أعلنت بوركينا فاسو والنيجر انسحابهما من جميع هيئات مجموعة دول الساحل الخمس بما في ذلك القوة المشتركة، اعتبارا من 29 نونبر 2023، وذلك بعد عام ونصف من انسحاب مالي من المجموعة في 16 ماي 2022 احتجاجا على رفض توليها الرئاسة الدورية للمجموعة بعد الانقلاب الذي قاده العقيد عاصيمي غويتا، مرتين في 2020 ثم في 2021، وكان ذلك أول مسمار يدق في نعش المجموعة. وقد عرفت البلدان الثلاثة منذ عام 2020، خمسة انقلابات عسكرية آخرها في النيجر، أدت إلى قيام مجالس عسكرية مناهضة للنفوذ الفرنسي في المنطقة.
ومما جاء في بيان مشترك نشرته وكالة أنباء بوركينا فاسو الرسمية، أنه: "لا يمكن لمجموعة الخمس في الساحل أن تخدم المصالح الأجنبية على حساب مصالح شعوب الساحل، ناهيك عن قبول إملاءات أي قوة مهما كانت باسم شراكة مضللة وطفولية تنكر حق سيادة شعوبنا ودولنا، ولذلك، فقد تحملت بوركينا فاسو والنيجر بكل وضوح المسؤولية التاريخية بالانسحاب من هذه المنظمة".
انسحاب مالي و بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة الخمس، يجعلها تلتحق بالعديد من المنظمات والهيئات الاقليمية التي فشلت قبلها، كما هو الحال بالنسبة مبادرات إقليمية سابقة من أجل بناء السلم وإقرار الأمن، بعضها كان مجرد تعهُّدات لم تجد طريقها إلى التنفيذ، كالمبادرة التي تعهدت بها "إيكواس" لإنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في اجتماعها العادي الـ (49) الذي انعقد في "دكار"، إضافة إلى مبادرة لازالت معركتها طويلة ولم تحقق بعد أهدافها كمبادرة لجنة حوض وبحيرة تشاد (CBLT) أو مبادرة أخرى عرفت الفشل كمبادرة "دول الميدان" التي أسست في الجزائر سنة 2010م، إضافة إلى عدة مبادرات كانت من وراءها الولايات المتحدة أو الدول الغربية طيلة السنوات الماضية.
فماهي مسببات فشل مجموعة الدول الخمس؟ .
ضعف الهياكل الأساسية وقلة التمويل
مجموعة دول الساحل الخمس، تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون، تأسس عام 2014 بنواكشوط، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، ويتمثل هدفها الأساسي في "مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية" التي ترتكبها جماعات مختلفة، وكان يضم موريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر ومالي، قبل انسحاب الدول الثلاثة الأخيرة منه. كما كانت القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسي (G5) ، اخر الوحدات المسلحة الدولية التي تم نشرها لمكافحة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي، والتي كانت تريد منها فرنسا ملء الفراغ الذي سيخلفه مستقبلا انسحاب قوات "عملية برخان" الفرنسية من المستنقع الأمني والعسكري في مالي، بسبب الخسائر المادية والمعنوية التي كانت تتكبدها، وقد أعلن آنذاك على أنها ستتشكل من 5,000 جندي من دول المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، وفي نهاية عام 2017م تم تشكيل الإدارة العليا في مدينة "سيفاري " في مالي، إضافة إلى تحديد مناطق على بعد 50 كلم على طول حدود الدول المذكورة للسماح للقوات المشتركة بالقيام بالعمليات أو مطاردة الأهداف.
