أكد أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ما يقع اليوم، من توقيفات واعتقالات لبعض مدبري الشأن العام وطنيا ومحليا، يعطي صورة سلبية عن الحقل السياسي، وتتعزز هذه الصورة السلبية أكثر في ظل تراجع دور المناضل، الذي ترك مكانه لمثل هؤلاء البروفيلات الجديدة/القديمة..
يشهد المغرب حاليا موجة اعتقالات وتحقيقات بالجملة في صفوف وزراء سابقين وبرلمانيين ومنتخبين جهويين وجماعيين، هل نحن أمام حملة تطهير جديدة؟
لا أعتقد أن الأمر يتعلق بحملة تطهير جديدة على شاكلة ما وقع في نهاية تسعينيات القرن الماضي. في الحملة السابقة كانت هناك سياقات سياسية واقتصادية يتقاطع فيها الداخل بالخارج، ويتحكم فيها النفوذ الذي أصبح يمثله اتحاد المقاولات المغربية وقتئذ، خاصة مع العلاقات المباشرة التي أخذ ينسجها رجال الأعمال في المغرب مع الضفة الشمالية للمتوسط، بعد اتفاقية ماستريخت. ولا أعتقد أن الأمر يتم بنفس الكيفية اليوم. طبعا تواتر أعمال التوقيفات والتحقيقات والوضع رهن الاعتقال، واشتمالها لمجالات متعددة، يعطي الانطباع أننا أمام حملة تطهير من نوع آخر، لكن يصعب الجزم بذلك، مادام أن ملفات المتابعين أو الموقوفين غير ذات موضوع واحد، وغير مترابطة.
لا أعتقد أن الأمر يتعلق بحملة تطهير جديدة على شاكلة ما وقع في نهاية تسعينيات القرن الماضي. في الحملة السابقة كانت هناك سياقات سياسية واقتصادية يتقاطع فيها الداخل بالخارج، ويتحكم فيها النفوذ الذي أصبح يمثله اتحاد المقاولات المغربية وقتئذ، خاصة مع العلاقات المباشرة التي أخذ ينسجها رجال الأعمال في المغرب مع الضفة الشمالية للمتوسط، بعد اتفاقية ماستريخت. ولا أعتقد أن الأمر يتم بنفس الكيفية اليوم. طبعا تواتر أعمال التوقيفات والتحقيقات والوضع رهن الاعتقال، واشتمالها لمجالات متعددة، يعطي الانطباع أننا أمام حملة تطهير من نوع آخر، لكن يصعب الجزم بذلك، مادام أن ملفات المتابعين أو الموقوفين غير ذات موضوع واحد، وغير مترابطة.
بطبيعة الحال الأمر غير عادي بالنظر للظرفية العامة التي يجري في إطارها، وأعتقد أنه مرتبط بعاملين أساسيين:
ـ العامل الأول يمكن القول إنه تقليدي، وهو حاجة الدولة في كل لحظة من اللحظات لكي تظهر بصورة جديدة تزيد من تقوية نفوذها ومن تغذية شرعيتها، خصوصا لما تكون تعاني من بعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وأعتقد أن ما يجري اليوم لا يخرج عن هذا الإطار.
