة جمع المعزين من المقبرة في سياراتهم خرجت نسوة دار التسامح يسترقن بفضول ماجن أخبار العائدين..

منهم من أدار وجهه،  ومنهم من استعان بشمسية..ومنهم من لوح بابتسامة أو أشار بطرف عين..

في هذه اللحظة أدرك الطفل جاك أن أعيان طائفته العبرانية كانوا بدورهم " يتسامحون " مع نزيلات جوهرة الجنوب..

سنجد في آكادير من يحدث عن معمار ما قبل الزلزال .هناك بالقطع من سيحدث عن محطة البنزين SMPP في زاوية شارع ستيك أو محل شركة باطا المملوكة ل Fiby أم جاك بن سيمون وهناك من يملك صورا للمخبزة العصرية DE LA BAIE   أو لفندق ريجينا ؛ غير أنه يتعذر أن تجد من يذكر بيت الدعارة المسمى بجوهرة الجنوب .

هل يتعلق الأمر بذاكرة محتشمة لا تريد أن ترتبط عاصمة سوس بغير النضال وجليل الأعمال سيما وأنها أرض الفقهاء والعلماء ؟

أم يتعلق الأمر بدار كانت خدماتها موجهة لغير المسلمين ؟

أم أن المسألة تكمن في خضوع البورديل للوصاية الإدارية لسلطات الحماية ؟

في النهاية نحن أمام واقعة دار درج اللسان المحلي على نكرانها بالمطلق..

لربما نحن في النهاية أمام نموذج حي مما أورده روبن فيفوش في كتاب " النفس المتذكرة ..الإنشاء والدقة في السردية الذاتية " حيث الإختلاق العمدي لماضي لا وجود له أو نسيان قصدي لماضي وجد بشكل مؤلم.

ومع ذالك كان في آكادير بورديل وماخور..

بيت التسامح ..

ذاك الذي كان قديما..قبل أن تصبح آكادير كلها بيت تسامح..

رحم الله جاك بن سيمون وألهم أهله من آل ابي سرور وآل بن سيمون الصبر والسلوان..