الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

احمد الشهبوني: الإضراب

احمد الشهبوني: الإضراب احمد الشهبوني
فى سنة 1973 كان أحمد يدرس فى ثانوية ابي العباس السبتي بمراكش، شعبة الرياضيات السنة أولى باكلوريا بلغة اليوم او الخامسة ثانوي انذاك.  في بداية السنة الدراسية 73 التحق احمد بتنظيم اليسار "23 مارس" عبر خلايا ماكان يسمى بالنقابة الوطنية للتلاميذ، وهو تنظيم سري لقطاع التلاميذ ملحق بمنظمة 23 مارس اليسارية المعارضة للنظام.
كانت تعقد اجتماعات الخلايا في سرية مطلقة وكان الرفاق يتدارسون الوضع الداخلي في المغرب وفلسطين عبر بعض النشرات والمجلات  (الحرية، الهدف، المناضل) وكانوا يتابعون الوضع الطلابي واخبار الجبهة الطلابية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. المهم كان الخطاب السائد هو خطاب رافض لسياسات النظام والاحزاب الوطنية وهو خطاب يتماشى مع السياق العالمي انذاك ( ثورة الشباب في فرنسا، حرب الفتنام، هزيمة الانظمة العربية في حرب67 ...
في الخلية يتم تهييء الاضراب في الثانوية وتعد الشعارات التي سيرفعها التلاميذ  وتتم  دارسة كيفية تعبئة التلاميذ عبر التركيز على الخصاص الذي تعاني منه المؤسسة كالحالة المزرية للمراحيض والنقص في التجهيزات الذي تعاني منه بعض المختبرات و الملاعب الخ...
ومما كان يسهل  تعبئة التلاميذ هو كون اغلب المناضلين كانوا من المتفوقين في الدراسة سواءا في الشعب العلمية او الأدبية ويتم في الخلية التدوال حول طبيعة الاضرابات النقابية منها والسياسية. 
احمد كان يستوعب جيدا معنى الإضراب النقابي ، فهو اضراب يهدف إلى تحسين ظروف العمل كالرفع من قيمة الأجرة وتحسين ظروف العمل ، لكن مفهوم الإضراب السياسي ظل مبهما لديه؛ فهو بالنسبة له يحتل درجة أرقى واعلى من الإضراب "الخبزي" حيث انه خلال إحدى اللقاءات في الخلية كان موضوع النقاش هو نضال الطبقة العاملة في المغرب حيث تمت الإشارة إلى انحراف قيادة الاتحاد المغربي للشغل التي قطعت كل صلة لها مع القوى الوطنية التي تناضل من أجل مغرب ديمقراطي وعزلت الطبقة العاملة وحشرت نضالها في إطار مطالب "خبزية ضيقة". هكذا اذن كان تصور احمد للفرق بين الإضراب النقابي والاضراب السياسي. 
في إطار الانشطة داخل خلايا النقابة الوطنية للتلاميذ، وهي بالمناسبة كانت متعددة ومتنوعة، نقابية وثقافية وسياسة،   قرر الرفاق تنظيم اضراب على صعيد الثانوية. في الخلية تم تحديد مطالب دقيقة حول الاختلالات التي  تعاني منها الثانوية، كتحسين وجبات الاكل في الداخلية ، وتجهيز المرافق الرياضية وإصلاح المراحيض واستبدال زجاج نوافد الأقسام المكسرة...
بالفعل تمت تعبئة التلاميذ وتوقف الجميع عن الدراسة وقام التلاميذ باعتصام أمام مبنى إدارة الثانوية وكانت تردد الشعارات التي تم  اعدادها حول تحقيق المطالب بالإضافة إلى الشعار التعبوي "التضامن هو الأساس في ليسي ابو العباس".  أمام احتجاج الطلبة خرج السيد المدير (مكمان) من مكتبه وطلب من الجمع تعيين ممثلين للتحاور معه حول مطالبهم. بسهولة تم الاتفاق على  وفد مكون من أربعة او خمسة تلاميذ من المتزعمين للاضراب وكان ضمنهم احمد وجليل الذي كان من بين المسؤولين في التنظيم السري. كان اللقاء مع السيد المدير جد إيجابي حيث تفهم جل المطالب واطلع الوفد الممثل للتلاميذ على الرسائل التي بعث بها للسيد المندوب في نفس الموضوع يحثه فيها بالتعجيل بالاصلاحات التي يطالب بها المضربون. أما بالنسبة للمطلب حول ضرورة حضور ممثل للتلاميذ أثناء مجلس المداولة  (conseil de classe) فقد خاطب السيد المدير الوفد بما يلي" ابنائي هذا المطلب غير تربوي ويتنافى مع كل الاعراف البيداغوجية ، فالطالب حتي في مستوى الدكتورة يرافع عن اطروحته وينسحب ولا يطالب بحضور المداولة."
مباشرة بعد مغادرة مكتب السيد المدير توجه الوفد  إلى جمهور التلاميذ التي مكتث  صامدة في اعتصامها تنتظر. كان أحمد هو أول من خاطب التلاميذ  ، فشكر المدير على تفهمه ومساندته لجل المطالب العادلة وحث الجميع على الاستمرار في التعبئة حتى تحقيق المطالب خصوصا وان الادارة بدورها تساند وتدعم هذه المطالب. بعد تدخل احمد تلاه مباشرة جليل الذي كان له رأي آخر حيث خاطب التلاميذ قائلا ؛ ان السيد المديركعادته ظل يراوغ في اجوبته ولم تتم اية استجابة لمطالبنا العادلة وعليه علينا تصعيد نضالاتنا حتى تحقيق جميع مطالبنا. لم يستوعب احمد خطاب جليل المخالف للجو الاجابي الذي تم فيه اللقاء مع السيد المدير وظل يتساءل عن مغزى سلوك جليل خصوصا واحمد يكن كل الاحترام والتقدير له ولاستقامته . لكن لما علم احمد بأن الإضراب كان على الصعيد الوطني في العديد من الثانويات بمراكش والبيضاء وعدد من المدن الكبرى، أدرك احمد ان الإضراب الذي ساهم في تنظيمه بثانوية ابي العباس السبتي كان اضرابا سياسيا بامتياز  الهدف منه هو ان منظمة 23 مارس ارادت بعث رسالة للنظام الملكي، تعرض فيها قوتها بتاطيرها  لقطاع واسع من الشباب في ارجاء الوطن.  هكذا  فهم احمد بتدقيق الفرق بين الإضراب النقابي والاضراب السياسي. ومما زاد احمد وضوحا هو أنه فيما بعد وأمام عدم تلبية المطالب النقابية للتلاميذ تقرر خوض اضراب من جديد على صعيد الثانوية بهدف التعجيل بتحقيق المطالب الملحة خصوصا إعادة تجهيز زجاج  نوافذ الأقسام الذي تم تكسيره خلال الاضرابات السابقة، وللحقيقة كان إتلاف وتكسير مرافق الثانوية امر مرفوض بالنسبة للرفاق وأن المسؤول عن هذه الأعمال التخريبية هم بعض التلاميذ الفوضويين الذين لا علاقة لهم بالتنظيم السري. خلال هذا الإضراب رفع بعض التلاميذ أثناء مسيرة تجاه الإدارة شعار " اولاد الشعب في السجون والخونة في القصور" حينها تدخل أحد الرفاق وطلب منهم التوقف عن ترديد هذا الشعار الذي لا علاقة له بالاضراب الحالي . هكذا  صار احمد يفرق وبتدقيق  طبيعة كل من الإضراب النقابي والاضراب السياسي. 
احمد الشهبوني. غشت 2023.