ـ العامل الثاني يمكن أن نربطه، في تقديري، بما حصل في انتخابات 2021، سيما عندما نأخذ بعين الاعتبار أن غالبية الموقوفين من الأعيان الذين لعبوا دورا كبيرا في هذه الانتخابات وحتى في تلك التي قبلها من أجل تطويق النجاحات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية. فقد كانت هناك حاجة لهؤلاء الأعيان منذ مطلع الألفية الثالثة، وخاصة بعد الربيع العربي لمواجهة ظاهرة العدالة والتنمية وقوته الانتخابية، وبالتالي كان هناك سكوت أو غض الطرف عن ولوجهم أو اختراقهم لعدد من الأحزاب التقليدية والحديثة. لذلك فنهاية القصة الانتخابية للعدالة والتنمية بالطريقة التي تابعناها جميعا في 2021، ربما جعل الرهان على هذه الفئة متجاوزا على الأقل في الفترة الراهنة، وجعل الدولة تسعى إلى التخلص من عبئها الثقيل، خصوصا وأن هذه الفئة استغلت تلك الظروف لمزيد من الإثراء غير المشروع وتقوية نفوذها الترابي والسياسي بالطرق غير المشروعة، ولمزيد من فرض سطوتها على ممثلي الإدارة. وبالتالي، فقد أصبح بعض المنتمين إليها يتصرفون كالناهون والآمرون في المؤسسات والمناطق التي يشرفون على تدبير شؤونها. وأعتقد أن الأمر كان يحتاج لبعض الوقت وانتفاء الحاجة لمثل هذه الكائنات الانتخابية لكي تظهر الدولة أنها ترفض مثل هذه الممارسات والسلوكات، مع أنها تعايشت معها في لحظات معينة، أو على الأقل غضت الطرف عنها وعلى تمددها في الحياة السياسية والاقتصادية، ولعل هذا هو ما يفسر كيف وقع التأخر في التدخل لوضع حد لسلوكات هذه الفئة، مع أن بعض المؤشرات كانت تدل على أن هذه الفئة تقوم بهذه الممارسات منذ مدة، بل وحتى الشخصية المحورية المسماة إعلاميا «إسكوبار الصحراء» اعتقل سنة 2019، أي من ما يزيد على أربع سنوات.
يرتبط بعض الموقوفين ومن هم في طور التحقيق بأحزاب بعضها في الحكومة والآخر في المعارضة، إلى أي حد يسيء ذلك للمشهد السياسي ببلادنا، أم أنه يشكل نقطة ضوء؟
فعلا هؤلاء المتابعين في هذا الملف المرتبط بالفساد في تدبير الشأن العام الوطني أو المحلي في الشهور الأخيرة، هم مسؤولون في أحزاب سياسية، وهذا يطرح تساؤلا كبيرا حول الحقل الحزبي ببلادنا، وحول النخبة السياسية، وإن كان هذا الإشكال غير مرتبط في الحقيقة بالمرحلة الراهنة، بل كان ملازما للحياة السياسية. نعم قد تكون بعض تمظهراته محدودة مقارنة بما يتم الحديث عنه اليوم، لكنه كان موجودا. أما اليوم فإنه أصبح يعبر عن نفسه بقوة، خاصة في ظل اتساع قوة نفوذ الأعيان في مجال الأعمال والحقل السياسي معا، وتنامي بروفيلات جديدة للمنتخبين لم تعد تربطهم بالمظهر الذي كان يتشكل عنهم في فترات سابقة، بل أصبحت تحيل بدرجة أساسية إلى وجود ذهنية وعقلية معينة. ولذلك أعتبر أن ما يقع اليوم يعطي صورة سلبية عن الحقل السياسي، وتتعزز هذه الصورة السلبية أكثر في ظل تراجع دور المناضل، الذي ترك مكانه لمثل هؤلاء البروفيلات الجديدة/القديمة، وأيضا في ظل تزايد الاعتقاد لدى القيادات الحزبية بأن بروفايل الأعيان أصبح ضرورة انتخابية، وأن كل نجاح انتخابي مفترض يتوقف على الدفع به في ساحة التنافس الانتخابي والسياسي. طبعا هذا لا يعفي الدولة من مسؤولياتها، لأنها بطريقة أو بأخرى لها جانب من المسؤولية فيما حصل، سيما عندما نستحضر الدور الذي لعبته في إضعاف الأحزاب السياسية وفي المساهمة في تراجع رهانها على الفكرة لفائدة تزايد هوسها بالخدمة.
