ليس من المستبعد أن باقي القطاعات الوظيفية والإنتاجية كالزيوت والسكر والحليب والمحروقات والخدمات وغيرها ستحدو نفس مسار التنسيقيات بحكم أن العمل النقابي اليوم على صفيح ساخن ومحك حقيقي نظرا للأزمة البنيوية التي تعيشها معظم النقابات الوظيفية والعمالية.
ومما لاشك فيه أن العمل النقابي اليوم يعيش أزمة تاريخية غير مسبوقة يوجد على المحك الاجتماعي، وهذا ليس بمفاجئ بل كان منتظرا و معطى طبيعي، بل يساءل الضمير والمسار النقابي الذي كان يشغل واجهة من النضال الاجتماعي بمؤسساته لصناعة القيادات الكبرى التي ساهمت البعض منها في أعطاب بنيوية داخلية التي اعترت العمل النقابي، زيادة على التشرذم وسط الشغيلة وضعف التأطير النقابي، وأزمة الثقة بين الموظفين والأجراء من جهة والإطارات النقابية ومندوبي الأجراء ممثلي اللجان الدائمة من جهة أخرى، بالإضافة إلى القمع والبطش الذي تعرض له عدة نقابيين من طرف الباطرونا وبعض المسؤولين العموميين أمام صمت الأجهزة المختصة مما ترك الهوة تكبر بين جميع الأطراف وبالتالي أصبحت لغة الانسحاب و عدم الاهتمام هي السائدة وسط الشغيلة في عدة قطاعات .
كل هذه الأسباب ساهمت في تراجع التأطير النقابي ناهيك على شبه انعدام الديمقراطية الداخلية وضعف الشفافية في التداول و اتخاذ القرار كما طفى على الساحة العمالية مخلوقات نقابية تتفن في التموقع من أجل الاستفادة غير المشروعة من الامتيازات والريع النقابي والمساهمة في الإجهاز على حقوق الموظفين والعمال سواء بالتواطؤ المباشر أو بالصمت أمام تجاوزات بعض رؤساء المؤسسات العمومية وغالبية الباطرونا التي تنتهك مضامين مدونة الشغل .
وباعتبار أن المشرع المغربي منح مكانة متميزة للفعل النقابي، من خلال الإطار القانوني الذي يؤطر عمل الأجراء وفق مدونة الشغل وكذلك طبقا لمقتضيات المادة الثامنة من دستور 2011، هذا بالإضافة إلى القانون المنظم للعمل النقابي الدي يمنح هامشا مهما للنقابات وأطرها في التحرك وكذا التفرغ، والملاحظ في السنوات الأخيرة أن هذا القانون أصبح متجاوزا مما يستدعي التعجيل بإدخال تعديلات عليه لتجاوز الآليات الكلاسيكية القديمة..
ومن هنا بدأنا نلاحظ مند حوالي 2016 دخول فاعل جديد يزاحم المنظمات النقابية باعتبارها هيئات تقليدية وأصبحت متجاوزة في اعتقاده. حيث نتكلم عن إطار التنسيقيات، التي أخذت موقع جد متقدم في الساحة النقابية على حساب النقابات التقليدية،مما أدى إلى ظهورها وسط مواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص التي تتيح تواصل ديمقراطي وشفاف عوض الالتزام بالهياكل التنظيمية الموجودة وسط النقابات، وكون انعدام التواصل الفعال و إقصاء الديمقراطية الداخلية وعدم احترام تواريخ انعقاد الجموع العامة في وقتها يضعف التجاوب مع الأحداث السريعة ويعرقل عمل الطاقات والكفاءات الجديدة من الوصول لمناصب المسؤولية، حيث يلاحظ التشبث بالمناصب وفق الولاءات السياسية.
ولهذا تأتي التنسيقية كانفراج عن هذا التسيب والقمع الداخلي المشجع للولاءات والانبطاح و الريع الذي يطحن و يقتل الديمقراطية وسط العمل النقابي من خلال عدد من الإشكالات التي ترسخت وسط عدة النقابات ودفعت إلى ما يمكن أن نسميه التحول والاشتغال ضمن الإطارات الجديدة التي سميت بالتنسيقيات التي حتما دقت أخر مسمار في نعش النقابات ولما لا في المستقبل القريب سنرى تعديلات قانونية تفرض نفسها من أجل الاعتراف بها رسميا.
محمد بنلعيدي، فاعل مدني وحقوقي