الخميس 6 فبراير 2025
فن وثقافة

تطوان: على نهج التنوير والانفتاح.. كلية أصول الدين تجدد العهد مع الشيخ التهامي الوزاني!

تطوان: على نهج التنوير والانفتاح..  كلية أصول الدين تجدد العهد مع الشيخ التهامي الوزاني! من اليمين، الأساتذة: أشمل، السعود، الحسيني، الرحموني، السلمي، حربول
إحياء للذكرى 60 لتأسيس كلية أصول الدين بتطوان، وفي يوم جادت فيه السماء غيثا، وفي لحظة عاد التاريخ إلى بدايات التشكل، فتم طي الزمن طيا في رحلة الإحاطة بمهاد لحظة الميلاد والانبعاث، في سياق معادلة لحظتي زمن الحماية الإسبانية، وعهد الاستقلال، وبعوالم  الانشغال السياسي الفكري فيهما، كانت مشاركة الأساتذة: جعفر ابن الحاج السلمي، وعبد العزيز السعود، ومحمد بلال أشمل، والباحث حكيم حربول، والتي شكلت مدار ندوة علمية في موضوع:" قراءة في التراث الفكري لأول عميد لها ،الشيخ العلامة الأستاذ التهامي الوزاني رحمه الله" ،وذلك يوم الأربعاء 17 ماي 2023 ،بقاعة الندوات والمؤتمرات بالكلية.
هذه الندوة التي ترأسها نائب العميد، الأستاذ محمد زين العابدين الحسيني، والذي وضع الحضور في صورة إطار الندوة، والمشاركين فيها، تناول كلمتها الترحيبية، عميد الكلية الأستاذ عبد العزيز الرحموني، الذي اعتبر هذا الاحتفاء مناسبة عظيمة، لا بد منها لهذه الكلية، للحديث عن 60 سنة من عطاء العلم الشرعي،وحفظ الدين،وحفظ العقيدة والثوابت الوطنية. ومنذ تأسيسها 1963 وهي منارة للعلم ومورد للمعرفة في العالم العربي والإسلامي. تخرج منها كبار العلماء. ومن طلبتها من هم الآن أساتذة بها.وبهذا تظل هذه المدينة التاريخية تطاون، معقلا للمعارف والعلوم الدينية.
واعتبر أن  ندوة اليوم، وهي تندرج في سياق التعريف بالإسهامات العلمية لعمداء الكلية السابقين، ستتولى مطارحة إسهامات العميد المؤسس العلامة الشيخ التهامي الوزاني(1903-1972)، الذي يعتبر أحد رجالات تطوان الكبار، شكل بحضوره، ذاكرة للعمل الوطني، وللمدينة، وللكلية برع في مجال الكتابة، وتنوعت موضوعاته، في التاريخ، والسياسية والترجمة والتصوف، وتنوعت اهتماماته من العمل الجمعوي،والسياسي والتربوي والصحفي، ورئاسة المجلس العلمي.
الأستاذ جعفر ابن الحاج السلمي اعتبر من جهته، تأسيس الكلية 1963، هو تجديد للمعهد الديني العالي الذي تأسس في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي،والذي كان التهامي الوزاني  أول شيخ له. كما كان أول عميد له بصيغة كلية أصول الدين التجديدية.
وذكر السلمي بسياق تأسيس المعهد الديني العالي في مرحلة الحماية الإسبانية،بحاجة الإسبان إلى نخبة مكونة محليا، عوض لجوء النخبة التطوانية والجبلية والغمارية والريفية للدراسة في فاس، لحساسية المنطقة الفرنسية لديها من جهة، وخوفا من تداعيات العمل الوطني من جهة أخرى. لكن الشيخ التهامي الوزاني حرص على التوجه الوطني للمعهد الديني.
واعتبر السلمي أن الشيخ التهامي، كان في شخصيته،صعب الفهم من مجايليه، مما يظهر من تناقضات الثنائيات لدية.فهو وزاني،لكنه درقاوي حراقي. وهو بهذا الوصف،لكنه وكيل حزب الإصلاح الوطني. وعوض الدفن في المقبرة، أوصى بأن يدفن في داره..