ولكن لهذه الصورة وجهها الآخر، حيث إن ما يجري حاليا من متابعات يقوي دور الدولة وقد يقوي الأحزاب السياسية نفسها. فهو يظهر الدولة بمظهر أنها حريصة على تطبيق القانون والضرب على أيدي المفسدين كيفما كانت مراتبهم وصفاته، وأن الرغبة تحدوها لتطهير المشهدين الحزبي والسياسي من الزوائد التي علقت بهما بحكم مراحل عديدة من سوء التدبير الانتخابي والسياسي والترابي. في نفس الوقت فإنه قد يكون بالنسبة للأحزاب السياسية بمثابة «رب ضارة نافعة»، حيث يمكن لتحريك المسطرة القضائية في حق هؤلاء المنتمين إليها ونفض الغبار عن جزء من تعفنات الطيف الحزبي أن يعطي نفسا جديدا للأحزاب السياسية ويجعلها تراجع بروفيلاتها الانتخابية وتعود من جديد لكي تراهن على دور المناضلين، وأن تكون يقظة اتجاه المنتخبين واتجاه عملية الاستقطاب. فضلا عن التعاطي مع العملية الانتخابية بأنها مجرد لحظة من لحظات الفعل السياسي وليس كل الفعل السياسية. صحيح أنها لحظة مهمة، لكن لا يجب أن يؤدي ذلك إلى تلخيص كل العملية السياسية في التهافت على المقاعد الانتخابية. وبالتالي فإن هذا الذي يجري يمكن أن يشكل فرصة لانعتاق المشهد الحزبي وتحرره من هذه الزوائد الانتخابوية المسيئة لنفسها ولوسطها ولصورة المغرب، مع أني لا أضع كل الأعيان في سلة واحدة، بحيث هناك أعيان يعتمدون وسائل مشروعة ولهم تصور معين عن الحياة السياسية والعلاقة مع الدولة والمؤسسات يجب احترامه.
فعلا هؤلاء المتابعين في هذا الملف المرتبط بالفساد في تدبير الشأن العام الوطني أو المحلي في الشهور الأخيرة، هم مسؤولون في أحزاب سياسية، وهذا يطرح تساؤلا كبيرا حول الحقل الحزبي ببلادنا، وحول النخبة السياسية، وإن كان هذا الإشكال غير مرتبط في الحقيقة بالمرحلة الراهنة، بل كان ملازما للحياة السياسية. نعم قد تكون بعض تمظهراته محدودة مقارنة بما يتم الحديث عنه اليوم، لكنه كان موجودا. أما اليوم فإنه أصبح يعبر عن نفسه بقوة، خاصة في ظل اتساع قوة نفوذ الأعيان في مجال الأعمال والحقل السياسي معا، وتنامي بروفيلات جديدة للمنتخبين لم تعد تربطهم بالمظهر الذي كان يتشكل عنهم في فترات سابقة، بل أصبحت تحيل بدرجة أساسية إلى وجود ذهنية وعقلية معينة. ولذلك أعتبر أن ما يقع اليوم يعطي صورة سلبية عن الحقل السياسي، وتتعزز هذه الصورة السلبية أكثر في ظل تراجع دور المناضل، الذي ترك مكانه لمثل هؤلاء البروفيلات الجديدة/القديمة، وأيضا في ظل تزايد الاعتقاد لدى القيادات الحزبية بأن بروفايل الأعيان أصبح ضرورة انتخابية، وأن كل نجاح انتخابي مفترض يتوقف على الدفع به في ساحة التنافس الانتخابي والسياسي. طبعا هذا لا يعفي الدولة من مسؤولياتها، لأنها بطريقة أو بأخرى لها جانب من المسؤولية فيما حصل، سيما عندما نستحضر الدور الذي لعبته في إضعاف الأحزاب السياسية وفي المساهمة في تراجع رهانها على الفكرة لفائدة تزايد هوسها بالخدمة.
