الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: "من قاع السجون" تبدع الفنون 

إدريس الأندلسي: "من قاع السجون" تبدع الفنون  إدريس الأندلسي
عنوان هذا المقال مستوحى من سنوات الدراسة بالثانوية وبعدها بالجامعة خلال السنوات التي سميت ب"سنوات الرصاص". والحقيقية أنها كانت أيضا سنوات إقبال التلاميذ والطلبة على العمل الثقافي والفني وصولا إلى مرحلة وعي سياسي مع إبداع أشكال نضالية تدخل فيها التعبير الفني بشكل جميل وملتزم بقضايا الوطن.
خلال هذه الفترة أهتم التلاميذ والطلبة بالكتابة المسرحية وسايروا بشكل مكثف الموجة الغيوانية ومسرح الهواة  وإنتاج الشعر. "ما هموني غير الرجال إلى ضاعوا... الحيوط إلى رابو كلها يبني دار". هكذا تغني ناس الغيوان في الوقت الذي تغنت فرقة جيل جيلالة لفضح هشاشة "الكلام المرصع" الذي "فقد المذاق" وفي الوقت الذي وصل صوت سعيد المغربي إلى كل الجامعات عبر أشعار محمود درويش ومحمد علي كنار والمبدع الراحل "الودان" والشاعر زريقة. دخل الكثير من الطلبة إلى  السجون،  في إطار  حملات القمع، والتي تحولت إلى منبع للتكوين و النجاح الجامعي. كانت المعدلات التي يحصل عليها الطلبة المعتقلون من أعلى المعدلات في  العديد من الكليات. 
سجون المغرب تشهد هذه الأيام دخول عدد من الموسيقيين إليها وأذكر من بينهم الفنان نعمان لحلو. لم توجه لهم تهمة تخص تردي مستوى الأغنية المغربية، ولكن وجهت لهم دعوة للقاء السجناء بالكثير من الإصلاحيات لمشاركة المعتقلين لحظات فرح بالموسيقى المغربية. سألت الفنان نعمان لحلو عن ظروف تنظيم هذه الحفلات داخل السجون وتفاعل المعتقلين مع البرنامج الفني، فكان جوابه أن التفاعل كان أكبر من ذلك الذي يحصل في بعض المسارح التي توجد خارج أسوار السجن. ليس كل من دخل السجن فاقدا للإحساس بجمال الموسيقى. والكثير من السجناء يجدون في الأغنية نوعا من الأمل في غد أفضل. 
نعم سجوننا تعرف الاكتظاظ بسبب سياسة جنائية يجب أن يعاد النظر فيها عبر انتهاج أساليب العقوبات البديلة. ولكنها تحتاج إلى إهتمام رسمي ومدني لكي تلعب دورها كإصلاحيات تحمي حقوق الإنسان وتحمي المجتمع ممن اقترفوا جرائم في حق مواطنين وفي حق المجتمع. ولكل هذا لا يمكن أن نجعل من السجون جزرا معزولة بل مؤسسات للإدماج بعد قضاء العقوبة السجنية. المعتقلون يحتاجون إلى الدعم الحقوقي وهذا ما يقوم به المرصد المغربي للسجون. وهذا ما يقوم به العديد من  نجوم الرياضة والمسرح والموسيقى.  وفي هذا الإطار لا يمكن إلا تثمين مبادرة نعمان لحلو الذي فضل الدخول إلى السجون عبر إبداعه الفني وليس عبر أساليب تنزل بالفن إلى أسفل سافلين وتؤثر سلبا على الشباب. هذه الأساليب المشبوهة فنيا والفقيرة علميا والمنحطة أخلاقيا قد تؤدي ببعض المغرر بهم إلى السجون. الفن وسيلة للسمو الثقافي ولذلك يجب أن يساهم في إدماج   المعتقلين لإعادة تأهيلهم اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.