Saturday 13 September 2025
مجتمع

بوز: آن للدولة أن تقطع مع هذه الكائنات الانتخابية لما يشكلونه من مساس بالديمقراطية

بوز: آن للدولة أن تقطع مع هذه الكائنات الانتخابية لما يشكلونه من مساس بالديمقراطية أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس/ الرباط
أكد أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬اليوم، من توقيفات واعتقالات لبعض مدبري الشأن العام وطنيا ومحليا، ‬يعطي‭ ‬صورة‭ ‬سلبية‭ ‬عن‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي،‭ ‬وتتعزز‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬السلبية‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬المناضل، ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬مكانه‭ ‬لمثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬البروفيلات‭ ‬الجديدة/القديمة..
 
‬يشهد‭ ‬المغرب‭ ‬حاليا‭ ‬موجة‭ ‬اعتقالات‭ ‬وتحقيقات‭ ‬بالجملة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬وزراء‭ ‬سابقين‭ ‬وبرلمانيين‭ ‬ومنتخبين‭ ‬جهويين‭ ‬وجماعيين،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬حملة‭ ‬تطهير‭ ‬جديدة؟‭ ‬
‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحملة‭ ‬تطهير‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬في‭ ‬الحملة‭ ‬السابقة‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬سياقات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬الداخل‭ ‬بالخارج،‭ ‬ويتحكم‭ ‬فيها‭ ‬النفوذ‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يمثله‭ ‬اتحاد‭ ‬المقاولات‭ ‬المغربية‭ ‬وقتئذ،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬أخذ‭ ‬ينسجها‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬الضفة‭ ‬الشمالية‭ ‬للمتوسط،‭ ‬بعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬ماستريخت‭. ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتم‭ ‬بنفس‭ ‬الكيفية‭ ‬اليوم‭. ‬طبعا‭ ‬تواتر‭ ‬أعمال‭ ‬التوقيفات‭ ‬والتحقيقات‭ ‬والوضع‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال،‭ ‬واشتمالها‭ ‬لمجالات‭ ‬متعددة،‭ ‬يعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬حملة‭ ‬تطهير‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬لكن‭ ‬يصعب‭ ‬الجزم‭ ‬بذلك،‭ ‬مادام‭ ‬أن‭ ‬ملفات‭ ‬المتابعين‭ ‬أو‭ ‬الموقوفين‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬موضوع‭ ‬واحد،‭ ‬وغير‭ ‬مترابطة‭. ‬

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬بالنظر‭ ‬للظرفية‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬إطارها،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بعاملين‭ ‬أساسيين:
ـ‭ ‬العامل‭ ‬الأول‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬تقليدي،‭ ‬وهو‭ ‬حاجة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬لكي‭ ‬تظهر‭ ‬بصورة‭ ‬جديدة‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬تقوية‭ ‬نفوذها‭ ‬ومن‭ ‬تغذية‭ ‬شرعيتها،‭ ‬خصوصا‭ ‬لما‭ ‬تكون‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭.‬

ـ‭ ‬العامل‭ ‬الثاني‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نربطه،‭ ‬في‭ ‬تقديري،‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2021،‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬نأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الموقوفين‭ ‬من‭ ‬الأعيان‭ ‬الذين‭ ‬لعبوا‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قبلها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطويق‭ ‬النجاحات‭ ‬الانتخابية‭ ‬لحزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأعيان‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬لمواجهة‭ ‬ظاهرة‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬وقوته‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬سكوت‭ ‬أو‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬ولوجهم‭ ‬أو‭ ‬اختراقهم‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية‭ ‬والحديثة‭. ‬لذلك‭ ‬فنهاية‭ ‬القصة‭ ‬الانتخابية‭ ‬للعدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تابعناها‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬2021، ‬ربما‭ ‬جعل‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬متجاوزا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الراهنة،‭ ‬وجعل‭ ‬الدولة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬عبئها‭ ‬الثقيل،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬استغلت‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬وتقوية‭ ‬نفوذها‭ ‬الترابي‭ ‬والسياسي‭ ‬بالطرق‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬ولمزيد‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬سطوتها‭ ‬على‭ ‬ممثلي‭ ‬الإدارة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬بعض‭ ‬المنتمين‭ ‬إليها‭ ‬يتصرفون‭ ‬كالناهون‭ ‬والآمرون‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمناطق‭ ‬التي‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬شؤونها‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬وانتفاء‭ ‬الحاجة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الانتخابية‭ ‬لكي‭ ‬تظهر‭ ‬الدولة‭ ‬أنها‭ ‬ترفض‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬والسلوكات،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬تعايشت‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬غضت‭ ‬الطرف‭ ‬عنها‭ ‬وعلى‭ ‬تمددها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬كيف‭ ‬وقع‭ ‬التأخر‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لسلوكات‭ ‬هذه‭ ‬الفئة،‭ ‬مع‭ ‬أن‭  ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭ ‬كانت‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تقوم‭ ‬بهذه‭ ‬الممارسات‭ ‬منذ‭ ‬مدة،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬المسماة‭ ‬إعلاميا‭ ‬«إسكوبار‭ ‬الصحراء»‭ ‬اعتقل‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭. ‬
 
