تتبعنا جميعا أزمة أسعار المحروقات التي أحرقت جيوب الكثير من الأسر المغربية، والتي عانت معاناة شديدة بسببها، سواء بشكل مباشر حين التوجه إلى محطات الوقود، أو بشكل غير مباشر حين ولوج الأسواق والمتاجر للتبضع واقتناء حاجيات يومية يحتاجها كل بيت، من خضراوات وفواكه ولحوم وأسماك ومواد غذائية مختلفة، وفقا لقدرة كل بيت وما تستطيع له كل أسرة سبيلا.
أزمة تفاعلت معها الحكومة بتخصيص دعم لمهنيي النقل من أجل الاستمرار في جلب ونقل المواد المختلفة عبر ربوع المملكة، وسوّقت للخطوة، على أنها تروم حماية القدرة الشرائية للمواطنين لكي لا ترتفع الأسعار، لكن توالي الأيام ثم الأسابيع فالشهور، أكد بأن المغاربة استمروا في اقتناء ما يحتاجونه بأسعار جد مرتفعة بل وحارقة، جعلت الكثيرين منهم يتخلون عن الكثير من الأساسيات لأنه لم تعد لهم القدرة على تحقيق توازن مالي لتدبير يومياتهم.
هذا المدّ التصاعدي في موجة الغلاء جعل الكثيرين وبشكل عقلاني يطرحون سؤالا عريضا عن جدوى ذلك الدعم الذي جرى تقديمه، وبأية كيفية، ما دام الهدف "المصرّح به" لم يتحقق، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى مبادرات من هذا القبيل يتبين في نهاية المطاف على أنها لم تسهم سوى في هدر المال العام، وسلكه وجهة خاطئة، ولعل استمرار فرض سيارات الأجرة الرابطة بين الدروة والدارالبيضاء لتسعيرة عرفت زيادة 5 دراهم في ثمن الرحلة إلى غاية اليوم، لنموذج صغير لما يعيشه المواطن من قهر يومي بسبب الغلاء الفاحش وتدني القدرة الشرائية واتساع هوّة الهشاشة يوما عن يوم التي تشمل مستويات ومجالات مختلفة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد عادت الحكومة مرّة أخرى، وأعلنت عن سنّ تدبير مالي آخر لمواجهة ما قيل أنه خصاص في رؤوس الأغنام بمناسبة عيد الأضحى، علما بأن تصريحات رسمية جاءت بعد ذلك بعكس رواية "الندرة" وادعت وجود وفرة كبيرة. وبالفعل توصلت جهات معينة تحت مبرر تسهيل عملية استيراد الأغنام بدعم قدّر بـ 500 درهم عن كل رأس، وانتظر المواطنون أن يكون طريقهم نحو اقتناء هذه الخرفان سلسا لا تعترضه صعوبات مادية، لكن وخلافا لذلك، وجد المغاربة بأن سعر الكيلوغرام الواحد يفوق سعر أصناف الغنم المغربية التي بيعت في السنة الفارطة بنفس المناسبة، وكان الفرق بينها وبين الأغنام المحلية في الأسواق هذه السنة محددا في بضع دراهم، أي أنها في نهاية المطاف لم تكن متاحة هي الأخرى لجميع المعوزين والفئات الشعبية التي تعاني ماديا ومعنويا على امتداد أيام السنة.
واليوم، وبعد أن انصرمت أيام عيد الأضحى، يُطرح السؤال مرة أخرى عن نجاعة قرار تسليم ذلك الدعم الذي تم توزيعه، وعن قائمة المحظوظين الذين استفادوا منه، وعن جدواه بالنسبة للمواطنين المكتوين بلهيب الأسعار، بما أن كل دعم من هذا القبيل يوزّع في البلاد اليوم، لا يقطف المواطن البسيط ثماره ولا ينعكس عليه بالإيجاب، وإنما يسهم في إغناء جهات معينة وفي تمكينها من تراجع معدلات ربحها في قطاع من القطاعات، نتيجة أزمة من الأزمات؟
لم يعد اليوم، في ظل كل التحديات المطروحة، وفي علاقة بشعارات النجاعة المرفوعة في كل قطاع من القطاعات، وفي زمن وزارة للسياسات العمومية، وهو ما يعني تفكيرا وتأملا وتخطيطا وبرمجة قبل كل تنفيذ، الاستمرار في اعتماد مبادرات و "سياسات" تزيد من توسيع الهوّة بين شرائح المجتمعات، بـ "إغناء" الغني أكثر، وتفقير الفقير وتعميق جراحه وآلامه بشكل أكبر، لأن كل أمر من هذا القبيل هو بعيد كل البعد عن الحكامة التي كُتب فيها ما كُتب، والتي اعتبرتها المؤسسات الرسمية والمدنية خلال كل السنوات الفارطة بوصلة أساسية للقطع مع المسارات الخاطئة والاتجاه صوب سياسات أكثر وضوح لا تعتريها أية "ضبابية"، لكن واقع الحال يؤكد على أن الخيارات الحكومية في مجملها هي تتجه صوب طريق لا تعتريه الضبابية فحسب بل العتمة كذلك، في انتظار استفاقة فعلية تعيد البوصلة إلى وجهاتها الصحيحة.