الثلاثاء 30 إبريل 2024
اقتصاد

موسى المالكي: السيادة الغذائية رهينة بحماية البذور المحلية ودعم الفلاحين الصغار

موسى المالكي: السيادة الغذائية رهينة بحماية البذور المحلية ودعم الفلاحين الصغار موسى المالكي، أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتجية
اعتبر موسى المالكي أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس الرباط، ورئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، في حوار إذاعي بأن ترأس الملك محمد السادس اجتماع العمل المخصص لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، يعد مصدر طمأنة لجميع المغاربة، أمام القلق المناخي الذي تثيره توالي سنوات الجفاف وتراجع التساقطات المطرية. وقد عكس بلاغ الديوان الملكي حول هذا الاجتماع، يعكس الرؤية الاستراتيجية والاستباقية من طرف أعلى سلطة في البلاد، حول قطاع الماء الإستراتيجي، سواء تعلق الأمر بتوفير الماء الشروب بالأرياف والمدن، أو مياه السقي.
 
والجدير بالذكر بأنها الجلسة الثالثة التي ترأسها ملك البلاد حرصا على الأمن المائي للمغاربة، في ظل الوضعية المناخية الاستثنائية، بما يترجم التتبع الشخصي المباشر للملك، وحرصه على مواكبة التقييم المستمر لحصيلة تقدم إنجاز البرامج والأنشطة والمشاريع المسطرة ضمن هذه الاستراتيجية بهدف التقليل من آثار الجفاف والتخفيف من حدة انعكاساته على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
 
ويتعلق الأمر بمشاريع الربط بين الأحواض المائية، وبرمجة سدود جديدة للرفع من الطاقة التخزينية من الموارد المائية السطحية بنحو 7 مليار متر مكعب، تضاف للقدرة الاستيعابية الحالية المقدرة ب 18 مليار متر مكعب. وفي جوابه على سؤال إذا ما كان الاجتماع الثالث بمثابة رسالة إلى المرور نحو السرعة القصوى؛ وأن تحدي ندرة المياه يتطلب حلولا جذرية واقعية وعملية؟ أكد المالكي بأن هذه الاجتماعات تعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها ملك البلاد، لهذا القطاع الاستراتيجي بما لا يحتمل التأخير أو إضاعة الوقت الثمين، بل يتطلب مقاربة استباقية ومستدامة، ويحث القطاعات الوصية التي لها علاقة مباشرة بالماء، إلى تسريع وتيرة الإنجاز وتكثيف الجهود وأخد الأمور بأقصى درجات الجدية، استجابة للجفاف البنيوي الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل تزايد الطلب على الماء الشروب أو المخصص للسقي حرصا على سيادته الغذائية، ولقطاعات أخرى ضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية كالصناعة والسياحة والخدمات.
 
وحول الرفع من الميزانية المرصودة للبرنامج الإستعجالي للتخفيف من تبعات الجفاف ؟ وأهمية اتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من الزراعات المستنزفة للماء؟ يقول الخبير المالكي أن الإمكانيات المالية متوفرة، وتم الرفع من هذه الميزانية مقارنة بالسنة الماضية لتبلغ 143 مليار درهم، وهي ميزانية تستجيب لاحتياجات التخفيف من آثار الجفاف.
 
لكن في المقابل، يتوجب التأكيد على ضرورة واستعجالية إيلاء عناية خاصة بالفلاحين الصغار باعتبارهم الأكثر تضررا، والأقل صمودا أمام حدة وتوالي سنوات الجفاف وتدهور المراعي وغلاء الأعلاف ونقص مياه السقي. وبالتالي يتوجب حماية وإنقاذ قطعانهم من الهلاك. ونظرا لكون الفلاحين الصغار والمتوسطين يقعون في صميم تحقيق السيادة الغذائية المرجوة، وذلك عبر الرفع من كميات الأعلاف التي توزع بثمن تفضيلي بالمقارنة مع السنوات الماضية، وتنويع سلة الأعلاف الموزعة بثمن تشجيعي، بحيث تشمل موادا أخرى وكميات أوفر وبعتبات واضحة وتوزيع محكم لا يترك هامشا لاستفادة غير المستهدفين. علما أن المراعي في المغرب تدهورت بشكل شديد دفع بالعديد من الفلاحين للتخلص من قطعانهم (أجبرت السلطات على إصدار تعليمات بعدم بيع العجلات المنتجة للحليب إلى الذبح).
 
