منذ مدة غير يسيرة جعل الكاتب الصحفي جمال محافظ من قضايا الإعلام والتواصل محور اهتمامه، ومن التذكير المستمر بحيوية الاتصال والتواصل في عملية البناء الديمقراطي بالمغرب موضوعا للتأمل والكتابة. منذ قدر لي معرفة جمال محافظ عن قرب من خلال مقالاته أو مداخلاته أو من خلال الأنشطة الجمعوية العديدة التي ظل ينظمها أو يشارك فيها، عرفت فيه ذلك الإعلامي المسكون بحرقة قضايا الاتصال والتواصل في علاقتهما بإشكالات التحول السياسي بالمغرب، إنه إعلامي ومناضل في ذات الآن، لذلك نلمس قوة الإيمان بالقضايا التي يترافع حولها، وغير قليل من الاندفاع أو ما أسماه إدريس اليزمي في تقديم كتابه ب"نبرة الغضب" التي تفوح من ثنايا كتاباته هذه "حفريات صحفية من المجلة الحائطية إلى حائط فايس بوك".
إنها كتابة لا تدعي لنفسها الحياد الأكاديمي ولا الوقوف في المنطقة الرمادية، لأن صاحبها منخرط قلبا وقالبا في قلب القضايا الحيوية لمجتمعه، خاصة في مجال تخصصه الإعلام والتواصل، لذلك فهي كتابة حالمة تنتقد الواقع أملا في تقدمه، تعترض على الموجود رغبة في الممكن، الأجمل والأصلح، كتابة فيها الكثير من قلق السؤال السياسي وتطور المجتمع لتورط صاحبها -بالمعنى النبيل- في قلب قضايا مجتمعه، من هنا هذه النبرة الشديدة التي نلمسها عبر ثنايا الكتاب والتي تكشف عن هوية المؤلف وانخراطه في لجّة القضايا التي يعج بها الإعلام الوطني والأسئلة الشائكة والمفصلية التي يطرحها تطوره بين الماضي والحاضر، لذلك تحضر حرقة الكلمة والتزام الكتابة بمخاض المجتمع، وحضور ما أصبح يشكل صلة الإشكالات الجديدة للإعلام في ارتباط بالتحول الديمقراطي وبتعضيد حقوق الإنسان. ولا أدل على هذا الكتاب الذي قدم له حقوقي وافتتح مساره باحتضانه في رواق الجالية المغربية بالخارج في المعرض الدولي للكتاب.
نحن أمام زخم كبير للقضايا التي يثيرها جمال محافظ في كتابه "حفريات صحفية من المجلة الحائطية إلى حائط فايس بوك"، وتعدد القضايا وتشعب المواضيع المعالجة في كتاب جمال محافظ، هناك ما يشبه محاولة تأريخ التحولات الكبرى للإعلام بين نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة بالزخم الذي شهده الحقل الإعلامي في كافة أنماطه من الورقي إلى السمعي والبصري وصولا إلى الإلكتروني، والنقاش الذي صاحب قضايا الحق في الإعلام وأخلاقيات المهنة ومشاريع الإصلاح المؤسساتي للحقل الإعلامي، وتطور المشهد الصحافي صعودا ونزولا... كل ذلك في ارتباط بالتحولات السياسيات والسياقات الاجتماعية التي عرفها المغرب في هذه المرحلة التي بقدر ما أشعبت دراسة وتحليلا ونقدا، لا تزال ملتبسة ومغرية للباحثين والإعلاميين والكتاب عامة.
ما يقرب من مائة مقالة صحافية تعرفنا عليها متفرقة في شتى وسائل الإعلام الوطني والعربي، الورقي والإلكتروني... إنها حقيقة حفريات أشبه بالسفر في زمن الصحافة الوطنية بكافة إشكالاتها وأسئلتها المتجددة.. يحملنا من خلالها الكاتب عبر زمن يمتد لأكثر من ثلاثة عقود تعتبر مفصلية في تطور المشهد الإعلامي بالمغرب في ارتباط بالتطور السياسي والاجتماعي والثقافي في هذه الحقبة التي أطلق عليها "الانتقال الديمقراطي" بالمملكة. لذلك فالمؤلف هنا إعلامي يحمل قلق تاريخ تطور الممارسة الإعلامية بالمغرب، ومواطنا متورطا في قضايا عصره خاصة في الجانب الإعلامي.
بعد آخر يلفت الانتباه في كتاب جمال محافظ هو بعد المقارنة بين أحوال إعلامنا في الحاضر وكيف كان في الماضي، مع وجود نوستالجيا للماضي عبر عنها الكاتب في أكثر من مكان بالكتاب ب"الزمن الجميل". ثم المقارنة بين وضع إعلامنا الوطني والإعلام الدولي سواء كان ذلك في الدول التي راكمت تقاليد باذخة في مجال الإعلام والاتصال، أو في دول تشبهنا سواء من حيث الموقع في ذات السلم الحضاري، أو لتشابه القضايا والإشكالات التي طرحت على الإعلام خاصة في دول المغرب الكبير، مع حضور تناول قضايا جديدة أو مستحدثة بحكم الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي وما يطرحه من تحديات كبرى على الإعلام المغربي الآن وهنا.