السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

سعيد منتسب: الزلزال أكبر قوة سياسية في المغرب

سعيد منتسب: الزلزال أكبر قوة سياسية في المغرب سعيد منتسب
أفكر في ما معنى أن تموت لثوان برجفة جدار في الطابق الثالث من بناية ما، على بعد كيلومترات قليلة من أرواح تتعانق في ما بينها كجسور خضراء عالية. 
أفكر في أبراج تزدحم بالريح والأمواج، وفي الممرات الجديدة التي اكتشفتها قطط لم يعد يظهر لها أثر في الأزقة والسطوح.
أفكر في عاملة النظافة التي خرجت من ثيابها لتنجو بأنوثتها، وفي ذلك الرجل الذي نسي قدمه الصناعية وارتمى في الدرج بقفزة واحدة، وفي تلك الصبية التي فقدت بسبب خدش في عينيها طريقها إلى النهار.
أفكر في هؤلاء الذين منحوا جل وقتهم للموت، ليتذكروا بالهدوء اللازم مغامراتِهم المزودةَ بقوافل انتحارية نحو أحلامهم. 
أفكر في السماء التي اختفت كليا، وفي الهاتف الذي كان محافظا في يدي على كبريائه قبل أن يسقط  في حقيبة.
أفكر في الرفاق الذي تركتهم في الطابق الأول من "بار الطحلب الصغير" يعززون قدرتهم على القتال، رفقة حنجرة وقيثارة، وكؤوس يُحلب فيها المعنى الشرفي للألم.
أفكر  في الأسوار البعيدة التي بناها والدي بالطابوق، وفي قياس الخطوة واستدارة الرأس وحجم الفكرة، وفي ما أفعله بذكرياتي من الآن فصاعدا.
أفكر في الحركة التطورية للأجناس، وفي العلاقة المفترضة بين الديناصورات وبقايا الحجر، وأهمس لنفسي: "من الصعب الاقتراب من علم الحيوان"!.
أفكر في الشعراء الذين لا يتحققون إلا من خلال الارتماء في مكبَّات الأسى، هؤلاء الذين يتضاعفون عن عمد في ما يلغي مرور الآخرين إلى الأجرام البعيدة، وأفكر في الجعول التي تسعى إلى احتلال الجبال دون أن تعترف بعلو الحجر.
أفكر في الأسواق الفارغة، تلك التي لا تطلب النجدة من أي أحد.
أفكر في الألسنة التي تتعرق بعشوائية اللهو للظفر بفرصة الخروج من عشرين عاما من الانكسارات.
أفكر في خالي "إيشو" يحصي بيدين نظيفتين غلة التين تحسبا لجوع الأطفال غير المدجن.
أفكر في اللعبة المفضلة للعجائز حين يتمردن على أحزانهن في مقام الشمس والغبار.
أفكر في اكتشاف أنفاق جديدة خلف العطايا المبثوثة حد الإفلاس على شاشات الهواتف.
أفكر في العواصف الثلجية القادمة، وفي ما يقوله البرد لأعالي الجبال.
أفكر في الخطى التي تزهد في كل شيء، وفي النوايا التي تتطلع إلى كل شيء.
أفكر في الوقت غريب الأطوار الذي يحفظ لغرض في نفسه أرقام جميع الموتى.
أفكر في النهايات التي أصيبت في منتصف الطريق بذبحة صدرية.
أفكر في هذا الزلزال الذي أصبح أكبر قوة سياسية في البلاد.