الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

الاغتيال الثاني لضحايا فاجعة بوركون

الاغتيال الثاني لضحايا فاجعة بوركون

اغتالت الحركة الأصولية ضحايا فاجعة بوركون بالبيضاء مرتين꞉

الاغتيال الأول وقع حينما رفض ممثلها في الحكومة (عبد الإلاه بنكيران) زيارة موقع الفاجعة وتقديم العزاء للمغاربة في الوقت الذي رأينا بنكيران يستغل إمكانيات الدولة لزيارة رجل تعليم أصيب بجرح بسيط بمدرسة تقع بالقلعة الانتخابية لرئيس الحكومة بسلا، أو حين عبأ كل وسائل الدولة لتأبين طالب مات في ظروف ملتبسة بالراشيدية.

الاغتيال الثاني، وهو الأفظع والأبشع، يتجلى في تسخير الحركة الأصولية لأحد مشايخها لنفت حقارته على شهداء بوركون حين تقيأ الشيخ النهاري كلاما اعتبر فيه ضحايا بوركون بأنهم ماتوا تحت الأنقاض لأنهم لم يذهبوا لصلاة الفجر!، والحال أن الموت قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى، بل إن الإسلام يضع كل من قضى نحبه في كارثة في خانة الشهداء وليس في خانة التشفي والازدراء.

الخطير في الأمر أن الحركة الأصولية تناست فواجع دامية مماثلة حدثت في مكة المكرمة التي استشهد فيها العديد من المسلمين أثناء أداء شعائر الحج، وتناست استشهاد مسلمين وهم يصلون في مساجد مكناس ومراكش مؤخرا. أي أن الموت لا يحدد الزمان والمكان. إن استغلال فاجعة بوركون للقول إن الذين ذهبوا للصلاة بالمسجد "أنجاهم الله"! هو رغبة من الحركة الأصولية لتفرض إيقاعا وفهما خاصا للدين. والمسلم الذي يختار الصلاة في داره أو في مقر عمله أصبحت صلاته باطلة، بحكم هذه الفتوى السخيفة للشيخ النهاري. وبالتالي ف"الميساج" من وراء تسخير الحركة الأصولية للنهاري ليقول ذاك الكلام التافه هو حث الناس للذهاب إلى المساجد، ليس للإكثار من الأجر (علما أن الصلاة في الدار وفي المكتب تتضمن أيضا الأجر) بل ليتسنى للحركة الأصولية استقطاب الناس وتأطيرهم من طرف هذا الخطيب أو ذاك القيم الديني الدائر في فلك الحركة. وإلا ما حكم الشرع في المواطن الذي يؤدي فريضة الصلاة فينهار سقف المنزل عليه ويستشهد، هل نعتبر ذلك عقوبة من الله سبحانه وتعالى (وأستغفر الله على هذا)؟ فبأي صفة يتجرأ مشايخ الحركة الأصولية، وبوقاحة،  وينصبون أنفسهم أوصياء على الله سبحانه وتعالى؟

فالصلاة الفردية لها أجر والصلاة الجماعية لها أجر مضاعف، فلماذا تتدخل الحركة الأصولية لتحاسب المرء القنوع بأجر الصلاة الفردية؟

فأمير المؤمنين، الملك محمد السادس، زار موقع الفاجعة مرتين وقدم تعازيه ومواساته لكل الضحايا ولعائلاتهم وترحم على الأموات وأمر بالاعتناء بالأحياء، فما الذي تريد الحركة الأصولية إيصاله من "ميساج" لأمير المؤمنين حين تفتي بهذيان شبيه بمثل ما تفوه به النهاري؟

لنتسلى مع الأصوليين المتزمتين ولنبدأ بطرح السؤال التالي꞉ إذا ألزمنا كل سكان الدار البيضاء بترك المنازل والمكاتب ومقرات العمل للذهاب إلى المساجد للصلاة فمعنى ذلك أن الدولة عليها أن توفر المكان لأربعة مليون مصلي. وإذا علمنا أن كل مصلي يحتاج إلى مترين في المسجد، فمعنى ذلك أن الدار البيضاء محتاجة إلى 8 ملايين متر مربع من المساجد. وإذا أسقطنا مسجد الحسن الثاني كأحد أكبر الجوامع بالعالم، فإن معدل الطاقة الاستيعابية للمساجد بالمغرب هو 2000 مصلي (أي 4000 متر مربع). بمعنى أن الدار البيضاء تحتاج إلى حوالي 2000 مسجد جديد (تضاف إلى 1500 مرفق ديني بالبيضاء موجودة اليوم). وإذا علمنا أن كل مسجد يكلف مليار ونصف المليار سنتيم كحد أدنى فمعنى ذلك أن الدار البيضاء مطالبة بإنهاك ميزانية الدولة لرصد 3000 مليار سنتيم لإنجاز هذا العدد الإضافي من المساجد (على حساب المدارس والطرق والمراكز الصحية والترامواي وغير ذلك) لإرضاء الحركة الأصولية حتى يتجمع الناس في مسجد ويشرع زعماء هذه الحركة في استقطاب الزبناء الانتخابيين أو تجييش المؤمنين في أفق دفعهم للانزياح عن التدين المغربي واعتناق التدين المشرقي، وبالتالي عوض أن يكون المسجد فضاء للتعبد والتقرب من الله عز وجل يتحول إلى فضاء لحركة سياسية ودعوية تنشغل بالدين لفائدة أغراض انتخابية.

إن الدولة مطالبة بالتدخل لحماية المغرب من هذا العبث ومن هذه الدناءة. فمن العار أن تلاحق شباب وتحاكمهم لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بتنزيل الدستور وإعمال القانون وحماية كرامة المغاربة، بينما تصاب أجهزة الدولة (مجالس علمية ونيابة عامة وبوليس ودرك) بالشلل كلما  تعلق الأمر برموز الحركة الأصولية الذين يتقيأون الفتاوي الرذيئة على المغاربة الأصفياء والأتقياء والشهداء.