الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

سعيد أكدال: حديث الزمن في الوقت الضائع

سعيد أكدال: حديث الزمن في الوقت الضائع سعيد أكدال
منذ نعومة أظافرنا ونحن نسمع من آبائنا وأمهاتنا وعشيرتنا أحاديث عن الوقت، وطيلة مشوارنا الدراسي ظل فقهاؤنا وأساتذتنا يحثوننا على احترام هذا الوقت. ومن بين الأمثال المأثورة التي ترددت حولنا حتى حفظناها عن ظهر قلب أن " الوقت من ذهب " وأن " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ".
الشديد، إن واقعنا، كواقع جل البلدان العربية والإفريقية، يجسد لنا في كل لحظة تمر أمام أعيننا صورا معبرة عن وضع يدمي القلب، وضع نتفرج من خلاله على فصول ومشاهد مسرحية احتضار الوقت، ولعله احتضار مجتمع بكامله حتى وإن بدا حيا يرزق.
وقتنا أضحى اليوم معدنا رخيصا لا قيمة له ولا طالب لشرائه، وسيفه راح يقطعنا أشلاء ونحن كجلمود صخر لا رد فعل صادر عنا ولا إرادة داخلنا تحدث ثورة تبعث فينا انتفاضة على ذواتنا، فتدفع بنا إلى إعادة تشكيل واقعنا من جديد، ومن ثمة صناعة مجتمع مؤسس وفق ما سمعناه منذ نعومة أظافرنا وما تعلمنا من فقهاءنا وأساتذتنا.
لا جدال أن موضوع الوقت وطرق تدبيره من المواضيع المستهلكة بكثافة، وقد كتب عنه الكثير بكل اللغات، فالساحة الفكرية العالمية والمحلية تعج بالكتابات المتعددة المشارب والمتباينة المقاصد. وما عودتنا لمثل هذا الموضوع إلا بسبب ما أصبحنا نعاينه من تنامي للأخطار التي تتهدد مجتمعنا في بعده الوقتي.
وقد لا نكون مخطئين إذا ما قلنا إن درجة تقدم أو تأخر أي مجتمع يمكن قياسها انطلاقا من قياس تدبير الوقت، وخاصة الجزء الضائع منه لدى كل مجتمع. وقد لا نكون مخطئين إذا ما ذهبنا إلى القول إننا أصبحنا نلاحظ أن إهدارنا للوقت قد تزايدت سرعته وقوته. وما تنامي عدد المقاهي إلا مؤشر على هذا الإهدار.
لقد تزايدت المقاهي بشكل مثير للانتباه خلال السنوات الأخيرة، إذ في أقل من عقدين انتقل عددها من 000 200 مقهى سنة 2011 إلى 000 250 مقهى حاليا، 000 20 منها في الدار البيضاء بمفردها. في حين أنه على مستوى فرنسا، تراجع العدد من 000 200 مقهى في سنة 1960 إلى حوالي 500 38 حاليا. وهذا التراجع مرتبط بعدة اعتبارات، ولعل أبرزها تزايد انشغال أفراد المجتمع الفرنسي واستغلال الوقت الثالث في أمور مفيدة وبعيدة كل البعد عن التبذير.
بينما يعمل الكثير منا عن وعي أو عن غير وعي على إهدار وقتهم، ويساعدهم انتشار المقاهي على هذا الإهدار الذي إن نظر إليه من منظور اقتصادي صنف كتبذير مالي بكل تأكيد، وهو ما تعبر عنه المقولة الغربية " الوقت هو المال "(MONEY TIME IS).
بل نراه نحن الحياة برمتها ولا نختزله في المال. إنه أثمن من أن نتركه فريسة الخمول والتقاعس واللا عمل.
لا نشك البتة في دور المقهى وإيجابياتها. فعلاوة على أنها فضاء ترفيهي يساعد على الترويح عن النفس وعلى استراحتها، فهي ذلك المكان الذي يتحقق بفضله التواصل الاجتماعي والتقارب الثقافي والتبادل المعرفي.
غير أن المقهى اليوم باتت تمثل الملجأ السهل لتمضية الوقت في اللاشيء وفي اللهو وفي أكل لحم الإخوة ميتين. إن مساوئها أضحت تفوق محاسنها لأن دورها الحقيقي أخذ في التلاشي، فتحولت لأخطر تهديد لمجتمعنا في بعده الزمني.
فكان من الضروري إعلان الحرب على هذا التحول الزائغ عن جادة الصواب. وبات من اللازم البحث عن سبل الخلاص، وذلك بتبني الوصفة الأفضل لاستثمار الوقت، وبالتالي المساهمة في بناء المواطن النافع لنفسه أولا، ثم لمجتمعه ثانيا.
وتقترح العديد من الكتابات كما هائلا من الوصفات للتعامل مع الوقت وتدبيره على الوجه الأكمل. لكن هذا الكم من الوصفات يزج بالقارئ في دروب التيه نظرا لصعوبة اختيار الوصفة المناسبة، هذا فضلا عن كون أنه ليس هناك وصفة قارة وصالحة للجميع وفي كل مكان ولكل زمان، فالعلاقة بالوقت تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
ولعل مرجعيتنا الإسلامية قادرة على تخليصنا من الارتباط بتلك الوصفات التي تقدمها كتابات الغرب والشرق على حد سواء.
إن للوقت مكانة مهمة في الإسلام، وقد يطول بنا الحديث إذا ما رغبنا في الوقوف عند الموضوع بالشرح والتحليل. إلا أن ما نود التركيز عليه في هذا الشأن، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الوصفة المثالية، والتي يلخصها الحديثان الشريفان:
1-" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك "؛
2-لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟وعن علمه فيم فعل فيه؟وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟وعن جسمه فيم أبلاه ".
فجل ما أشار إليه هذان الحديثان له علاقة وطيدة بالبعد الزمني. فلو أننا أمعنا النظر فيما أوصانا به رسولنا الكريم، ثم حاولنا تبنيه كوصفة لتأتى لنا التدبير الحق لوقتنا ولتحقق لدينا المراد ولتمكنا من تفادي ضياع زمن مجتمعنا برمته. إن الوقت أثمن من نسلمه للتبذير.
 
سعيد أكدال، متصرف ممتاز جماعي متقاعد
وكاتب مهتم بالتمدين والشأن المحلي