الاثنين 6 مايو 2024
منوعات

علام الخيل بقبيلة "الوناسدة" محمد بن طلحة الذي علم بتوقيت موته

علام الخيل بقبيلة "الوناسدة" محمد بن طلحة الذي علم بتوقيت موته مولاي أحمد بلبهلول( يمينا) والفقيه بن طلحة محمد بن عبد العظيم وعلام الخيل سي محمد(يسارا)
بعض الناس لا يكسبون قوة يومهم، وليست لديهم مداخيل قارة أو عقارات وأراضي فلاحية، ولا يملكون رؤوس أغنام وأبقار تنتج لهم ما يواجهون به صعوبة الحياة، لكن مع ذلك تبدو عليهم نظرة الوقار، والشهامة والعفة، وعزة النفس، حيث تجد كل من عشارهم وصاحبهم، إلا ويحترمهم ويجلهم، من خلال مواقفهم وأسلوب حياتهم في علاقة مع محيطهم الاجتماعي والإنساني، خصوصا إذا كانوا من شريحة البَّارْدِيَّةْ مْوَالِينْ الْخَيْلْ.
جريدة "أنفاس بريس" تدرج نموذجا لشخصية تنتمي لعالم القناعة والعفة، أحبها الناس واحترموها وقدروا مواقفها الإنسانية رغم قلة ذات اليد. فكل عشاق ومحبي الخيول وفن التبوريدة بإقليم قلعة السراغنة (قبيلة الَوْنَاسْدَةْ) إلى جانب الجمهور، ممن صادفوا الْعَلَّامْ سِّي محمد بن طلحة، وشاهدوه على صهوة الحصان بلباسه وزيه التقليدي. الجَّلَّابَةْ والسَّلْهَامْ والَعْمَامَةْ تعتمر رأسه، ويتأبط بندقية البارود ودليل الخيرات يتدلى جرابه الجلدي على خاصرته...كانوا يعتقدون أنه من علية القوم ومن أعيان القبيلة. لكن الحقيقة أن الرجل كان رحمة الله عليه غنية النفس. كان رجلا قنوعا وخدوما.
في هذا السياق يشهد مولاي أحمد بلبهلول بلسانه حين أكد بقوله: "كُلْ مَنْ الِّلي شَافْ السِّي محمد بِلِبَاسِهْ الأَنِيقْ (الجلابة والسلهام..) والابتسامة الدائمة على وجهه. سواء أثناء التبوريدة أو في الشارع العام يعتقد أنه من الأغنياء الكبار بقبيلة الْوْنَاسْدَةْ. وهو فعلا كان كذلك... لكنه كان حقيقة من أغنياء النفس".
وأوضح مولاي أحمد بلبهلول أن علام الخيل سي محمد كان رحمه الله ينتمي إلى عائلة تنحدر من قبيلة الَوْنَاسْدَةْ التي أنجبت العديد من الفقهاء والأولياء وحفظة القرآن الكريم، من بينهم عمّه الفقيه البركة بن طلحة الذي كان إماما ومدرسا لكتاب الله بمدرسة "الَوْنَاسْدَةْ".
يحكي مولاي أحمد بلبهلول نقلا عن الرواية الشفهية أن الفقيه البركة بن طلحة واسمه هو محمد بن عبد العظيم كان من بين تلامذته طفلا صغيرا مميزا بعينين زرقاوين، وكان يخاطبه دائما أثناء الدرس لتحفيزه على الحفظ والقراءة والانتباه قائلا له: (قْرَا وَنْتَا عْوِينَاتَكْ زَرْقِينْ كِي دْيَاوَلْ النَّصَيْرِينِي). أي أنه كان يشبهه بالأجنبي نظرا لزرقة عينيه.
الأغرب في قصة الفقيه والطفل صاحب العينين الزرقاوين أنه بعد احتلال فرنسا للمغرب، تم تعيين حاكم مدني على قلعة السراغنة، وبعد إقامته بالمنطقة سأل الحاكم المدني بعض الناس عن مصير الفقيه البركة بن طلحة ومدرسته المعروفة (الَوْنَاسْدَةْ). فأكدوا له أنه مازال حيا يرزق ومازالت المدرسة قائمة، فأعطى الحاكم المدني أوامره بإحضار الفقيه إلى مكتبه الخاص. (سِيرُوا عَنْدُوا قُولُوا لِيهْ. تْكَلَّمْ لِلْحَاكَمْ. وُمَا تْجِيوْ تَا يْجِي مْعَاكُمْ).