وفي إنتاجه الفكري، له كتابات فلسفية هي من بواكير الكتابات الفلسفية بالمغرب. وهو أول مؤرخ للحركة الوطنية المغربية، له رؤية للتاريخ. انتصر لابن تومرت، في مقابل عبد الله بن ياسين. وهو أحد مهندسي عصر "الانتباه" بالمغرب. كان واعيا بمحدودية المشاريع الجنينية للبعثات الحسنية،والبيعة الحفيظية، والحركة الدستورية، والتيار السلفي..
أما الأستاذ عبد العزيز السعود، فقد اعتبر التهامي الوزاني شخصا عصاميا، وشخصية مبهرة، ذات أبعاد، وانشغالات شتى. كان أديبا وناقدا ومؤرخا.قام بتعليم بنته مع الذكور وهي متنكرة، وكان يصطحب زوجته إلى السينما.
وأشار السعود إلى جوانب من فكرة والمتعلق  بالجانب الفلسفي وعلم النفس والأخلاق، وقد اعتبره محمد عزيز الحبابي، كبير فلاسفة المغرب في وقته. وتوقف عند شرحه للصلاة المشيشية  على بسطه لشخصية مولاي عبد السلام. ومسألة الرفق بالحيوان. والغرائز عند الكائن الحي.
وأشار السعود في ختام مداخلته إلى بعض نوادر الشيخ، والمتعلقة بأسلوبه في العمل الوطني الذي يقطع مع هاجس السرية، وكذلك تعامله المتسامح مع رموز الديانة المسيحية، وتمثله لمفهوم العدل في التطبيق، و"تسبيح " دخول السينما!
أما الأستاذ محمد بلال أشمل، فقد اختار الوقوف على جانب اعتبره "جُمّع تناقضات"، ويتمثل في اشتغاله بالترجمة.ليقدم في شأنها لُمعا ولمحات. وقد اعتبر أن اشتغاله بهذا الضرب المعرفي، كان لدواعي علمية وسياسية وثقافية أملتها من موقعه، التحديات الدينية والوطنية والهوياتية. ثم قام برصد تجليات الأفق القشتالي لديه، من خلال تعلم الإسبانية مشافهة، ووضعه لنصوص باللسان الإسباني. وعنايته بصناع العقلية الإسبانية كبلاسيوس، حيث كان ينوه بعظيم أعماله. وترجمته لنصوص من الإسبانية إلى العربية لفيكراس. وترجمة قطعة من رواية الكيخوطي، وترجمة الأدبيات الماسونية. وترجمة البيان العسكري لانقلاب فرانكو.. 
أما الباحث حكيم حربول، فقد اختار الوقوف على انشغال الوزاني بالتفسير. فبعد استعراضه الإشكالات التمثلية المرتبطة بتدريس التفسير، وتنصيص مناهج التدريس بعد ذلك، على جعله مستقلا. وقف على تفسيره"الرفرف"، وعلى  مختلف مصادره في ذلك، بما فيها بياضاتها، وكذا المصادر الأجنبية.
وكذا الإشارة لمنهجه في استكناه سنن الله من خلال الآيات، مع استحضار الراهن المجتمعي،ورهانه على أن تكون  لغة التفسير مناسبة للعصر. بالإضافة إلى موقفه الإيجابي من التماثيل والصور، ونقده الروايات التي لا تنسجم مع العصر، وكذلك نقدة لبعض الطوائف الصوفية..
وفي باب النقاش-وضمن حضور وازن، من أساتذة الكلية، والطلبة والباحثين، والفعاليات المدنية والمجلس العلمي وعائلة إلتهامي الوزاني-كان أبرز المتدخلين، الأستاذ رضوان احدادو، من رواد العمل المسرحي والسياسي بتطوان.حيث قدم شهادته حول سلاسة التهامي الوزاني في التعبير، مع تأكيد ما قاله الفيلسوف عزيز الحبابي في حقه. وأيضا علاقته بالموسيقى والمسرح..
وبهذا الاحتفاء بعميدها المؤسس، تكون كلية أصول الدين قد جددت العهد مع الشيخ التهامي الوزاني، على نهج التنوير والانفتاح. وبهذا تكون قد دشنت تعاقدا جديدا مع محيطها الحيوي!.