قبل أسبوع حجزت غرفة في فندق عادي جدا ولكن صوره على شبكات الدعاية مغرية، وتظل" الصورة خيالو وخيالو ماشي بحالو" والفاتورة كانت مرتفعة مقابل خدمات لا تستحق التعريفة وما تم دفعه مقابل غرفة لا تتوفر على أدنى شروط توفير الخدمة الفندقية في علاقتها مع الأسعار.
هذا هو حال الخدمات السياحية ببلادنا. يستمتع السائح الأجنبي بما يسمى المنتوج السياحي وبخدمات النقل والتغذية بأسعار رخيصة قد يكون قد تدخل فيها حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الكرم وحسن الإستقبال. رفعت الحكومات المتعاقبة لدينا شعارات، لا أكثر، لتشجيع السياحة الداخلية وكانت النتيجة فشلا ذريعا ومسترسلا وكبيرا ومعريا عن كذبة كبرى إسمها دعم السياحة الداخلية. قبل جائحة كورونا وبعدها، استفاد ملاك الفنادق من دعم موله دافعو الضرائب، ولم يستفد المواطن الذي يدفع هذه الضرائب من أي دعم لكي يستفيد من منتوج سياحي يناسب مستوى دخله و توفيره وقدرته على قضاء عطلة كتلك التي يقضيها السائح الأجنبي في المغرب. الأسعار في أكادير والشمال وفي كافة المدن السياحية خرجت عن السيطرة. إن أردت أن تستفيد من أسعار تصل إلى أكثر من 1200 درهم بقليل لليلة الواحدة، فاللازم أن تأخذ عطلتك قبل منتصف يوليوز أو بعد 25 غشت. أما خلال فترة الصيف المتعارف عليها فالأمر المتعلق بالتسعيرة يصبح مخيفا وقد يتجاوز سعر الغرفة بفطورها 2500 درهم. وبالطبع هذا هو المستوى الذي يمكن أن يدعم السياحة الداخلية عفوا أن يدمرها. و لله الأمر.
أعلن مكتب الصرف أن الإقبال على قضاء عطلة كثير من الأسر المغربية كبير وخصوصا في تركيا وإسبانيا. الأمر لا يهم الحكومة، ما دامت وزيرة السياحة تفضل الوجهة الإسبانية كما فعلت خلال صيف سنة 2022 ، لأن السعر والتكلفة العامة للعطلة يحددان قرار الأسر في إختيار مكان قضاءها. مصاريف السفر إلى الخارج قد تتجاوز 18 مليار درهم جزء منها "سياحة دينية " تتعلق بالحج والعمرة. والأمر ليس علاقة بالعطلة الصيفية لغالبية الأسر المنتمية لما يسمى بالطبقة الوسطى.
ولكل ما قيل وما سبق وجب القول أن المنتوج السياحي في إسبانيا يتيح للطبقة الوسطى إمكانية قضاء عطلة بالإمكان تغطية تكاليفها دون اللجوء إلى استدانة أو إعلان حرب على المدخرات التي يجب أن توجه لمصاريف المدرسة والاستشفاء . وهذا مصروف هيكلي و وازن في ميزانية الأسرة. السعر لكراء شقة، تمكن من إستقبال أسرة مكونة من ستة أشخاص ومتوفرة على شروط لا تتوفر في فنادق الجنوب والشمال لدينا منافس جدا في إسبانيا في مناطق قربية من تطوان وطنجة على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط .
وفي نفس الوقت الذي يشتكي فيه السائح المغربي من غلاء أسعار الفنادق والشقق الفندقية وحتى أسعار بعض المنازل، يجد فيه السياح الأجانب مكانا مريحا ورخيصا في بلادنا. تكلم مهنيو السياحة كثيرا وقالوا أن الطلب الداخلي غير مهيكل وأن وكالات السياحة ذات حجم صغير ولا قدرة لها على ضمان طلب داخلي كبير. ونفس هذه الوكالات هي التي تقدم المنتوج التركي بأسعار تنافسية وخدمات جيدة وجذابة للكثير من المغاربة. المشكل ليس في حجم الطلب ولكن في التعامل مع هذا الطلب بكثير من المهنية لتطويره وجعله الركيزة الأساسية لقطاع السياحة ببلادنا.