حين حضر الفقيه بن طلحة خرج الحاكم المدني واستقبله شخصيا خارج مكتبه استقبال يليق به، احتراما وتقديرا للرجل، حيث سأله عن أحواله وأحوال العائلة والقبيلة. ودون أن ينتظر كثيرا فاجأه بسؤال: "هل تذكرني؟ (وَاشْ عْقَلْتِي الَفْقِيهْ عْلَى وَاحَدْ التِّلْمِيذْ كَانْ يَقْرَا عَنْدَكْ...أُو كُنْتِي مَرَّةْ مَرَّةْ تْقُولْ لِيهْ: (قْرَا وُنْتَا عْوِينَاتَكْ زَرْقِينْ بْحَالْ دْيَاوَلْ النْصَيْرِينِي؟)
أجاب الفقيه بن طلحة: أذكره. (عْقَلْتْ عْلِيهْ).
فأكد له الحاكم المدني بالقول: حقيقة هو أنا ذاك الطفل. (أَنَا هُوَ. رَاكْ كُنْتِ عْلَى حَقْ).
وأردف سؤالا ثانيا بقوله: هل مازالت المدرسة. (وَاشْ بَاقْيَا عَنْدَكْ الْمَدْرَسَةْ؟)
فأجاب الفقيه بالإيجاب، فأكرمه الحاكم المدني (الطفل زرق العينين) وقرر أن يرسل إليه التموين للمدرسة كل أسبوع.
وبالعودة لعلام الخيل سِّي محمد (انظر صورة الفارس على صهوة الحصان)، فهذا الرجل كان يعيش على الكفاف والعفاف والقناعة، وهو من الذين يحسبهم البعض أغنياء نتيجة تعففهم وعزة نفسهم. فقد كان الرجل يمتاز بعدة خصال حميدة ـ حسب حكي مولاي أحمد بلبهلول ـ من بينها مثلا أنه في مناسبة عيد الأضحى كان يتطوع ليجمع بعض المال من أصدقائه ويوزعه على الأرامل والأيتام ليعينهم على شراء الأضاحي. وكانت زوجته تخاصمه وتواجهه بقولها: (وَاشْ انْتَ مَا عَنْدَكْ بَاشْ تْعَيَّدْ لَوْلَادَكْ. أُو كَتْعَاوَنْ فِ النَّاسْ؟ وكان يجيبها دون تردد بقوله: (عَا صَبْرِي. دَابَا يْجِيبْ الله لِينَا بَاشْ نْعَيْدُو). فيكون الأمر كذلك.
ومن أغرب الحكايات التي يعرفها كل أهل القبيلة عن علام الخيل سي محمد، هي أنه قرر ذات يوم أن يودع ويتسامح مع جميع أفراد عائلته، وأحبابه وأهله، وناس القبيلة، بحجة أنه سيموت في ذلك اليوم الذي جاب فيها بيوت الناس ليودعهم ويطلب منهم المسامحة، حيث يحكي  مولاي أحمد بلبهلول قائلا: "وَاحَدْ النْهَارْ بْدَا يْدُورْ عْلَى سُكَّانْ الْقَبِيلَةْ. وَهُوَّ فِي صِحَّةْ جَيِّدَةْ. وُكَيْوَدَّعْهُمْ...بِالسْلَامَةْ وُالْمُسَامِحَةْ. رَانِي غَادِي نْمُوتْ الْيُومْ مْعَ لَعْشِيَّةْ إِنْ شَاءْ اللهْ".
وأضاف مولاي أحمد بلبهلول أن علام الخيل سي محمد اتصل بأخيه الذي كان يقطن بإحدى المدن البعيدة عن قلعة السراغنة وقال له: "الْمُسَامِحَةْ. رَانِي غَادِي نْمُوتْ الْيُومْ". فرد عليه بالقول: "الْيُومْ نْجِي عَنْدَكْ". لكن سي محمد استفسره عن التوقيت بقوله: (وَقْتَاشْ تَوْصَلْ؟). لكن الساعة التي حددها لوصوله حسب مسافة الطريق، عجلت بجواب علام الخيل سي محمد بالقول: (مَا غَادِيشْ تَلْقَانِي !!! ).
وعن ساعة موته يحكي مولاي أحمد بلبهلول أن أسرة سي محمد كانت لحظتها تعد الشواء (القطبان/ الزَّنَّانْ) وكان رحمة الله عليه يتناول وجبة الشواء (الدَّوَّارَةْ) وفي نفس الوقت يوصي أولاده بالحصان خيرا. (تْهَلَّاوْ فِي الْعَوْدْ). كان لحظتها أولاده يردون عليه ويضحكون معه ويقولون له: "رَاكْ غِيرْ كَتْوَهَّمْ. رَاكْ بصحتك الحمد لله". لكن علام الخيل كان يرد عليهم قائلا: "لَا. أَنَا الِّلي عَارَفْ". وما هي إلا لحظات حتى بادرهم بالقول: "هَا هِيَّا جَاتْ. (يقصد الموت)، هَا هِيَّا بْدَاتْ مَنْ رَجْلِيَّا. هَا هِيَّا طَالْعَا..). كان يتكلم مع أبنائه وفي نفس الوقت يأكل الزَّنَّانْ. وبعدها قال لهم: (الْمُسَامَحَةْ) فاتكأ على جنبه والتحق بربه.