من الإشكاليات التي يجب على الباحثين والسياسيين المغاربة تناولها بالدرس والتحليل وإعطاء البدائل والحلول، تفاقم عزوف أغلب مكونات المجتمع المغربي عن الثقافة وكل ما له ارتباط بهذه الكلمة، التي أضحت تؤدي ثمن تصنيفها في الماضي في طابور الطابوهات.
ومع قلتها في التلفزة وبعض الإذاعات، تواجه البرامج الثقافية عزوفا من طرف أغلب الشباب وتهميشا من طرف المستشهرين وكل ذلك نتيجة التجاهل المكشوف من طرف الإدارة التي تفرغ الرسالة الإعلامية من محتواها. فنراها في بعض الإذاعات والقنوات التلفزية مثلا منجذبة نحو برامج "النشاط" وكسر "الطابوهات" بشكل مخل بالآداب ودون اعتبار لأخلاقيات المهنة. ومن البرامج الإذاعية التي تكتوي بنار هذا التهميش "مسابقات مفتوحة"، (رغم أنه برنامج تحت لواء إذاعة تموَّلُ من المال العام ولا تحتاج لعائدات الإشهار وتمييع الخطاب). ففي صبيحة يوم 3 غشت 2014 بينما كان الإعلامي "محمد عمورة" وراء "الميكرفون" يقدم فقرات البرنامج المذكور بالإذاعة الوطنية. أشار أن الجوائز المالية للمسابقة رمزية وافتراضية، في انتظار تدخل الإدارة لمعالجة الوضعية، وهو أمر يبعث على الخجل لنتصور و(هذا واقع) أن (500 درهم مثلا) مبلغ لا تقوى الإذاعة الوطنية على توفيره للمستعين المشاركين الفائزين، لتحفيز المغاربة على المطالعة والبحث الثقافي وجلب تفاعل أكبر مع البرنامج وباقي البرامج المُشابهة، لكي تؤدي الإذاعة الرسالة الإعلامية الملقاة على عاتقها وتزيد من إلمام المغاربة بالثقافة العامة وتدفعهم لمناقشة الأفكار عوض الأحداث والأشخاص. وقد كان جواب أحد المستمعين الأوفياء للبرنامج عندما أعاد الإعلامي "عمورة" التنبيه بأن الجوائز المالية فقط افتراضية، جد مؤثر، إذ أخبر منشط البرنامج أن الأهم بالنسبة له هي المشاركة في برنامج قيِّم (يُخاطب ذكاء المغاربة) وأفاد "محمد عمورة" جوابا على تدخل المستمع أن الأهم بالنسبة له ولطاقم البرنامج هو تمرير المعلومات المفيدة للمستمعين بطريقة غير مباشرة بعيدا عن جو الاختبار والامتحان، ليتضح أن ذلك يتم عن طريق فتح باب ثقافي للمواطنين (صنابير دعمه مغلوقة بشكل غير مقبول). كما نبَّهَ "عمورة" في نفس الحلقة أن رقم خط هاتف البرنامج للتواصل مع المستمعين قد تم تغييره، رغم أنهم (المستمعين) تعودوا عليه وحفظوا أرقامه حسب "عمورة" الذي علـَّقَ ساخرا "الرقم الجديد هو كدا وكدا .. في انتظار أن تتعودوا عليه لكي يغيروه مرة ثانية). ورغم كل المشاكل التي يعيشها البرنامج إلا أن الإقبال عليه متزايد بالاستماع المباشر أو عبر "الفايسبوك"، وهي إشارة أن المواطن المغربي متعطش للبرامج الثقافية. يبقى فقط على الإدارات المتدخلة في القطاع الثقافي أن تولي الاهتمام المستحق لمثل هذه البرامج الإعلامية الثقافية.
وإذا كان الخطاب الملكي لعيد العرش هذه السنة قد تحدث عن (الرأس المال اللامادي) فإن الثقافة هي صلب الرأس المال اللامادي للمواطن، إذ تنعكس على وعيه وتقبله لمجموعة من القيم المرتبطة بالتسامح والتضامن وغيرها من القيم المحمودة، التي تساعد على بناء صرح المجتمع ووضع عجلة الرقي والازدهار في سكتها الصحيحة.