ولكن لهذه الصورة وجهها الآخر، حيث إن ما يجري حاليا من متابعات يقوي دور الدولة وقد يقوي الأحزاب السياسية نفسها. فهو يظهر الدولة بمظهر أنها حريصة على تطبيق القانون والضرب على أيدي المفسدين كيفما كانت مراتبهم وصفاته، وأن الرغبة تحدوها لتطهير المشهدين الحزبي والسياسي من الزوائد التي علقت بهما بحكم مراحل عديدة من سوء التدبير الانتخابي والسياسي والترابي. في نفس الوقت فإنه قد يكون بالنسبة للأحزاب السياسية بمثابة «رب ضارة نافعة»، حيث يمكن لتحريك المسطرة القضائية في حق هؤلاء المنتمين إليها ونفض الغبار عن جزء من تعفنات الطيف الحزبي أن يعطي نفسا جديدا للأحزاب السياسية ويجعلها تراجع بروفيلاتها الانتخابية وتعود من جديد لكي تراهن على دور المناضلين، وأن تكون يقظة اتجاه المنتخبين واتجاه عملية الاستقطاب. فضلا عن التعاطي مع العملية الانتخابية بأنها مجرد لحظة من لحظات الفعل السياسي وليس كل الفعل السياسية. صحيح أنها لحظة مهمة، لكن لا يجب أن يؤدي ذلك إلى تلخيص كل العملية السياسية في التهافت على المقاعد الانتخابية. وبالتالي فإن هذا الذي يجري يمكن أن يشكل فرصة لانعتاق المشهد الحزبي وتحرره من هذه الزوائد الانتخابوية المسيئة لنفسها ولوسطها ولصورة المغرب، مع أني لا أضع كل الأعيان في سلة واحدة، بحيث هناك أعيان يعتمدون وسائل مشروعة ولهم تصور معين عن الحياة السياسية والعلاقة مع الدولة والمؤسسات يجب احترامه.
هل نحن أمام أسلوب أشبه بعصابات المافيا، تحاول صناعة مجد مزيف عن طريق التقرب لمراكز القرار والسلطة لتحقيق مآربها الشخصية؟
نعم يجوز أن نقول ذلك. فمن خلال التسريبات والوقائع التي تنشرها وسائل الإعلام، إن صحت كلها بطبيعة الحال وتأكد أن ذلك تم بنفس الكيفية التي يروى بها، يمكن القول إننا أمام عمل مافيوزي بمعناه المالي والاقتصادي مقنع بيافطة سياسية. في وقت ما كان بعض المنظرين في العلوم السياسية يتحدثون عن أحزاب الكارتيلات عندما النظر لأحزاب سياسية في سياقات سياسية أخرى، وها نحن اليوم نعيش بكيفية أو بأخرى هذا المفهوم في الواقع العملي المغربي. وهنا لابد أن أعيد التأكيد على أن ذلك ليس مسؤولية حصرية للأحزاب أو المنسوب إليهم هذه الأفعال، ولكنها مسؤولية أيضا أجهزة التتبع والراقبة، والتي تظهر صرامتها في التعاطي أمنيا مع عدد من الملفات، الهجرة، الإرهاب، المخدرات، لكنها لا يبدو أنها تصرفت بنفس هذه اليقظة مع هذه الملفات الرائجة اليوم، أو ربما فعلت ذلك لكن كان ينقصها القرار السياسي الذي يجعل متابعات بهذا الحجم ممكنة.