بلغ مقر قيادة قوة المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل في مدينة سيفاري المالية القدرة التشغيلية الأولية في 17 أكتوبر2017م، وأجرت القوات العسكرية المشتركة للمجموعة عمليتها الأولى التي سميت ب "هاوبي"، في منطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر خلال الفترة من 28 أكتوبر إلى 11 نوفمبر من نفس السنة، ولم تسفر هذه العملية عن أي نتيجة تذكر لإثبات قدرة القوة الجديدة على العمل بفعالية من دون دعم فرنسي، كما شاركت في شهر نونبر من سنة 2018 م في عملية "باني فوندي" (طريق الخير) في إقليم "أربندا " في شمال مالي، إلى جانب قوات برخان الفرنسية والقوات المالية.
ورغم أن مجموعة" الدول الخمس" حددت رقم قواتها في 5,000 جندي، فإنها لم تستطع القيام بنشر كل العدد الذي تعهدت به، بسبب ضعف الهياكل الأساسية وقلة التمويل والتجهيزات وعدم وجود قواعد عمليات أمنة ومعززة، وكانت تواجه هذه القوة المشتركة تحديات عديدة، فقد نشأت في منطقة تعرف تدخل العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والبرامج المتنوعة، وتعدد التدخلات الداعية إلى مكافحة الإرهاب، مما جعلها منطقة مليئة بالتناقضات والتداخلات إلى حد كبير.
تعقيدات ضبط المجال الجغرافي الشاسع.
لا ينحصر التهديد الإرهابي في منطقة الساحل فقط في المجال الجغرافي للدول الخمس المشكلة للمجموعة، بل يتعداها إلى دول أخرى مثل نيجيريا والسنغال وإلى دول مجاورة للساحل مثل الكاميرون وساحل العاج، هذه الأخيرة التي تتشارك الحدود مع مالي وبوركينافاسو العضوتان في المجموعة، تعرضت لعمليات إرهابية تبنها تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، إضافة إلى عمليات جماعة بوكو حرام التي تستهدف دولا داخل المجموعة وأخرى خارجها. لذلك كان من المستبعد أن تنجح مجموعة الدول الخمس في هزيمة الإرهاب في المنطقة أو الحد منه، حيث طرح مشكل التنسيق وضعف الإمكانيات في مجال جغرافي واسع .
الهيمنة الفرنسية على المجموعة
تحكمت فرنسا في مجموعة دول الساحل الخمس، مما جعل استقلاليتها في اتخاذ القرارات منعدمة، وبذلك فهي إلى حد كبير كانت مكملة فقط لنشاط عملية "برخان" الفرنسية في منطقة الساحل وتخدم أهدافها الاستراتيجية، ففرنسا كانت تشرف بشكل كبير على المجموعة منذ نشاءتها، بل و قامت بحملة دولية سواء داخل مجلس الأمن و خارجه من أجل حشد الدعم للمجموعة وإضفاء الشرعية الدولية عليها، وجمع الدعم المالي لها وعقد مؤتمرات للمانحين، منها قمة باريس التي انعقدت خلال شهر ديسمبر من سنة 2017 م حول الساحل، والتي خصصت لبحث دعم "مجموعة الخمس".
إذ كانت فرنسا تخطط للخروج من المأزق الأمني في مالي، ولكن مع هيكلة قوية لقوات عسكرية من دول المنطقة تتحمل الخسائر البشرية والمالية عنها، مع الحصول على تفويض أممي وتمويل المانحين لتتجنب الأعباء المالية الكبيرة، وتحافظ في نفس الوقت على مصالحها الاستراتيجية.
وقد تبنى مجلس الأمن قرارا رحب فيه بنشر القوة المشتركة لبلدان الساحل في المنطقة، لكنه لم يمنحها تفويضا أمميا، بسبب قلق واشنطن من الالتزامات المالية التي قد تترتب على الأمم المتحدة من جراء ذلك.
توجس الجزائر من انكماش وتراجع دورها
لم ترحب الجزائر بإنشاء مجموعة الدول الخمس، فطيلة عقود من الزمن أشرفت الجزائر على مبادرات السلم والمصالحة بين الحكومة المالية والمجموعات الأزوادية، وكانت تشرف على اتفاق السلم والمصالحة الموقع سنة 2015 م ببامكو عاصمة مالي، قبل خرقه خلال السنة الجارية واندلاع المواجهات بين القوات المالية مدعومة بمرتوقة فاغنر الروسة من جهة ، وقوات الحركات الازوادية .