وهناك مشكل أساسي أصبح يؤرق المصطافين وخصوصا في الشريط الساحلي الشمالي. قد تصل الأسر إلى التغلب على مصاريف الكراء المتواضع في مدن الشمال ولكنها تصطدم بمعضلة الولوج إلى الكثير من الشواطئ التي يتم الصرف عليها من المال العام. شعرت بكثير من الظلم و الغبن والحقد و أنا أرى استيلاء بعض أصحاب المقاهي والمطاعم في شاطىء مارينا اسمير على الشاطئ. تألمت كثيرا حين شاهدت طرد عائلات من الأماكن القريبة من هذا الشاطىء. كانت العضلات والكلام العنيف أقوى من قانون الشاطئ الذي يتيح شريطا غير قابل للتفويت لكل من أراد الإستماع بالبحر دون أن يتم إجباره على دفع عشرات الدراهم. شاهدت سيدة تبكي بحرقة بسبب منعها من الجلوس على "فوطة" لكي تظل قريبة من أطفالها. وأتألم أيضا من مستوى أسعار بعض المطاعم بالمقارنة مع مطاعم تركيا وإسبانيا وحتى فرنسا. نعم يجب تشجيع السياحة الداخلية ولكن هذا التشجيع يجب أن يكون سياسة عمومية قد تتخذ شكل دعم مباشر أو غير مباشر للأسر. شاهدت عن قرب ما تقوم به بعض مؤسسات الأعمال الإجتماعية وخصوصا في قطاعي التعليم و المالية، فوجدت أن هذه المؤسسات تقدم خدمات راقية ومحترمة . ومن هنا يبدأ الطريق ويتم الجواب على التكلفة والسعر. شقة تحتوي على ثلاثة غرف تضم حمامات وصالون ومطبخ بسعر يتجاوز قليلا 600 درهم. هذا النموذج يجب أن يتم تعميمه على الكثير من القطاعات. الأمر يحتاج إلى إشراك هذه المؤسسات الإجتماعية في اتفاقيات تضمن للموظفين والمستخدمين خدمات سياحية تحترم مستوى دخلهم وادخارهم.
وفي إنتظار هجمة حكومية على سياسة سياحية لازالت تعيش على غابر الأيام، يجب التفكير في خلق المنتوج والإبداع في تدبيره والامتناع عن الكلام بالنسبة لمن يعتبرون أنفسهم خبراء منذ عقود في مجال السياحة. لقد صرفت الدولة ملاييرا من المال العام على قطاع السياحة وعلى قطاعات أخرى دون جدوى. حين تصبح تكلفة عالية لغرفة صغيرة في فندق يجبرك على المشي كثيرا للوصول إلى ملامسة الأمواج، و ذلك لأن أصحاب الفيلات المطلة على البحر قرروا منع المرور، فأعلم أن الاستيلاء على الشواطئ وصل إلى حدوده القصوى. حين تصبح الطبقات ذات الامكانيات الضخمة تتحكم في الزمان والمكان، فأعلم أن السياحة الداخلية يجب أن تقتصر على بعض المواسم " الهداوية" في أعالي الجبال و بعض السهول غير الخصبة، هي الأماكن التي تمثل حجم السياحة الداخلية.
ككثير من أهل مراكش، كانت العطلة الصيفية مسارا طبيعيا لكثير من الأسر. شقة يكلف كراؤها لشهر قبل خمسة عقود 500 درهم أي ما يعادل حوالي نصف الراتب الشهري لوالدي رحمة الله عليه. ولكنها كانت لا تؤثر على التوازن المالي ولا على الإستفادة من عطلة جميلة وبسيطة وممتعة.
ولكل ما سلف أطلب من الفاعلين في مجال السياحة وخصوصا الوزيرة المسؤولة على القطاع أن تقنعني بجودة وجاذبية أي منتوج مغربي داخلي لا يرهق إمكانياتي. والأمر يحتاج إلى حكومة متكونة من عضوات وأعضاء يفهمون معنى السياسة والسياحة. كل الشعارات الحكومية تهتم بسياحة تأتي من الخارج وتؤثر على ميزان الاداءات لرفع العائدات فوق مستوى 10 ملايير دولار يؤديها 26 مليون سائح. سمعت السيدة الوزيرة المغتربة تتكلم نفس الكلام الذي سمعته منذ زمان. وستظل أيها المغربي تنتظر الاستمتاع بعطلتك بنفس الشروط التي يحصل عليها السائح الأجنبي في بلادك وسيطول إنتظارك. في إسبانيا القريبة منا لا يرفعون الشعارات ولكن يستقبلون السياح عبر أسعار في المتناول ومطاعم وشواطئ متاحة للجميع ولا وجود للشيشة فيها.
السياحة الداخلية لها ارتباط كبير بالثقافة. ولدينا في المغرب رأسمال معماري قديم جدا ولكننا، أي أصحاب القرار طوتدبير الميزانيات، لا نعمل على رسملته بالمفهوم التاريخي للمفهوم. السياسة السياحية ليست مجرد أهداف ذات طابع مالي فقط. هذه السياسة يجب أن تدمج الثراث المادي واللامادي المغربي في ركائزها وأهدافها. فاس والرباط وأزمور والجديدة وآسفي وكل اقاليم الصحراء تحتاج إلى سياسة للحفاظ على الرأسمال المعماري وليس إلى ترك مصيره بين أيدي أناس، ولو كانوا منتخبين، ولكنهم لا يؤمنون بدور التاريخ والثقافة والمعمار في التنمية ونهضة الشعوب. بالمختصر المفيد، نحتاج إلى نخبة مؤمنة بتاريخ ومصير البلاد، مؤهلة للتفكير ومؤهلة للفعل بوعي وبخوف على مصالح الوطن. أما تجار السياسة والريع والمتقنون للعبة الانتخابات، فهؤلاء أعداء للتنمية وللمجتمع ولكل جميل في مغرب جميل.