وهنا لابد من استحضار ما كتبه الأستاذ محمد حفيظ الأستاذ الجامعي، عندما تساءل قبل أشهر في جريدة «الوطن الآن» عن أين الدولة؟ طبعا من الصعب القول إن الدولة متورطة في مثل هذه الأعمال الإجرامية، أو شجعت على ارتكابها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تتحرك في الوقت المناسب بناء على تقارير أجهزة الرصد؟ هل فعلا لم تنتبه إلى ذلك؟ نحن اليوم أمام ممارسات خطيرة، لم يكن من الممكن تصور أن تعيش في رحم أحزاب سياسية. فرغم أننا ندرك أن الحقل السياسي ليس شفافا كما ينبغي، وليس نزيها بما يكفي، لكن لم نكن نقدر أن تصل حجم الممارسات الفاسدة داخله إلى هذه الدرجة من التعفن، سيما عندما نستحضر المواقع السياسية التي كان يحتلها هؤلاء الأشخاص، والتي سمحت لهم بأن يتصرفوا بكل أريحية وكأن هناك من يحميهم، وإن كنا نؤكد دائما على قرينة البراءة وأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
نعم يجوز أن نقول ذلك. فمن خلال التسريبات والوقائع التي تنشرها وسائل الإعلام، إن صحت كلها بطبيعة الحال وتأكد أن ذلك تم بنفس الكيفية التي يروى بها، يمكن القول إننا أمام عمل مافيوزي بمعناه المالي والاقتصادي مقنع بيافطة سياسية. في وقت ما كان بعض المنظرين في العلوم السياسية يتحدثون عن أحزاب الكارتيلات عندما النظر لأحزاب سياسية في سياقات سياسية أخرى، وها نحن اليوم نعيش بكيفية أو بأخرى هذا المفهوم في الواقع العملي المغربي. وهنا لابد أن أعيد التأكيد على أن ذلك ليس مسؤولية حصرية للأحزاب أو المنسوب إليهم هذه الأفعال، ولكنها مسؤولية أيضا أجهزة التتبع والراقبة، والتي تظهر صرامتها في التعاطي أمنيا مع عدد من الملفات، الهجرة، الإرهاب، المخدرات، لكنها لا يبدو أنها تصرفت بنفس هذه اليقظة مع هذه الملفات الرائجة اليوم، أو ربما فعلت ذلك لكن كان ينقصها القرار السياسي الذي يجعل متابعات بهذا الحجم ممكنة.
وهنا لابد من استحضار ما كتبه الأستاذ محمد حفيظ الأستاذ الجامعي، عندما تساءل قبل أشهر في جريدة «الوطن الآن» عن أين الدولة؟ طبعا من الصعب القول إن الدولة متورطة في مثل هذه الأعمال الإجرامية، أو شجعت على ارتكابها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تتحرك في الوقت المناسب بناء على تقارير أجهزة الرصد؟ هل فعلا لم تنتبه إلى ذلك؟ نحن اليوم أمام ممارسات خطيرة، لم يكن من الممكن تصور أن تعيش في رحم أحزاب سياسية. فرغم أننا ندرك أن الحقل السياسي ليس شفافا كما ينبغي، وليس نزيها بما يكفي، لكن لم نكن نقدر أن تصل حجم الممارسات الفاسدة داخله إلى هذه الدرجة من التعفن، سيما عندما نستحضر المواقع السياسية التي كان يحتلها هؤلاء الأشخاص، والتي سمحت لهم بأن يتصرفوا بكل أريحية وكأن هناك من يحميهم، وإن كنا نؤكد دائما على قرينة البراءة وأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
كيف يمكن للأحزاب أن تفعل مدونة السلوك وتفرض على أعضائها التصريح بممتلكاتهم قبل خوض الانتخابات وبعدها، وتحقيق مزيد من تخليق الحياة السياسية؟
مدونة السلوك موجودة، القانون التنظيمي للأحزاب السياسية موجود كذلك، إضافة إلى القوانين الأساسية للأحزاب وأنظمتها الداخلية، وهي ليست خالية من تدابير ومقتضيات تسعى إلى تخليق الحياة السياسية. كما أن التصريح بالممتلكات هو نفسه مقنن ومفعل، والمجلس الأعلى للحسابات يقدم عملا مهما في رصد ممتلكات من يتصدون للشأن العام، ومتابعة تمويل تدبيرهم للهيئات التي يشرفون عليها. لذلك، أعتقد أن الإشكال الحقيقي مرتبط أساسا بالثقافة السياسية السائدة، أي الثقافة التي جعلت من الفوز بالمقاعد الانتخابية وبكل الوسائل عقيدة مشروعة. لذلك، فالمطلوب اليوم، في تقديري، هو أن تتغير هذه العقيدة. فالأمر يتعلق بتمرين أساسي ومجهود كبير يجب أن يبذل على مستويات متعددة من أجل إعادة ربط الحقل الحزبي والعمل السياسي بأهدافه النبيلة والتطوعية والقائمة على أساس خدمة الفكرة. وهذا الأمر مقترن بمدى تمثل الأحزاب لإعادة النظر في آلياتها الانتخابية والرهان أكثر على برامجها واختياراتها، كما هو مقترن بمدى تغير صورة الدولة نفسها عن الحقل الحزبي وأدواره ووظائف في النسق السياسي المغربي، تلك الصورة التي لطالما ظلت تختزله في أدوار ثانوية وفي أحسن الأحوال في أدوار تعبوية من أجل تزكية قرارات وسياسيات صيغة واتخذت في مستويات وحقول أخرى غير تلك التي تمثل فيها هذه الأحزاب.
