
من حق المغرب أن يقول “لست بلدا ضائعا” ما دام وھجه يتدفق من قارة إلى قارة، وما دامت البلاد تمسك بأوراقھا الثبوتیة بید غیر راجفة. فخلال السنة التي نودعھا، أي 2023، استمر الملك محمد السادس في التقدم، بمنتھى الحرص، على خارطة النمو، وبوثوق كامل في أن المستقبل يغص بآلاف القناديل، وذلك بتحقیق نجاحات كبیرة إضافیة، في كل المجالات والواجھات، وطنیا ودولیا، اعتمادًا على سیاسة الوضوح والطموح التي جرى نھجھا.
فقد خطا المغرب، خلال سنة 2023، خطوات كبیرة في مجال السیاسة الخارجیة عبر تنويع قاعدة حلفائه وشركائه من أجل تحقیق نجاحات اقتصادية ودبلوماسیة كبیرة، مكنت المغرب من تحقیق اختراق غیر مسبوق على مستوى أدائھا الدبلوماسي. حیث عمل رئیس الدولة وقائد البلاد على “تسريج جواده“ للرقي بالمجھود الدبلوماسي الوطني، أولا للدفاع عن القضیة الوطنیة الأولى، وثانیا من أجل تمتین العلاقات الخارجية مع الدول بإبرام اتفاقات وشراكات اقتصادية وتحالفات على أساس المصلحة المتبادلة والربح المشترك. وقد غطى الملك محمد السادس، خلال ھذه السنة، 10 أنشطة تندرج في إطار العلاقات الدولیة، بدأھا في شھر فبراير مع استقبال رئیس الحكومة الإسبانیة بیدرو سانشیز بالقصر الملكي بالرباط، وكانت عنوانا مزدوجا للعلاقات الجديدة مع مدريد التي نزعت عنھا رداءھا الرمادي واختارت أن تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء، فضلا عن الدخول الآمن والمتفق علیه في التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات والمنافع على أساس تفاوضي مرتب بعناية على إيقاع “رابح-رابح“، وأنھاھا بالزيارة التي قام بھا، في بداية دجنبر 2023، إلى دولة الإمارات العربیة المتحدة، حیث أسفرت الزيارة عن تبادل العديد من مذكرات التفاھم الموقعة بین البلدين (12 مذكرة تفاھم).
لیس ھذا فحسب، فقد عمل محمد السادس على تعزيز موقع المغرب كفاعل إقلیمي على المستوى الإفريقي والمتوسطي والعربي والإسلامي، وتحصین مصالحه الاستراتیجیة وتوسیع دائرة تحالفاته وشركائه، من خلال التواصل المستمر مع حلفائه الأفارقة، أو العرب “قطر، الإمارات، السعودية“، أو الدولیة “الصین، إسبانیا، أمريكا، روسیا، الخ...“، خاصة أن “الید الممدودة“ تعتبر أھم مرتكزات السیاسة الخارجیة للملك، خلال المرحلة الأخیرة، مما ساھم دون شك في الارتجاف الذي يعیشه أعداء المغرب الذين فقدوا ھدوءھم، واختاروا الدخول في حرب خاسرة مع بلد لا يقف حافیا أو خجولا أمام “التربص العسكري الأحمق”.
وإذا كانت التحركات الدولیة للملك محمد السادس قد أسفرت عن نتائج مثیرة على مستوى القضیة الوطنیة والمسألة الاقتصادية، فإن العلاقات مع واشنطن تبقى في صلب سیاسته الخارجیة، خاصة أن الجزائر كانت تراھن على “إدارة بايدن“ من أجل الانقلاب على الاعتراف الأمريكي بمغربیة الصحراء وفي ھذا السیاق، قام الملك بمبادرات تجاه أمريكا كما استقبل مبادرات أخرى، إذ استضاف أواسط يناير وفدا من الكونغرس الأمريكي “من الديمقراطیین والجمھوريین“، فضلا عن الرسائل والبرقیات التي تبادلھا مع الرئیس جو بادين، ھذا دون الحديث عن التعاون الاستخباراتي والأمني والعسكري، واعتماد استراتیجیة “الخطوة المترادفة“ في العلاقة مع إفريقیا، وأيضا لعبة التوازنات الإقلیمیة والدولیة، والصراع الجیوسیاسي الدولي.
والحق أن تجديد إدارة بايدن بالاعتراف الأمريكي بمغربیة الصحراء جعل الجزائر تتلقى الضربة تلو الضربة بعدما وصل عدد الدول التي لا تعترف بجمھورية “الانفصالیین والمرتزقة“ إلى أكثر من 164 دولة، حیث باتت دائرة المتعاطفین مع الجبھة تضیق بعدما كانت 84 دولة تعترف بالكیان الوھمي، في ثمانینیات القرن الماضي، وأضحى العدد اليوم يقاس بأصابع اليدين ومعظمها دول قزمية.
