الجمعة 17 مايو 2024
اقتصاد

المهندس بنعطا: حذار من نقل عدوى العجز المائي إلى حوض سبو بسبب ورش ترحيل الماء نحو أم الربيع

 
 
المهندس بنعطا: حذار من نقل عدوى العجز المائي إلى حوض سبو بسبب ورش ترحيل الماء نحو أم الربيع محمد بنعطا
في حواره مع "أنفاس بريس"، حرص محمد بنعطا، مهندس زراعي وباحث في الجغرافيا، منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، على التأكيد أنه لازال الى حدود اليوم يطالب بالكشف عن الدراسة المتعلقة بالتأثير البيئي لورش نقل المياه من حوض سبو الى حوض أم الربيع، لمواجهة شبح العطش بجهة البيضاء بسبب الإجهاد المائي.
وأشار إلى أنه في غياب هذه الدراسة التي ينص عليها القانون 12.03، من الصعب الحديث عن إيجابيات أو سلبيات المشروع على البيئة والسكان. 

 
يجري حاليا إنجاز ورش هيدرولوجي ضخم لتحويل المياه ونقلها من حوض سبو إلى حوض أم الربيع من أجل إنقاذ جهة البيضاء – سطات من شبح العطش. كيف تنظر لهذا المشروع، وهل يخضع للمعايير القانونية والعلمية والبيئة ؟
أعتقد أن المشكل يكمن في الجزء الثاني من سؤالك، فكما تعلم لدينا القانون 12.03، المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، وبالتالي فكيفما كانت المشاريع الواردة في هذا القانون إلا وتخضع لدراسة تأثير البيئة، كي يكون له أساس بيئي وعلمي ويتجاوب مع أهداف القانون. مع الأسف الشديد لازلنا نجهل تفاصيل المشروع، وما دام هذا المشروع تنقصه الدراسة المتعلقة بالتأثير على البيئة، فلا يمكن الحديث عن ايجابيات أو سلبيات المشروع على البيئة والسكان، فالدراسة العلمية هي الكفيلة بجعل المواطن على بينة بشأن تأثيرات المشروع، وهي الكفيلة أيضا بتبيان ما اذا كان الممكن استعمال كميات المياه التي كانت تلقى في البحر بصفة ايجابية بما يضمن استفادة جهات أخرى. وربما قد تظهر الدراسة أنه في حالة الجفاف من الممكن أن ينتقل  الإجهاد المائي الى حوض سبو على غرار أحواض أخرى. وبالتالي لا يمكن اتخاذ أي قرار في الموضوع في غياب دراسة علمية.فالدراسة هي التي ستظهر لنا أولا كمية المياه المسموح بترحيلها دون إلحاق ضرر على حوض سبو.
ولذلك أنا أؤكد شخصيا على أهمية الدراسة المتعلقة بالتأثير على البيئة لكي نكون في مأمن من أية مفاجآت، علما أن المشروع سيكلف ملايير الدراهم ولكي نكون في مأمن من إهدار الأموال العامة في مشروع فاشل. مع العلم أيضا أن هناك حلولا أخرى مثل مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء..

لكن هناك إكراهات تضغط للجواب على مشكل الجفاف وإنقاذ مدن جهة البيضاء من العطش.هل لدى السلطات الوقت لإجراء الدراسة؟
صراحة،الإدارة أحيانا تلجأ إلى استغلال بعض الظروف الخاصة التي تمر منها البلاد، مثل ظروف الجفاف وضعف التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود. فرغم استعجالية المشروع فيمكن إنجاز الدراسة المتعلقة بالتأثير على البيئة في وقت وجيز، علما أننا نتوفر على عدد هام من المهندسين ومكاتب الدراسات، حيث يمكن إنجاز الدراسة في ظرف أسبوع فقط، وإنجاز البحث العمومي والحصول على الموافقة البيئية من إدارة حوض سبو والتأكد من خلو المشروع من أضرار بيئية، ومعرفة كمية المياه المحددة التي سيجري نقلها الى حوض أبي رقراق ثم الى حوض أم الربيع ثم حوض تانسيفت، بدل حل مشكل والتسبب في مشكل آخر. وكما قلت لك فقد طالبنا بهذه الدراسة مرارا ولازلنا نطالب بها، ولحد الآن لم نتلق أي جواب سواء من وزير التجهيز أو من أي إدارة أخرى للمياه يتم من خلاله اطلاعنا بوجود هذه الدراسة ونتائجها كي نشعر بأننا في مأمن من أية مفاجآت .
 
اذا استحضرنا بعض التجارب المقارنة بالعالم فيما يتعلق بترحيل المياه لإنقاذ بعض المناطق التي تعاني من إجهاد مائي، لماذا في نظرك تأخر المغرب في إنجاز مشاريع من هذا القبيل ؟
كميات المياه ضعيفة بالأحواض المغربية، اللهم حوض اللوكوس وحوض سبو التي  يمكن أن يكون لهما فائض. وحاليا نحن نتحدث حاليا عن ترحيل مياه واد لاو، الى حوض ملوية. ولكن السؤال المطروح هو هل استفادت الساكنة المجاورة لمياه واد لاو من مياهه، فالساكنة ذاتها تعاني من نقص في المياه وتعاني من العطش. ولهذا من الضروري الحصول على الموافقة البيئية المتعلقة بهذا المشروع قبل ترحيل المياه.
أعتقد أن تجربة ترحيل المياه من حوض سبو نحو حوض أبي رقراق وحوض أم الربيع وحوض تانسيفت تعد التجربة الأولى في المغرب، ونحن نتمنى أن ترتكز على معطيات علمية وبيئية وقانونية .
 