فالمساطر القانونية يمكن أن تعاقب المجرمين والفاسدين، لكنها لن تضع حتما حدا للفساد، بل إننا سنكون أمام إعادة إنتاج نماذج جديدة من هذا النوع مستقبلا، إذا لم ننجح في تفكيك الأسس التي تقوم عليها منظومة ثقافية وقيمية تراكمت لسنوات وأصبحت بنيوية في ظل التسامح معها وغض الطرف عن الفاعلين فيها، والحاجة ملحة أيضا للرقابة المجتمعية ووضع حد لأي تطبيع معها، ورفض أي رشوة سياسية كيفما كان مصدرها، وفي نفس الوقت رفض أي تعايش مع الفساد كيفما كانت مظاهره.
مدونة السلوك موجودة، القانون التنظيمي للأحزاب السياسية موجود كذلك، إضافة إلى القوانين الأساسية للأحزاب وأنظمتها الداخلية، وهي ليست خالية من تدابير ومقتضيات تسعى إلى تخليق الحياة السياسية. كما أن التصريح بالممتلكات هو نفسه مقنن ومفعل، والمجلس الأعلى للحسابات يقدم عملا مهما في رصد ممتلكات من يتصدون للشأن العام، ومتابعة تمويل تدبيرهم للهيئات التي يشرفون عليها. لذلك، أعتقد أن الإشكال الحقيقي مرتبط أساسا بالثقافة السياسية السائدة، أي الثقافة التي جعلت من الفوز بالمقاعد الانتخابية وبكل الوسائل عقيدة مشروعة. لذلك، فالمطلوب اليوم، في تقديري، هو أن تتغير هذه العقيدة. فالأمر يتعلق بتمرين أساسي ومجهود كبير يجب أن يبذل على مستويات متعددة من أجل إعادة ربط الحقل الحزبي والعمل السياسي بأهدافه النبيلة والتطوعية والقائمة على أساس خدمة الفكرة. وهذا الأمر مقترن بمدى تمثل الأحزاب لإعادة النظر في آلياتها الانتخابية والرهان أكثر على برامجها واختياراتها، كما هو مقترن بمدى تغير صورة الدولة نفسها عن الحقل الحزبي وأدواره ووظائف في النسق السياسي المغربي، تلك الصورة التي لطالما ظلت تختزله في أدوار ثانوية وفي أحسن الأحوال في أدوار تعبوية من أجل تزكية قرارات وسياسيات صيغة واتخذت في مستويات وحقول أخرى غير تلك التي تمثل فيها هذه الأحزاب.
فالمساطر القانونية يمكن أن تعاقب المجرمين والفاسدين، لكنها لن تضع حتما حدا للفساد، بل إننا سنكون أمام إعادة إنتاج نماذج جديدة من هذا النوع مستقبلا، إذا لم ننجح في تفكيك الأسس التي تقوم عليها منظومة ثقافية وقيمية تراكمت لسنوات وأصبحت بنيوية في ظل التسامح معها وغض الطرف عن الفاعلين فيها، والحاجة ملحة أيضا للرقابة المجتمعية ووضع حد لأي تطبيع معها، ورفض أي رشوة سياسية كيفما كان مصدرها، وفي نفس الوقت رفض أي تعايش مع الفساد كيفما كانت مظاهره.
