الخميس 6 فبراير 2025
فن وثقافة

كوكاس: عن عبير عزيم وأنا و رواية "شمس بحجم الكف" وما تساقط من متاع الأدب

كوكاس: عن عبير عزيم وأنا و رواية "شمس بحجم الكف" وما تساقط من متاع الأدب عبد العزيز كوكاس وعبير عزيم
عبير عزيم طفلة يانعة، احتفت بسنها الرابعة عشر لحظة صدور روايتها الأولى، أعتبرها مفخرة مغربية بامتياز، برغم كل الكتابات التي ربطت اسمها باسمي، وهو فخر كبير لي، إلا أنني أحب أن أوضح بعضا مما يجب أن ننصف به أصغر روائية عربية، هذه العبير العزيم، التي جاءت إلى عالم الكتابة الإبداعية بفضل والد من جنودنا الأشاوس من حماة الوطن، متواضع، خجول، محب للظل، وقدم الشيء الكثير لتينع هذه اليراعة بيننا بالكثير من نكران الذات والتضحيات الجسام، وأم استثمرت حبها وجهدها في تربية وتعليم وتتويج عبير عزيم، امرأة مربية تعيد لنا الثقة في المؤسسة التعليمية بالمغرب، لأنها تقوم بدورين: فهي والدة ومعلمة لعبير عزيم.. وبفضل الجهود الجبارة لعبير التي تعتبر أشبه بالعملة النادرة..

كيف حدث اللقاء بهذه الفتاة النجيبة والقارئة النهمة، في زمان لم يعد فيه الكتاب خير جليس؟
اتصلت بي ذات الأيادي الجميلة على الكثيرين، مريم أبوري من فرنسا، وحدثتتني عن مشروع رواية ليافعة واعدة تبحث عن دار للنشر بعد أن أحاط بها الكثيرون ممن لا تثق بهم، ولأنني أثق في ذكاء هذه النبيلة مريم، فإني -وهي لا زالت حية ترزق- قلت لها طلباتك أوامر، ارسلي لي النص وسأرى... ولأنها وسيط خير بلا انتظار اي مردود.. فقد قالت لي إن عبير وأمها سيتصلان بك في الموضوع...

في البداية حدثتتني الأم عن عبير ومشروعها السردي وبعدها اتصل بي الأب الذي عاد لتوه من الصحراء، فالتمست منهما إرسال رواية عبير، وبعدها سنرى.. توصلت بالرواية التي كان عنوانها في البداية هو "مختلفون ولكن.." أحلت نسخا منها على لجنة القراءة بمنشورات النورس، وأستسمحهم في إفشاء هذا السر كما أفشى مجانية الطبع العزيز عبد الرحمان الغندور برغم أني لم أكن أود كشفه، وبدأت -برغم ضغط الوقت والمهام المتراكمة بين يدي وبفضول قل نظيره-في مطالعة ما خطته يدا هذه الكاتبة الصغيرة، والحق أقول لكم، أني انسقت وراء سطورها، ألتهم فقراتها وفصولها بنهم حتى وقت متأخر من النوم.. شدتني التفاصيل، أسلوب مليئ بالتأملات الطّفلة العميقة، والأسلوب الشاعري، شكل بناء الشخصيات، وفرادة الموضوع الإنساني الذي تتناوله، وطبيعة الرؤية السردية التي تحكم البرنامج السردي لعبير عزيم بلغة غريماس.  وزاد من حجم هذا البعد تزكية الصديقة الجليلة رشيدة رقي لعبير عزيم التي كانت قد نالت جائزة أكبر قارئة مغربية لذى شبكة القراءة، التي أعتبر أن لها ايادي جيلة في اكتشاف هذه الموهبة في قلب الهامش العميق للمملكة.