وقد كان رد فعلها على قرار إنشاء "مجموعة الدول الخمس"، أن قامت الجزائر سنة 2016 م بتعليق تعاونها العسكري مع نواكشوط، كما امتنعت عن المشاركة في قمة باريس التي انعقدت خلال شهر ديسمبر من سنة 2017 م حول منطقة الساحل .
فقد اعتبرت الجزائر إنشاء هذه المجموعة التفافا وتجاوزا لمجموعة "دول الميدان" التي أسستها سنة 2010 بمدينة تمرناست، وتضم أغلب أعضاء "مجموعة الدول الخمس" التي أشرفت فرنسا على إنشاءها (مالي وموريتانيا والنيجر)، ما يعني أن الدول الأعضاء في المجموعة الجديدة لم تعد بحاجة للتعاون والتنسيق في إطار منظمة "دول الميدان"، وبالتالي تراجع وتقلص الدور الجزائري.
قيام مجموعة" دول الساحل الخمس" بعيدا عن الجزائر، أدى إلى تجاوز المجموعة التي أنشأتها، والتي سبق أن أعلنت خلال اللقاءات والاجتماعات الخاصة بها عن العديد من القرارات والوعود والبرامج التي لم تنفذ، والأهم من ذلك أنها لم تقم بأي مجهود عسكري ضد معاقل الإرهاب في المنطقة.
وقد دفعت الجزائر رجلها في منطقة الساحل اياد غالي زعيم تنظيم" نصرة الإسلام والمسلمين"، الى شن عدة هجمات تستهدف المجموعة، حيث تعرض مقر قيادة قوة المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل في مدينة "سيفاري" المالية لهجوم تبناه التنظيم المرتبط بالمخابرات العسكرية الجزائرية، بالتزامن مع انعقاد أشغال قمة الاتحاد الإفريقي بنواكشوط سنة 2018، وشكل هذا الهجوم دعما كبيرا للسياسة الفرنسية التي كانت تبرر وجودها في المنطقة بمحاربة الإرهاب، في الوقت الذي كان فيه قادة مجموعة الدول الخمس يعقدون اجتماعا مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، على هامش القمة الإفريقية في العاصمة الموريتانية. مما يؤكد تقاسم الأدوار بين فرنسا والجزائر في توظيف ورقة الإرهاب في منطقة الساحل الافريقي.
قيام تحالف ثلاثي جديد
التحالف الثلاثي تشكل بعد أيام من اتهام السلطة الجديدة في النيجر لبنين بالسماح بنشر قوات على أراضيها استعدادا لتدخل عسكري محتمل فيها، من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بدعم عسكري فرنسي، حيث اعلنت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو في 17 دجنبر2023، عن ميثاق تحالف للدفاع المشترك، عرف ب"ميثاق ليبتاكو-غورما"، المؤسس لتحالف جديد لدول الساحل الثلاثة، والذي همش وعزل عمليا حليفي باريس في المنطقة موريتانيا وتشاد.
التحالف الجديد، يهدف إلى إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك"، وتنسيق الجهود في الحرب المشتركة ضد الجماعات الإرهابية والمساعدة الاقتصادية المتبادلة في غياي موريتانيا وتشاد وكان هذا القرار بمثابة اعلان وفاة لمجموعة دول الساحل الخمس ، و تأكيدا لقيام التعاون العسكري مع روسيا، وشركتها الأمنية فاغنر، وأصبحت بذلك روسيا عرابة التحالف الجديد بدلا من فرنسا، التي فشلت استراتيجتها المعتمدة في منطقة الساحل الافريقي وفي عموم افريقيا وتقلص نفوذها بشكل غير مسبوق.
لفائدة فاعلين ومتدخلين جدد.