إلى ذلك، ووسط ھذه الدينامیة الديبلوماسیة المتسارعة، قام الملك محمد السادس، على المستوى الداخلي والإفريقي، بتفعیل دوره الديني بصفته أمیرا للمؤمنین، حیث وصل عدد أنشطته الدينیة خلال هذه السنة إلى 18 نشاطا، استولت الدروس الحسنیة على النصیب الأكبر منھا، فضلا عن الصلاة في مساجد المملكة، والحج، وعید الأضحى، والمجلس العلمي الأعلى، إلى جانب الرسائل الموجھة إلى الندوات العلمیة التي تقام مغربیا في سیاقھا الإفريقي.
وتحتل إمارة المؤمنین مساحة واسعة في تنظیم الشأن الديني للمغاربة، بل تتجاوز ذلك إلى تجويد أدائھا وتوسیع نفوذھا لتسجیل نقاط على خصومھا، بفضل استراتیجیتھا القائمة على حثّ الدول الإفريقیة على الإسلام الوسطي الذي يرفض التطرف والمغالاة.
وبقدر ما يعكس دور أمیر المؤمنین ريادة مغربیة دينیة على المستوى العربي والإفريقي والأوروبي أيضا “بحكم وجود جالیة مغربیة مھمة في أوروبا، وبحكم النموذج الديني المغربي المسالم“، فإن إمارة المؤمنین تتحرك أيضا في اتجاه “الرحمة والرأفة“ بنزلاء السجون، حیث استفاد خلال ھذه السنة حوالي 6716 سجینا من العفو الملكي، وھو حق يمارسه الملك (بصفته رئيسا للدولة)، أثناء الأعیاد والمناسبات الدينیة، وينتج عنه سقوط العقوبة كلیا أو جزئیا، أو استبدالھا بعقوبة أخف، وذلك بناء على خلفیات إنسانیة أو اجتماعیة، كما قد يستھدف بعض الفئات الاجتماعیة، من قبیل بعض الأمھات المرفقات بأبنائھن في السجون، فضلا عن سجناء يتوفرون على السلوك الحسن والتفوق الدراسي، والمراجعة الفكرية، وقضاء ثلثي العقوبة، والمرضى بأمراض نفسیة مزمنة..
أما على المستوى العسكري، فقد استمر القائد الأعلى للحيش في ترتيب صفوف القوات المسلحة الملكية والرفع من جاهزيتها وتطوير مهنيتها وتجويد إمكانياتها من أجل مواجهة كل الأخطار التي قد تحدق بالبلاد، على مستوى مكافحة الكوارث الطبيعية “الحرائق، الزلازل، العواصف، الفيضانات“، وأيضا على مستوى رد أي عدوان خارجي في ظل “جوار صعب وأحمق“ تسيطر عليه الرغبة في الزعامة الإقليمية، وفرملة “النبوغ المغربي“ في إدارة أموره السياسية والاقتصادية، وتحديدا كسر شوكة العسكر الجزائري الذي لا يكتفي، الآن، بإهدار أموال الشعب الجزائري بشراء السلاح والإرشاء الدولي للنيل من وحدة المغرب الترابية، بل شرع في خسران حتى مواقعه التقليدية ظنا منه أن “الابتزاز“ هو الحل لحيازة الشراكات وبناء التحالفات.
فخلال هذه السنة قام الملك محمد السادس بترتيب صفوف قيادة الجيش، حيث قام في شهر أبريل 2023 بتعيين الجنرال محمد بريظ مفتشا عاما للقوات المسلحة وقائدا للمنطقة الجنوبية، خلفا للجنرال بلخير الفاروق الذي وشحه بالحمالة الكبرى لوسام العرش. ويعتبر هذا التعيين عصب الجيش المغربي الذي أصبح يتوفر على تكنولوجيا عالية الدقة “رادارات، طائرات مسيرة.. إلخ“، فضلا عن آليات حربية من الجيل الجديد وأقمار صناعية جعلت منسوب الحقد يرفع في دم الخصوم الذين تعودوا على الاستبضاع من أسواق “خردة السلاح“ في السوق الدولية.
على مستوى الإدارة الترابية، عين الملك، في شهر أكتوبر، 5 ولاة و5 عمال، مما يثبت الإصرار الملكي على تفعيل خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2023، الذي نص فيه على ضرورة الارتقاء إلى مرحلة جديدة وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، وذلك بضخ نفس جديد في هذه المشاريع التنموية وتعزيز حكامتها وتدبيرها اليومي والاستراتيجي.