يرتبط‭ ‬بعض‭ ‬الموقوفين‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التحقيق‭ ‬بأحزاب‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬المعارضة،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يسيء‭ ‬ذلك‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬ببلادنا،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬نقطة‭ ‬ضوء؟‭ ‬
فعلا‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتابعين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬المرتبط‭ ‬بالفساد‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬الأخيرة،‭ ‬هم‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية،‭ ‬وهذا‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬كبيرا‭ ‬حول‭ ‬الحقل‭ ‬الحزبي‭ ‬ببلادنا،‭ ‬وحول‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الإشكال‭ ‬غير‭ ‬مرتبط‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الراهنة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ملازما‭ ‬للحياة‭ ‬السياسية‭. ‬نعم‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬بعض‭ ‬تمظهراته‭ ‬محدودة‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬اليوم،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فإنه‭ ‬أصبح‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬بقوة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اتساع‭ ‬قوة‭ ‬نفوذ‭ ‬الأعيان‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والحقل‭ ‬السياسي‭ ‬معا،‭ ‬وتنامي‭ ‬بروفيلات‭ ‬جديدة‭ ‬للمنتخبين‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تربطهم‭ ‬بالمظهر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتشكل‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬سابقة،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬تحيل‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬ذهنية‭ ‬وعقلية‭ ‬معينة‭. ‬ولذلك‭ ‬أعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬اليوم‭ ‬يعطي‭ ‬صورة‭ ‬سلبية‭ ‬عن‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي،‭ ‬وتتعزز‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬السلبية‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬المناضل،‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬مكانه‭ ‬لمثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬البروفيلات‭ ‬الجديدة/القديمة،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتقاد‭ ‬لدى‭ ‬القيادات‭ ‬الحزبية‭ ‬بأن‭ ‬بروفايل‭ ‬الأعيان‭ ‬أصبح‭ ‬ضرورة‭ ‬انتخابية،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬نجاح‭ ‬انتخابي‭ ‬مفترض‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬التنافس‭ ‬الانتخابي‭ ‬والسياسي‭. ‬طبعا‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعفي‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مسؤولياتها،‭ ‬لأنها‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬لها‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬فيما‭ ‬حصل،‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬نستحضر‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬وفي‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬رهانها‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬لفائدة‭ ‬تزايد‭ ‬هوسها‭ ‬بالخدمة‭. ‬
‭ ‬ولكن‭ ‬لهذه‭ ‬الصورة‭ ‬وجهها‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬متابعات‭ ‬يقوي‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬وقد‭ ‬يقوي‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬نفسها‭. ‬فهو‭ ‬يظهر‭ ‬الدولة‭ ‬بمظهر‭ ‬أنها‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬والضرب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المفسدين‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬مراتبهم‭ ‬وصفاته،‭ ‬وأن‭ ‬الرغبة‭ ‬تحدوها‭ ‬لتطهير‭ ‬المشهدين‭ ‬الحزبي‭ ‬والسياسي‭ ‬من‭ ‬الزوائد‭ ‬التي‭ ‬علقت‭ ‬بهما‭ ‬بحكم‭ ‬مراحل‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التدبير‭ ‬الانتخابي‭ ‬والسياسي‭ ‬والترابي‭. ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬بمثابة‭ ‬«رب‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة»،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لتحريك‭ ‬المسطرة‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنتمين‭ ‬إليها‭ ‬ونفض‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تعفنات‭ ‬الطيف‭ ‬الحزبي‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬نفسا‭ ‬جديدا‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬ويجعلها‭ ‬تراجع‭ ‬بروفيلاتها‭ ‬الانتخابية‭ ‬وتعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لكي‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المناضلين،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬يقظة‭ ‬اتجاه‭ ‬المنتخبين‭ ‬واتجاه‭ ‬عملية‭ ‬الاستقطاب‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬بأنها‭ ‬مجرد‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الفعل‭ ‬السياسية‭. ‬صحيح‭ ‬أنها‭ ‬لحظة‭ ‬مهمة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تلخيص‭ ‬كل‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬التهافت‭ ‬على‭ ‬المقاعد‭ ‬الانتخابية‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬فرصة‭ ‬لانعتاق‭ ‬المشهد‭ ‬الحزبي‭ ‬وتحرره‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزوائد‭ ‬الانتخابوية‭ ‬المسيئة‭ ‬لنفسها‭ ‬ولوسطها‭ ‬ولصورة‭ ‬المغرب،‭ ‬مع‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أضع‭ ‬كل‭ ‬الأعيان‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة،‭ ‬بحيث‭ ‬هناك‭ ‬أعيان‭ ‬يعتمدون‭ ‬وسائل‭ ‬مشروعة‭ ‬ولهم‭ ‬تصور‭ ‬معين‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬يجب‭ ‬احترامه‭.
هل‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬أسلوب‭ ‬أشبه‭ ‬بعصابات‭ ‬المافيا،‭ ‬تحاول‭ ‬صناعة‭ ‬مجد‭ ‬مزيف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التقرب‭ ‬لمراكز‭ ‬القرار‭ ‬والسلطة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربها‭ ‬الشخصية؟‭ ‬
نعم‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬ذلك‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬التسريبات‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬تنشرها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬إن‭ ‬صحت‭ ‬كلها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬وتأكد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬بنفس‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬يروى‭ ‬بها،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬أمام‭ ‬عمل‭ ‬مافيوزي‭ ‬بمعناه‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬مقنع‭ ‬بيافطة‭ ‬سياسية‭. ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المنظرين‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬أحزاب‭ ‬الكارتيلات‭ ‬عندما‭ ‬النظر‭ ‬لأحزاب‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬سياسية‭ ‬أخرى،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نعيش‭ ‬بكيفية‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬المغربي‭. ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬مسؤولية‭ ‬حصرية‭ ‬للأحزاب‭ ‬أو‭ ‬المنسوب‭ ‬إليهم‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال،‭ ‬ولكنها‭ ‬مسؤولية‭ ‬أيضا‭ ‬أجهزة‭ ‬التتبع‭ ‬والراقبة،‭ ‬والتي‭ ‬تظهر‭ ‬صرامتها‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬أمنيا‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملفات،‭ ‬الهجرة،‭ ‬الإرهاب،‭ ‬المخدرات،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تصرفت‭ ‬بنفس‭ ‬هذه‭ ‬اليقظة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الملفات‭ ‬الرائجة‭ ‬اليوم،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬ينقصها‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬متابعات‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬ممكنة‭.‬
وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استحضار‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬حفيظ‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي،‭ ‬عندما‭ ‬تساءل‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬«الوطن‭ ‬الآن»‭ ‬عن‭ ‬أين‭ ‬الدولة؟‭ ‬طبعا‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الدولة‭ ‬متورطة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الإجرامية،‭ ‬أو‭ ‬شجعت‭ ‬على‭ ‬ارتكابها،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬تقارير‭ ‬أجهزة‭ ‬الرصد؟‭ ‬هل‭ ‬فعلا‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؟‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬ممارسات‭ ‬خطيرة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تصور‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية‭. ‬فرغم‭ ‬أننا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬ليس‭ ‬شفافا‭ ‬كما‭ ‬ينبغي،‭ ‬وليس‭ ‬نزيها‭ ‬بما‭ ‬يكفي،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نقدر‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬حجم‭ ‬الممارسات‭ ‬الفاسدة‭ ‬داخله‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬التعفن،‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬نستحضر‭ ‬المواقع‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحتلها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص،‭ ‬والتي‭ ‬سمحت‭ ‬لهم‭ ‬بأن‭ ‬يتصرفوا‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يحميهم،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬نؤكد‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬قرينة‭ ‬البراءة‭ ‬وأن‭ ‬المتهم‭ ‬بريء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬إدانته‭.  ‬
 
كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للأحزاب‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬مدونة‭ ‬السلوك‭ ‬وتفرض‭ ‬على‭ ‬أعضائها‭ ‬التصريح‭ ‬بممتلكاتهم‭ ‬قبل‭ ‬خوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬وبعدها،‭ ‬وتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية؟‭ ‬
مدونة‭ ‬السلوك‭ ‬موجودة،‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬موجود‭ ‬كذلك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬للأحزاب‭ ‬وأنظمتها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬تدابير‭ ‬ومقتضيات‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬مقنن‭ ‬ومفعل،‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬يقدم‭ ‬عملا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬ممتلكات‭ ‬من‭ ‬يتصدون‭ ‬للشأن‭ ‬العام،‭ ‬ومتابعة‭ ‬تمويل‭ ‬تدبيرهم‭ ‬للهيئات‭ ‬التي‭ ‬يشرفون‭ ‬عليها‭. ‬لذلك،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإشكال‭ ‬الحقيقي‭ ‬مرتبط‭ ‬أساسا‭ ‬بالثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬السائدة،‭ ‬أي‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬بالمقاعد‭ ‬الانتخابية‭ ‬وبكل‭ ‬الوسائل‭ ‬عقيدة‭ ‬مشروعة‭. ‬لذلك،‭ ‬فالمطلوب‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬تقديري،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭. ‬فالأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بتمرين‭ ‬أساسي‭ ‬ومجهود‭ ‬كبير‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬ربط‭ ‬الحقل‭ ‬الحزبي‭ ‬والعمل‭ ‬السياسي‭ ‬بأهدافه‭ ‬النبيلة‭ ‬والتطوعية‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬خدمة‭ ‬الفكرة‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مقترن‭ ‬بمدى‭ ‬تمثل‭ ‬الأحزاب‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬آلياتها‭ ‬الانتخابية‭ ‬والرهان‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬برامجها‭ ‬واختياراتها،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مقترن‭ ‬بمدى‭ ‬تغير‭ ‬صورة‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬عن‭ ‬الحقل‭ ‬الحزبي‭ ‬وأدواره‭ ‬ووظائف‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي،‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬ظلت‭ ‬تختزله‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬ثانوية‭ ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬تعبوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تزكية‭ ‬قرارات‭ ‬وسياسيات‭ ‬صيغة‭ ‬واتخذت‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬وحقول‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭.  ‬
‭ ‬فالمساطر‭ ‬القانونية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعاقب‭ ‬المجرمين‭ ‬والفاسدين،‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تضع‭ ‬حتما‭ ‬حدا‭ ‬للفساد،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬سنكون‭ ‬أمام‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬نماذج‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬مستقبلا،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬منظومة‭ ‬ثقافية‭ ‬وقيمية‭ ‬تراكمت‭ ‬لسنوات‭ ‬وأصبحت‭ ‬بنيوية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التسامح‭ ‬معها‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬الفاعلين‭ ‬فيها،‭ ‬والحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬أيضا‭ ‬للرقابة‭ ‬المجتمعية‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لأي‭ ‬تطبيع‭ ‬معها،‭ ‬ورفض‭ ‬أي‭ ‬رشوة‭ ‬سياسية‭ ‬كيفما‭ ‬كان‭ ‬مصدرها،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬تعايش‭ ‬مع‭ ‬الفساد‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬مظاهره‭. ‬
 
