القاموس الجديد الذي استعمله الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير فتح شهية "أنفاس بريس" لتسأل الباحث مصطفي يحياوي ،أستاذ الجغرافية السياسية والاجتماعية بكلية الآداب المحمدية، لتسليط الضوء على هذا التحول في اللغة ،فكان الجواب التالي:
"يعتبر خطاب العرش لهذه السنة في شقه المتعلق بتقييم النموذج التنموي للعهد الجديد خطابا نوعيا- تقنيا تم توضيبه لغويا وفكريا بالاستناد إلى أسلوب المذكرات التأطيرية –Notes de cadrage- للسياسات العمومية المرتبطة بالتزامات دولية مع الجهات المانحة، وخاصة البنك العالمي.
ذلك أنه بإمعان النظر في القاموس المستعمل في هذا الخطاب والتوجهات السياسية التي يتبناها، سنجد أن الملك اعتمد في تقييمه لـ 15 سنة من الحكم في ظل العهد الجديد على ثلاث مقدمات مرجعية:
الأولى تتعلق بمقاربة التقييم المبني على النتائج وعلى تتبع الأثر والمردودية الاجتماعية والاقتصادية للسياسات العمومية، بالحيثيات المنهجية والمؤشرات التي تم ضبطها في إطار ما يعرف بإعلان باريس 1995 حول فعالية ونجاعة البرامج الدولية للمساعدة على التنمية.
المقدمة المرجعية الثانية تهم نتائج التقييم المرحلي لإطار الشراكة الإستراتيجية للبنك العالمي مع الدولة المغربية خلال الفترة الممتدة بين 2010-2013 والتصور الجديد لهذا الإطار خلال الفترة المتراوحة بين 2014-2017.
المقدمة الثالثة تخص التصور الجديد الذي تم تطويره من طرف خبراء البنك العالمي لقياس القيمة الإجمالية للدول في التقرير الصادر سنة 2005 تحت عنوان "أين تكمن ثروة الأمم؟ قياس الرأسمال للقرن الواحد والعشرين".
ولعل أهم ما يمكن تسجيله في هذا الشأن، اعتراف الملك بالخلل البنيوي في النموذج التنموي المعتمد خلال 15 سنة الأخيرة، والذي يمكن إجماله في وجود تقابل بين أهمية النتائج المحصل عليها فيما يخص التقدم المسجل على مستوى المنظومة التشريعية والقانونية في إطار دستور 2011 وإصلاح مدونة الأسرة، والاستقرار النسبي للمعدلات السنوية للنمو والمخططات القطاعية المتعلقة بالإقلاع الصناعي والمخطط الأخضر وبالطرق السيارة، وبرامج محاربة الفقر والإقصاء والهشاشة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبين تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي على عموم المواطنين. ذلك أنه بالرغم من وجود تقدم على مستوى الإصلاحات المنجزة خلال 15 السنة المنصرمة، إلا أن الفوارق الاجتماعية ما تزال صاخبة تؤكد معطى فقدان النموذج التنموي المعتمد لتصور اجتماعي كفيل بتأمين ديمومة المكتسبات وتعميم الاستفادة على مجموع المواطنات والمواطنين في إطار مبدأي الإنصاف والتوزيع العادل للثروة اللذين يرتكز عليهما التصور التضامني للتنمية البشرية، أو ما يعرف حاليا بالوصل الذكي بين محصلات التنمية ومستوى الثروة الوطنية وتركيبها بشكل يسهل عملية استفادة عموم المواطنين من عائداتها.
بهذا المعنى، يكون خطاب العرش لهذه السنة نوعيا-تقنيا يؤسس لانطلاق مرحلة ثانية في النموذج التنموي للعهد الجديد، أهم ملامحها الاستثمار في الرأسمال غير المادي وتطوير مسار جديد في إنتاج التنمية يتم تطويره في إطار منظور تقييمي لحصيلة 15 سنة المنصرمة يستتبع باستشراف مستقبلي مبني على توجه يمازج بين :
- تثمين المؤهلات، خاصة على مستوى الرأسمال البشري والاجتماعي والرصيد الثقافي والتاريخي وانتظام المعدلات الايجابية للادخار الحقيقي خلال 10 سنوات الأخيرة،
- وتطوير التصور التضامني للنموذج التنموي على أساس إعادة تصور مضامين السياسات العمومية بناء على مؤشرات تتبع الرأسمال غير المادي، من نحو: تحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية، وتوطيد الاستقرار والأمن، وتحسين الحكامة، والثقة في المؤسسات وفي جدوى العيش معا، والتحكم العقلاني في الثروات الطبيعية والبيئية..."