وكمقاربة استراتيجية، يضيف المالكي يتعين مراجعة عميقة للخريطة الفلاحية الحالية، بحكم تأثيرها المباشر على استغلال الموارد المائية، فالقطاع الفلاحي يمتص 87%  من الماء المستهلك في المغرب. هذه الخريطة الجديدة، مطالبة بتقليص الزراعات الأكثر استنزافا للماء، كالحوامض والفراولة والأفوكا والفواكه التكميلية، خاصة منها تلك الموجهة للتصدير، والتركيز في المقابل على توسيع الزراعات التي تلبي احتياجات السوق الداخلية المغربية. 
 
ويتوجب التنبيه لملء الثغرات المحتملة ضمن سلسلة البذور، لأنه لا يمكن الحديث عن سيادة غذائية، بدون التوفر على بنوك كافية واستراتيجية من البذور المحلية، لأن اللجوء للإستيراد يضعنا أما مخاطر مقايضات وتقلبات الأسواق الدولية. والمغرب يمكنه الرجوع إلى مزروعاته المحلية الأصلية وأصنافه الحيوانية المتوارثة للحفاظ على سيادته الغذائية، وتشجيع المنتوج المحلي مع ما يتلائم والخصوصيات الجغرافية والبيئية لترابه الوطني.
 
ويعتقد المتحدث أن المغرب أمام أدوار إقليمية جديدة ضمن محيط قاري ودولي وإقليمي شديد التوتر يؤهله للعب أدوار كبرى ضمن منظومة الغذاء الدولية، وقد أبان المغرب عن إرادة سياسية حقيقية لخدمة القارة الإفريقية، عبر ترسيخ التعاون جنوب – جنوب، بما يطور القطاع الزراعي لدى الدول الإفريقية، ومزارعيها ويحقق سيادتها أمنها الغذائي. في هذا الإطار، يتوفر المغرب  على 75 % من الاحتياطات العالمية من الفوسفاط، ويعتبر ضمن 5 أكبر مصدرين في العالم للأسمدة الزراعية. ويتوفر المغرب على رصيد عريق من تجارب السياسات الفلاحية، منذ حصوله على الإستقلال، انطلاقا من جهود المرحوم محمد الخامس "عملية الحرث الجماعي والمكننة والإصلاح الزراعي"، وتعززت مع المغفور له الحسن الثاني، الذي قاد سياسة السدود منذ 1970 وصولا إلى حرص الملك محمد السادس على تحقيق السيادة الغذائية للبلاد، وقيادة مشاريع مبتكرة تهم استغلال المياه غير التقليدية بواسطة محطات تحلية مياه البحر. وأكد الخبير موسى المالكي، بأن المغرب واع جدا بأن إشكالية المناخ باتت جذرية وبنبوية وأن الاتجاه بات نحو استغلال المصادر غير التقليدية. وقد حبا الله هذه البلاد، بهذا الموقع الاستراتيجي الذي يعطيها السيادة والأمن المائي، لأنها تشرف على موارد غير تقليدية وغير محدودة، متمثلة في مياه البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الأطلنتي غربا (3500 كلم من السواحل). وتسعى البلاد إلى إحداث 20 محطة لتحلية مياه البحار ومحطات لإعادة استعمال المياه العديمة، خاصة وأن السدود تواجه حاليا إكراهات عديدة تتعلق بالتوحل والتبخر الشديد لمخزونها والتلوث، كما أن المغرب يعيش انتقالا طاقيا، يمكن من تحلية مياه البحر بواسطة مصادر طاقية متجددة ونظيفة وغير محدودة، سترفع من الكميات المنتجة وبتكلفة أقل.