فقررت- والله يعلم حجم الكلفة بلا دعم من أي مؤسسة لا عمومية ولا خاصة- بالمغامرة بطبع رواية "شمس بحجم الكف"، بل لم أشترط أي شيء في التعاقد مع أسرة عبير عزيم لامتلاك حقوق النشر لفائدة منشورات النورس، والحق أقول لكم إن أسرتها أيضا كانت بمستوى كبير من النبل، قد لا يتفهم الكثير من الناشرين أنه لا يجمع حتى اليوم اي عقد بين عبير عزيم ومنشورات النورس غير عقد فريد من المحبة والصدق والثقة والوضوح... لسبب بسيط هو أنني أعتبر أن أكبر ربح لنا هو هذه العبير عزيم الكاتبة الناشئة ذات الطاقة الواعدة، والباقي هباء.

سابقت قرار لجنة القراءة التي لا تحتكم للسن بل لجودة المنتوج الإبداعي المقدم، وغامرتُ بالموافقة على النشر مجانا، بل أن تستفيد عبير عزيم من نسبة مهمة من أي مبيعات-ولو أني أعتبرها متواضعة ولو أن أكبر الكتاب المغاربة لا يحصلون عليها من أفضل وأقوى دور النشر بالعالم العربي- لأنني أعتبر حقا مفخرة أن تكون منشورات النورس سباقة لإبراز موهبة مغربية واعدة تستحق منا كل التقدير والابتهال، قبل الرعاية والحذب، ولا يمكنني هنا سوى أن أنوه بالسيد عبد المجيد مدير مطبعة دار القلم بالرباط الذي استحمل ضغطي لإخراج الكتاب في زمن قياسي وعمل صحبة عمال المطبعة حتى في أيام العطلة، وأنا وعبير كلنا ممتنين له ولأياديه الجميلة.

وكم كانت دهشتي كبيرة حين توقيع كتابها بالمكتبة الوسائطية بمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالبيضاء، أن أكتشف أن شخوص رواية عبير عزيم كانت كائنات من لحم ودم: الجد عبد الرحمان بوطيب الذي آوى العائلة وأشرف على تنظيم اللقاء، والطفل زكريا البهي ورسمه البالغ الرفاه حول الصعود إلى الفضاء ومريم أبوري وآخرين... حيث لا أخفيكم أني عشت ما يشبه نقل الرواية إلى فلم سينمائي مشخص أمامي وكنت ربما المتفرج الوحيد الذي يحاول فهم ما يحدث ويقيس الحجم الحقيقي بين الخيال والواقع في ذهن طفلة لم تكن قد بلغت يومها عامها الرابع عشر..

ولا يمكن أن تفوتني هنا الإشادة بالتقاط وزيرة  التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة عواطف حيار لمغزى الحدث واستقبال أصغر كاتبة عربية لمدة قاربت الساعتين وتعبيرها عن مساندتها ودعمها، في سابقة من نوعها، ولا يهمني شخصيا سوى الالتقاط الذكي لوزيرة لمجهود فتاة واعدة وتكريم عبير عزيم بما يليق من النبل والتقدير..

لا يمكن اختزال رواية عبير في الحديث عن موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أن"شمس بحجم الكف" هي رواية عميقة بأبعاد تأملية تهم قضايا وجودية كبرى، مثل الألم والأمل، التحدي واليأس... وعبير عزيم في تقديري روائية ذات خيال جميل تعد بالكثير، لا يمكن النظر لما كتبته من زاوية الشفقة للموضوع الذي تحدثت عنه بجرأة، ولا من زاوية التضامن مع طفلة صغيرة، بل من زاوية قدرتها الإبداعية الكبيرة التي تعد بالكثير، إنها في تقديري مثل السنونو الذي يبشر بالربيع، إنها الوردة التي تعد بفصل كامل من الربيع.. هذا ما أشتهيه. ويكفيني فخرا أن تكون لي يد صغيرة للدفع بطاقة إبداعية واعدة كبيرة من حجم عبير عزيم. والباقي محض هباء.