الأحد 24 نوفمبر 2024
جالية

هرار: حرق القرآن الكريم.. تكرار الإساءة للمسلمين ليس محض صدفة

هرار: حرق القرآن الكريم.. تكرار الإساءة للمسلمين ليس محض صدفة محمّد هرار
حدث في الثّلاثين من شهر شتنبر 2005 ما لم يقبل أيّ مؤمن مهما كانت درجة إيمانه بحدوثه. فقد تعمّدت صحيفة دانماركيّة تدعى "يولاند بوستن" مع سبق الإصرار والتّرصد، نشر اثنتي عشرة صورة، شحن فيها مجموعة من الرسامين، طاقة وحمولة كبيرة من الكره والبغضاء للإسلام والمسلمين، ترجمت في كاريكاتور سيّء قبيح ومقزز، أرادوا به السّخريّة من خير البرية محمد ابن عبد الله ﷺ، محاولين وصمه ﷺ بشدّة حبّه للنساء، وبالعنف، والتطرف، والإرهاب.. الذي جاءوا به حسب كذبهم وإفكهم. 
كان يمكن أن يمرّ الحدث خفيّا لا يُؤبه له، ولكنّ الله تعالى قدّر وما شاء فعل؛ فقد انتبه المسلمون لذلك؛ فثارت سريعا ثائرتهم وانطلقت الاحتجاجات في كامل العالم الإسلاميّ، مما نتج عنها سقوط ما يزيد عن خمسين شخصا في مناطق متعددة من العالم. 
ما قد يغفل عنه كثير من النّاس؛ هو الجهد الذي قامت به نخبة من المسلمين المقيمين في الدّنمارك، وعلى رأسهم الدّاعية والمفكر، المرحوم بإذن الله تعالى، الشّيخ سامي أحمد أبو لبن. فإنّه سارع إلى الصّحيفة المشؤومة حينئذ، وقبل النشر مبكرا يُرشّد مثقّفيها من خلال حوار ماراتونيّ جادّ  وصريح استمرّ لأكثر من سنة وتيّف. كان رحمه الله يحثهم على الإقلاع عن تلك الأفكار المغلوطة والنّظرة الدّونيّة العنصريّة الفاشيّة التي تشبّع بها جناح الصّحيفة في شخص رئيس "جناحها الثقافي" العنيد اللئيم المتكبّر المدعو " فليمن غوسة".
أذكر شخصيا أن رئيس تحرير الصحيفة "كاستن يوستي"، زعم خلال الحوارات الدقيقة أنه يريد بالرسومات اختبار مفهوم حرية التعبير، وإلى أي مدى يمكن التفاعل معها في الدول الغربية.. وقد كان جوابنا على ترهاته بالقول: لِمَ لا تُختبر هذه الحرّيّة بالمشترك بين الشّعوب الغربيّة من النّصرانيّة أو اليهوديّة على سبيل المثال؛ فإنّه أدعى للتّجاوب والحوار وجسّ النّبض على وجه الدقة من الهدف..؟. لِمَ تلجؤون دائما إلى القفز على السّور القصير، بدل أن تتسلّقوا الجبال الشّواهق كي نتمكن من تصديقكم، مع أنّنا ضدّ أيّ رسومات مهما كان نوعها، تحمل الإساءة للمعتقدات والرّموز الدّينيّة.
إلّا أنّ الخطّ التّحريريّ للصّحيفة المشؤومة، كان قد حسم أمره، ولم يكن الحوار معنا إلّا كسب بعض الوقت وانتظار ضوء الإشارة بالنّشر. ثمّ كان النّشر وحدث ما حدث ممّا راقب النّاس وسجّلوا ووثّقوا آنئذ..
قصدت من خلال التّذكير بما حدث عامي 2005/2006 وما تلا ذلك من ارتدادات، التّنبيه إلى أنّ ذلك كان مخطّطا له بعناية فائقة ومدروسا حتى يوم النّاس هذا، وأنّ ادّعاء كونه يدخل في خانة حريّة الفكر والتّعبير والصّحافة والرأي؛ هو ادّعاء سخيف ودنيء دناءة أصحابه، وإنّما هي حملة استهتار واستهزاء متعمّدة بالإسلام وبنبيّ الإسلام ورسالة الإسلام. وما الحملة المسعورة التي نراها من حرق المصحف الشريف تباعا في دول الشمال كالدنمارك والسويد.. إلا تكملة لمسلسل الإساءة المفضوح، وأنّ وقود هذه الحملة للأسف هو، هوانُنا على النّاس، نظرا لعدم اتّباع تعاليم الإسلام في القرآن وهدي رسولنا صلّى الله عليه وسلّم في السنة المطهرة. 