كيف ينبغي التعاطي من وجهة نظرك، مع موضوع الإجهاد المائي وإهدار الثروة المائية  في المغرب ؟
 سبق لخريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة أن أعدوا دراسة مهمة بهذا الخصوص والتي أكدت بأننا تصرفنا بطريقة غير معقلنة وبأننا بحاجة ماسة الى حكامة في تسيير الموارد المائية. فلا يمكن إنجاز كم هائل من المشاريع يفوق حجم الموارد المائية، وهذا ما عشناه، مثل الشخص الذي يرتدي ثوبا يفوق مقاسه وبالتالي لن يكون مواتيا له. فنحن نعاني من إجهاد مائي ونعاني من نقص في التساقطات المطرية نتيجة التغيرات المناخية، وحاليا يتبين بأن مواردنا المائية تعاني من نقص يصل الى 20 في المائة، ويرتقب أن نعاني في أفق عام 2030 و 2050 من انخفاض في الموارد المائية قد يصل الى 30 في المائة. 
 السياسات العمومية في المغرب ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات العلمية أثناء إنجاز المشاريع الفلاحية والصناعية والسياحية، وللأسف الشديد فرغم كون الخطاب الرسمي يقر بوجود إجهاد مائي نجد أن الأراضي المسقية ازدادت توسعا، مما نجم عنه خصاص في المياه وهذا غير معقول، والحمد لله  فالتساقطات المطرية الأخيرة من شأنها إنعاش السدود والفرشة المائية التي تعد خزانا استراتيجيا ينبغي الحفاظ عليه لفائدة الأجيال المقبلة، وتجنب استنزافه من طرف حفنة من الفلاحين عبر الزراعات المسقية الموجهة للتصدير نحو الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا وتحقيق الثروة على حساب الموارد المائية للشعب الذي قد يجد نفسه مهددا بالعطش في وقت معين دون إغفال آثار ذلك على البيئة .
 
تعاني الجهة الشرقية من خصاص مائي أكثر من باقي المناطق، فما هي انعكاسات ذلك على الأنشطة الاقتصادية وعلى الإنسان والبيئة في هذه المنطقة ؟
الجهة الشرقية وعلى غرار باقي الجهات في المغرب سجلت نقصا في التساقطات المطرية، كما تعاني من استنزاف مواردها المائية، لدرجة أنه وصلنا الى نسبة لا تتعدى 5 في المائة من مخزون سد محمد الخامس، علما أن الأمر يتعلق بأكبر سد على نهر ملوية. والحمد لله بعد التساقطات المطرية الأخيرة انتعش هذا السد ووصلت حقينته  الى 40 في المائة. إن المشكل الأكبر هو استنزاف الفرشة المائية الجوفية، لدرجة أننا وصلنا الى مرحلة من الخطورة في الخصاص المائي، وهو الأمر الذي يفرض اعتماد حكامة في تدبير الموارد المائية وإنجاز مشاريع تتماشى مع مواردنا المائية. فالمشكل يكمن في أننا نقوم ببناء سدود من أجل الرفع من نسبة مخزوننا المائي وفي نفس الوقت نقوم بتوسيع مساحة الأراضي المسقية. وبالتالي بدل أن توظف هذه السدود كآلية لتخزين المياه، تحولت الى آلية لتلبية طلب الأراضي المسقية، مما تسبب في استنزاف مخزون المياه من السدود، ثم المياه الجوفية، دون إغفال المساعدات والدعم الذي قدمته الدولة من أجل استعمال الطاقات المتجددة في السقي وآثار ذلك على مخزوننا من المياه الجوفية، حيث نزلت الفرشة المائية بالجهة الشرقية بشكل عام إلى مستوى ينذر بالخطر .
 
بمعنى أن توسيع المساحات المسقية يؤدي بشكل ما الى تعطيل الوظيفة التي بنيت من أجلها السدود أي تخزين المياه ؟
تماما..هذا هو الخطر الكبير.. ففي سنوات الستينيات كنا نتحدث عن موارد مائية تقدر ب 22 مليار متر مكعب في السنة وحاليا الموارد المائية لا تتعدى 18 مليار متر مكعب وفقا للأرقام الرسمية، والمواطن المغربي كان يتوفر على حصة تصل الى 2500 متر مكعب في السنة من المياه، وحاليا حصته وفقا للتصريحات الرسمية أقل من 600 متر مكعب في السنة..بمعنى أننا اقتربنا من 500 متر مكعب في السنة هو مؤشر خطير حسب الأمم المتحدة ويعني دخولنا الى منطقة حمراء، وبالتالي اذا كنا نبني السدود فينبغي كذلك تبني الحكامة في تدبير الموارد المائية بصفة معقلنة وتجنب التدبير بكل أشكاله، وتوعية المواطن من أجل تغيير العقليات لكي يدرك الجميع بأنه لما يفتح الصنبور فإنه يستهلك مياه تعد بمثابة ملك عام للمغاربة نحن بأمس الحاجة إلى الحفاظ عليه، كما أن الأنشطة الفلاحية والصناعية والسياحية ينبغي عليها أن تستعمل المياه بصفة معقلنة، فمن غير المعقول أن نستهلك نصف مواردنا المائية في السقي وفي إنتاج الماء الصالح للشرب .