ما‭ ‬الذي‭ ‬يخسره‭ ‬المغرب‭ ‬سياسيا‭ ‬وتنمويا‭ ‬أمام‭ ‬تنامي‭ ‬الفساد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬بلادنا؟‭
طبعا‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬الفساد‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬منح‭ ‬المغرب‭ ‬نقاطا‭ ‬جديدة‭ ‬ومكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬سلك‭ ‬الترتيب‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التنمية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وحتى‭ ‬السياسية‭. ‬فوجود‭ ‬فساد‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬له‭ ‬كلفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياسية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬"الأيادي‭ ‬النظيفة"،‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬للمغرب‭ ‬تحقيق‭ ‬نقط‭ ‬لصالحه‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬التنمية‭ ‬دوليا،‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التقدم‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬مرتبط‭ ‬بمؤشرات‭ ‬أخرى‭.‬
وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬الآن‭ ‬سيعطي‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬المغرب‭ ‬لدى‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬الشفافية‭ ‬والحكامة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نحن‭ ‬محتاجون‭ ‬لعمل‭ ‬منهجي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الإجرائي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الثقافي،‭ ‬لأن‭ ‬الإشكال‭ ‬هو‭ ‬تمثل‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬للفساد،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬والرهان‭ ‬الحقيقي،‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬توجس‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكتشفوا‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬أنهم‭ ‬بصدد‭ ‬مسار‭ ‬انتقائي،‭ ‬وحملة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بسياق‭ ‬معين‭ ‬داخلي‭ ‬أو‭ ‬خارجي،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬سابقة،‭ ‬أوقات‭ ‬الحملات‭ ‬التطهيرية‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬هناك‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬موجهة‭ ‬للخارج‭ ‬ولها‭ ‬علاقة‭ ‬بصورة‭ ‬معينة‭ ‬يريد‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يسوقها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يرتبط‭ ‬فيها‭ ‬المغرب‭ ‬بالتزامات‭ ‬دولية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬احتضانه‭ ‬لمعية‭ ‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬لمونديال‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬اعتقاد‭ ‬له‭ ‬مشروعيته،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬تجاهله‭. ‬لذلك،‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تجاوز‭ ‬منطق‭ ‬الحملات،‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬عملية‭ ‬عادية‭ ‬وروتينة‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬اليومي‭ ‬لأجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬وتتبع‭ ‬مدى‭ ‬احترام‭ ‬تطبيقه.‭  ‬