كما أنّ حرّية التّعبير المزعومة لا تبيح للغرب الاعتداء على التّوراة المدلَّسة حذر الإساءة لحارسها الملتحف بالسّامية!!. فإن المسلمين وأحرار وعقلاء العالم لا يقبلون الكيل بمكيالين في قضية حرية التعبير. 
ليس من الحريّة الاستهزاء بالأديان السّماوية والرُسل والكتب المقدسة، وليس من الحريّة الاستهزاء بعقيدة المسلمين تحت أيّ ذريعة كانت، وليس من الحرية تسويغ ذلك بادّعاء الخلاف بين أهل العلم في تصوير الرّسل والأنبياء ولَيّ أعناق النّصوص لتبرير باطل المستهترين وتشويه الحقّ تسخيرا لجهات مشبوهة. 
ليس كلّ ذلك من باب الحرية مهما كان نوعها، بل إنّها حرّيّة الزّندقة والإلحاد.. غير المبرر، وسوف لن يحدّ من جرأة الزّنادقة والملحدين على الإسلام ورموزه، إلّا تمسّك المسلمين بدينهم والالتفاف حول تعاليم رسولهم صلّى الله عليه وسلّم، وتحصيل العلوم والعمل بها، كي يكونوا في المجتمعات التي يعيشون فيها ملجأ أهل تلكم البلاد؛ يستعينون بهم في حلّ مشاكلهم وحلّ ما استصعبوا في حياتهم تحقيقا للعيش المشترك الذي لا مفر منه. 
يا للعجب؛ فقد تخيّروا اليوم الرّمز، مبالغة في إيذاء المسلمين، فسمحت السّويد لعدوّ الله والإنسانية "سلوان موميكا"، بحرق المصحف الشّريف يوم العيد الأكبر، وذلك بعد أن تخفّفت من الضّغط التّركي الذي كان يعارض انضمامها إلى حلف النّاتو… كأنّ السّويد بلؤمها تكافئ تركيا على تغيير موقفها إيجابيّا منها… 
لم يحرّك حكّام العرب كعادتهم ساكنا، لولا استثناء مغربيّ مشرّف، تمثّل في إعطاء العاهل المغربي الملك محمد السّادس التعليمات باستدعاء القائم بأعمال السّويد بالرّباط يوم الأربعاء 28 يونيو 2023، إلى مقر وزارة الخارجيّة، واستدعاء سفير المغرب بالسّويد إلى المملكة من أجل التّشاور، دون تحديد تاريخ لرجوعه إلى ستوكهولهم…
إنّها لخطوة جيّدة تترجم لدى المتهوّرين العنصريّين ولدى حكوماتهم، أنّه لازال بالعالم الإسلاميّ من يدافع عن بيضة الإسلام!.. ولو اقتدى الرّؤساء والملوك والسّلاطين بالعاهل المغربيّ؛ لرأينا ربّما إقلاعا عن هذا السّلوك الشّاذّ المغرق في الكراهية وفي احتقار رموزنا والاستهزاء بجموعنا!..
لقد حاولوا إذلالنا في المهاجر لمّا اطمأنّوا إلى فتور العلاقة بين النّاس وحكوماتهم وكياناتهم، وقد وجب على كلّ المسؤولين ألّا يسلموا مواطنيهم وأن يهتمّوا لكلّ ما يواجهون من اعتداءات سافرة!..
إنّنا لا نسألكم مواجهة الغرب، ولكنّنا نسألكم إيلامه اقتصاديّا كلّما سفل شواذّه في حقّنا أخلاقيّا، فإن ذلك وحده كفيل برده وانكفائه!..
نعم للتعايش باحترام، ولا للإساءة مهما كان مصدرها.
 
محمّد هرار / مغربي مقيم بالدنمارك