ما الذي يخسره المغرب سياسيا وتنمويا أمام تنامي الفساد السياسي في بلادنا؟
طبعا هناك علاقة واضحة بين الفساد والتنمية الاقتصادية، ومحاربة الفساد من شأنه منح المغرب نقاطا جديدة ومكانة مهمة في سلك الترتيب الدولية في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. فوجود فساد بهذا الحجم في الحقل السياسي له كلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولذلك فإن عملية "الأيادي النظيفة"، إن جاز التعبير، يمكن أن تسمح للمغرب تحقيق نقط لصالحه في سلم التنمية دوليا، وكذا على مستوى التقدم الديمقراطي، وإن كان هذا الأخير مرتبط بمؤشرات أخرى.
وعلى هذا الأساس، فإن ما يحصل الآن سيعطي صورة إيجابية عن المغرب لدى منظمات دولية تشتغل على الشفافية والحكامة، ومع ذلك نحن محتاجون لعمل منهجي على مستوى محاربة الفساد ليس فقط في بعده الإجرائي، بل في بعده الثقافي، لأن الإشكال هو تمثل الدولة والمجتمع للفساد، وهذا هو التحدي والرهان الحقيقي، سيما وأن هناك توجس لدى الكثيرين من أن يكتشفوا بعد مدة أنهم بصدد مسار انتقائي، وحملة مرتبطة بسياق معين داخلي أو خارجي، تماما كما كان يحدث في أوقات سابقة، أوقات الحملات التطهيرية التي تحدثنا عنها من قبل. هناك اليوم من يعتقد أن هذه الحملة موجهة للخارج ولها علاقة بصورة معينة يريد المغرب أن يسوقها في هذه الفترة التي يرتبط فيها المغرب بالتزامات دولية، وخاصة بعد الإعلان عن احتضانه لمعية إسبانيا والبرتغال لمونديال 2023، وهو اعتقاد له مشروعيته، ولا يجب تجاهله. لذلك، المطلوب هو تجاوز منطق الحملات، والرهان على جعل محاربة الفساد عملية عادية وروتينة تفرض نفسها باعتبارها جزء من العمل اليومي لأجهزة الدولة المتعلقة بإنفاذ القانون وتتبع مدى احترام تطبيقه.
طبعا هناك علاقة واضحة بين الفساد والتنمية الاقتصادية، ومحاربة الفساد من شأنه منح المغرب نقاطا جديدة ومكانة مهمة في سلك الترتيب الدولية في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. فوجود فساد بهذا الحجم في الحقل السياسي له كلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولذلك فإن عملية "الأيادي النظيفة"، إن جاز التعبير، يمكن أن تسمح للمغرب تحقيق نقط لصالحه في سلم التنمية دوليا، وكذا على مستوى التقدم الديمقراطي، وإن كان هذا الأخير مرتبط بمؤشرات أخرى.
وعلى هذا الأساس، فإن ما يحصل الآن سيعطي صورة إيجابية عن المغرب لدى منظمات دولية تشتغل على الشفافية والحكامة، ومع ذلك نحن محتاجون لعمل منهجي على مستوى محاربة الفساد ليس فقط في بعده الإجرائي، بل في بعده الثقافي، لأن الإشكال هو تمثل الدولة والمجتمع للفساد، وهذا هو التحدي والرهان الحقيقي، سيما وأن هناك توجس لدى الكثيرين من أن يكتشفوا بعد مدة أنهم بصدد مسار انتقائي، وحملة مرتبطة بسياق معين داخلي أو خارجي، تماما كما كان يحدث في أوقات سابقة، أوقات الحملات التطهيرية التي تحدثنا عنها من قبل. هناك اليوم من يعتقد أن هذه الحملة موجهة للخارج ولها علاقة بصورة معينة يريد المغرب أن يسوقها في هذه الفترة التي يرتبط فيها المغرب بالتزامات دولية، وخاصة بعد الإعلان عن احتضانه لمعية إسبانيا والبرتغال لمونديال 2023، وهو اعتقاد له مشروعيته، ولا يجب تجاهله. لذلك، المطلوب هو تجاوز منطق الحملات، والرهان على جعل محاربة الفساد عملية عادية وروتينة تفرض نفسها باعتبارها جزء من العمل اليومي لأجهزة الدولة المتعلقة بإنفاذ القانون وتتبع مدى احترام تطبيقه.