وقد أكدت تلك التعيينات التي ضمت وزيرا سابقا “سعيد امزازي“ ومسؤولين ترابيين أثبتوا نجاعتهم في المهام التي أوكلت إليهم، أن الملك وافق على بروفيلات قادرة على ضخ الدماء بالوتيرة المطلوبة لتنزيل الأوراش المسطرة، ومجاراة الجهوية في صيغتها الجديدة وأوراش الاستثمار في المناطق والجهات التي سيشرفون عليها. وهو ما يعني أن الملك الذي يراهن على فرصة احتضان كأس إفريقيا وكأس العالم، يراهن أيضا على “بروفايلات“ متسلحة بأفكار اقتصادية واجتماعية من أجل الإشراف السليم على المشاريع والأوراش التنموية الكبرى التي باشرتها وتباشرها بلادنا تحت قيادته.
تعيين الولاة والعمل ليس فقط هو الورش الوحيد الذي فتحه الملك لضمان السير السليم للأوراش الداخلية الكبرى، بل واكبه أيضا تعيين عدد من السفراء من بين الكفاءات المغربية الذين أثبتوا حنكتهم في الدفاع عن مصالح المغرب في العديد من المناسبات.
والجدير بالذكر أن السفراء الجدد تنتظرهم كلهم ملفات حساسة وبالغة الأهمية في العلاقات الدولية مع دول مثل الصين المتغلغلة في إفريقيا، ومصر التي لا تستقيم أي معادلة عربية بدونها، فضلا عن الأردن القريبة من إسرائيل، والتي تدار فيها آلاف الملفات التي تخص اليهود المغاربة، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة التي تجمعها بالرباط علاقات مبنية على التعاون المثمر والشراكات الاقتصادية والاستثمارية الوطيدة، ولا ينبغي هنا أن ننسى نتائج الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك إلى أبو ظبي.
ويحظى الملف الاقتصادي لدى الملك محمد السادس بمكانة كبيرة، إن لم يكن هو الملف الاستراتيجي الأهم على الإطلاق، إذ يؤمن أن التنمية الاقتصادية هي الجواب الحاسم على كل أنواع الهشاشة، سواء أكانت اجتماعية أم عقدية أم مجالية. ولهذا جعل هذا الملف، خلال سنة 2023، هو محور اهتمامه. حيث ترأس الملك، في أبريل الماضي بالرباط، حفل تقديم نموذج أول سيارة مغربية تعمل بالهيدروجين. كما دشن، في ماي، مدينة المهن والكفاءات لجهة الرباط – سلا – القنيطرة، وأطلق، في أكتوبر، برنامجا جديدا للمساعدة في مجال السكن، تعزيزا لقدرة المواطنين على الولوج إلى سكن لائق.
ليس هذا فحسب، فإذا قفزنا على مخرجات القمة الثنائية العليا بين المغرب وإسبانيا في الشق الاقتصادي، وكذلك نتائج الزيارة الملكية للإمارات، فضلا عن إطلاقه للمبادرة الدولية لفتح الواجهة الأطلسية أمام دول الساحل، واستمرار البحث عن مستثمرين كبار لإطلاق أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، فإن عين الملك على إنجاز ميناء الداخلة الأطلسي وفق الجدولة الزمنية التي تم أعدادها، إذ من المتوقع إنجازه في متم سنة 2028، وهو الميناء الذي سيكون بوابة المغرب نحو العالم على المستوى الإفريقي والدولي. هذا دون نسيان ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء آسفي الجديد، إلى جانب توسعة ميناء أكادير، والميناء الطاقي الجرف الأصفر. ولعل هذا هو السر في تعيين المهندس طارق العروسي، رئيسا لمجلس الإدارة الجماعية لشركة استغلال الموانئ، خاصة أنه كان مكلفا بالقطب الصناعي والعلاقات الدولية بمجموعة طنجة المتوسط منذ سنة .2017
ولا يمكن بطبيعة الحال أن نتحدث عن الإنجازات الملكية، خلال سنة 2023، دون الحديث عن الإنجاز الرياضي الكبير الذي حققه المغرب، أولا بإقناع الأفارقة بأنه “الأفضل“ في إفريقيا من حيث البنيات الرياضية وبنيات الاستقبال والتنظيم، رغم أن المسؤولين الجزائريين بذلوا جهودا كبيرة، وقدموا “رشاوى“ خرافية لانتزاع تنظيم كأس إفريقيا للأمم. ثانيا بإعلان الملك عن فوز المغرب رفقة إسبانيا والبرتغال باحتضان كأس العالم 2030، وثالثا باستمرار تألق الرياضيين المغاربة في العديد من الأنواع الرياضية، وفي كل الفئات.
التألق الرياضي لهذه السنة كان استمرارا للسنوات السابقة، ولعل هذا ما دفع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف“، في 14مارس 2023، إلى منح جائزته للتميز، التي تتوج الإنجازات الاستثنائية برسم سنة 2022، للملك محمد السادس.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية"الوطن الآن"