الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

عبدالجليل أبوالمجد: أين نحن من المواطنة الرقمية ؟

عبدالجليل أبوالمجد: أين نحن من المواطنة الرقمية ؟ عبدالجليل أبوالمجد
أردت عبر هذا المقال أن أشارك في النقاش الدائر في المغرب حول التحول الرقمي نظرا لأهمية الموضوع باعتبار التكنولوجيا مفتاح المستقبل، وأيضا نظرا لاشتغالي سابقا في الإدارة المشرفة على قطاع التكنولوجيا. وقد أتاح لي عملي في هذا القطاع الحيوي الاطلاع عن قرب على الاستراتيجيات والبرامج، منها على الخصوص "المغرب الرقمي 2013"، و"المغرب الرقمي 2020". وعند التطرق للتكنولوجيات الرقمية وثورتها يتبادر إلى الذهن سؤال أولي: أين نحن من المواطنة الرقمية؟
وقبل التطرق إلى الموضوع، يتعين الإشارة إلى أن التحول الرقمي (Transformation digitale) عبارة بات العالم يسمعها تتكرر في معظم المؤتمرات واللقاءات الوطنية والدولية. ومن المعروف أن هذا التحول يعتمد على ثلاث ركائز: التكنولوجيا والبيانات والابتكار.
وعلى الرغم من أهمية الركائز والاستعداد التقني، وكذا خطط ومشروعات التحول الرقمي، تبقى هناك عوامل مضادة له، تضع العصي في دواليب تلك الخطط والمشاريع. يتصدر تلك العوامل المناهضة الثقافية لرحلة التحول الرقمي.
وهذا بالضبط ما سأتطرق للحديث عنه هنا. بداية يلاحظ أن المجتمع المغربي يعتبر من المجتمعات سريعة التكيف مع التكنولوجيا الحديثة، من خلال وولوج شبكة الأنترنيت، إذ تكشف المعطيات عن انتشار مطرد للتكنولوجيا الرقمية، وكذا تزايد مستمر لعدد المنخرطين في شبكات الأنترنيت، خصوصا الأنترنيت المتنقل.
لكن هناك تحديات تواجه المغرب مستقبلا منها: الإبداع والابتكار الرقمي، التمكين التكنولوجي، الانفتاح على تجارب البلدان المتقدمة، تسهيل وتبسيط وصول المواطن إلى مختلف الخدمات الرقمية والاستفادة منها، وهذا في الحقيقة أمر هام وضروري. ولكن الأمر الأكثر أهمية، هو الإجابة على السؤال: هل المواطن المغربي مستعد بما فيه الكفاية للتعامل بعقلانية مع منظومة التحول الرقمي أم لا؟
في هذا الصدد، أكدت نماذج ونظريات كثيرة على أن نجاح تجارب التحول الرقمي لا تقتصر على ضمان وصول المواطنين إلى الإنترنت، والقدرة على ولوج المنصات الإلكترونية، واستكمال الإطار القانوني فقط، ولكن تطوير مهارات المواطنين أنفسهم ومحو أميتهم الرقمية أمر ضروري أيضا، فبدون هذه المهارات الأساسية ودعم الابتكار والمعرفة والمواطنة، فإن جهود الدول في التحول الرقمي قد لا تؤتي ثمارها.
هنا تأتي أهمية مصطلح المواطن الرقمي أو "المواطنة الرقمية"، والذي عرفته منظمة اليونسكو العالمية على أنه: "مجموعة من المهارات التي تمكن المواطنين من الوصول إلى المعلومات والوسائط واستعادتها وفهمها وتقييمها واستخدامها وتبادلها، وذلك باستخدام العديد من الأدوات بأسلوب أخلاقي وفعال للمشاركة في الأنشطة الشخصية والمهنية والاجتماعية".
ومفهوم "المواطنة الرقمية" يرتبط ارتباطا وثيقا بمنظومة التربية والتعليم، وكيف يمكن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا من قبل أي فرد أو جماعة، من خلال مراعاة المعايير والقواعد والضوابط، وعدم استخدام التكنولوجيا فقط كأداة للترفيه ونشر الإشاعة، وتسخير التكنولوجيا في التشهير والتراشق اللفظي، والخوض في الحياة الخاصة للناس، والتركيز على القيم المادية على حساب القيم الأخلاقية.
لذلك فسوء التكنولوجيات الرقمية، وسيطرة الفكر التقليدي، لدى فئة واسعة من المجتمع، كل ذلك أدى إلى إعاقة الابتكار وإفراغ المعرفة من مضمونها التنموي والإنساني، إذ ضاعت القيمة الاجتماعية للعالم والمجتهد والمتعلم والمثقف.
وكما هو معروف في أن المجتمعات التي دخلت لها التكنولوجيا وثوراتها حديثا تعاني من ذلك، فالفرد في المجتمع هو أسير ثقافة اجتماعية، وما يعاني منه المجتمع المغربي اليوم يستدعي تحويل آلية عمل المؤسسات التعلمية وإجبارها على بناءِ أسس جديدة تواكب هذه التطورات. وهذا يعني أن المؤسسات التعليمية يتوجب عليها أن تغادر الفكر التقليدي، سواء في آلية العمل أو التعليم، وجعل المناهج تواكب العصر من حيث عددها ومحتواها، فمثلا ليس من المعقول أن تبقى منهاج الحاسوب مقتصرة على عملية إطفاء وتشغيل الحاسوب والحفاظ عليه ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي.
إلى جانب التعليم، هناك دور هام يقع على الأسرة، ومؤسسات المجتمع المدني، يتمثل في ضرورة نشر ثقافة الابتكار والمواطنة الرقمية في المجتمع، بهدف تأهيل الأفراد حتى يتصرفوا بتحضر وعقلانية، مراعين القيم والمبادئ العامة للمجتمع، وذلك على غرار عدد من الدول المتقدمة التي تصرف ميزانيات كثيرة على الثقافة الرقمية (الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا واليابان وإنجلترا واستراليا....).
ولتعزيز المواطنة الرقمية المطلوب توعية وتثقيف الأفراد وتعليمهم كيفية التعامل مع التكنولوجيا واستخدامها بالشكل الصحيح والاستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها. وهذا هو الجهد الذي لابد من تكاتف جهود الجميع حوله ليصبح واقع معاش في الأوساط التعليمية، وكذا في الأسرة باعتبارها خط الدفاع الأول.
وختاما، يمكن القول إن الوعي بحتمية التحول الرقمي وبأهمية هذا المشروع من قبل المواطن يساهم بشكل رئيسي في نمو قطاعات الدولة وازدهارها خلال مرحلة التحول لتكون أكثر إدراكا وقدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل، وخاصة أن التحول الرقمي أصبح ضرورة حتمية، فهو ليس فرصة للتطور فقط، وإنما معركة للمنافسة والبقاء فهل نحن مستعدون للتعايش بأريحية مع الحقائق الجديدة وأساليب العمل التي تخلقها التكنولوجيا؟ وهل نحن مستعدون للتحول الرقمي أم سنتعثر كما تعثرنا في أغلب التحولات!...