Friday 21 November 2025
كتاب الرأي

عادل بن الحبيب: استهزاء "مول الحوت".. إساءة عابرة أم أزمة قيم حقيقية؟

عادل بن الحبيب: استهزاء "مول الحوت".. إساءة عابرة أم أزمة قيم حقيقية؟ عادل بن الحبيب
أثار الفيديو المتداول لصانع محتوى معروف إعلاميا ب "مول الحوت"، وهو يقوم بالاستهزاء بأستاذ ، موجة غضب عارمة لدى الأسرة التربوية والرأي العام عموما. ورغم أن موضوع السخرية من الأشخاص في الفضاء الرقمي لم يعد جديدا، إلا أن المساس بالأستاذ يكتسي دائما طابعا حساسا، باعتباره ركنا أساسيا في بناء الإنسان والمجتمع.
 
لقد أفرز منطق “البوز” فئة تعتمد على التنمر مادة رئيسية لصناعة المحتوى. كلما كانت السخرية أكثر ابتذالا وإهانة، زاد عدد المشاهدات وارتفعت الأرباح. وهذه معادلة خطيرة تجعل البعض يعتقد أن الطريق نحو الشهرة يمر عبر تحقير رموز المجتمع، وفي مقدمتهم المدرس، الذي يتعرض اليوم لمحاولة ممنهجة لزعزعة مكانته وتحويله إلى مادة هزلية مستهلكة. وهنا يطرح السؤال، هل أصبح الاستهزاء بالمدرس مادة تسويقية مربحة لعقلية “البوز”؟ وهل يحق لأي كان أن يتخذ من حاملي رسالة العلم مادة للضحك والاستهلاك السريع؟
 
إن ما وقع لا يمكن اختزاله في مجرد فيديو مسيء، بقدر ما يعكس خللا مجتمعيا في منظومة القيم وتقدير الأدوار. فالاستاذ الذي صنع أجيالا وقاد أشخاص إلى الريادة في جميع المجالات، صار في مرمى التنمر والسخرية من طرف أشخاص لا يضيفون شيئا في المجتمع سوى التفاهة وتشويه الذوق العام.
 
والأخطر من ذلك، أن حجم التفاعل مع هكذا محتوى يكشف عن أزمة أكثر عمقا،حيث نجد هناك فئة أصبحت تقبل وتشجع الإهانة بدل الدفاع عن من يحمون مستقبل أبنائها. فإذا انهارت صورة الأستاذ، انهارت معها صورة المدرسة، وحينها لن نحقق أي نهضة مهما فعلنا حتى ولو وفرنا كل الموارد المادية أو غيرنا من المناهج.
 
المسؤوليات هنا متعددة وموزعة على الجميع. فصانع المحتوى الذي يختبئ خلف شاشة هاتفه وينشر التفاهة مطالب بأن يدرك أن الشهرة مسؤولية وليست أداة لإلحاق الضرر بالآخرين. والجمهور مطالب بأن يكف عن تحويل المسيئين إلى "نجوم" . أما الأسرة، فهي الحلقة الأولى في ترسيخ ثقافة الاحترام و القيم. كما أن المؤسسات التربوية مطالبة بتعزيز ثقافة الاحترام والتقدير ، في حين يتحمل الإعلام جزء كبيرا من المسؤولية حين يساهم في تسليط الضوء على “نجوم” التفاهة، ويمنحهم منبرا وشرعية هم أبعد ما يكونون عنها.
 
إن حرية التعبير مكفولة ولا نقاش في ذلك، لكنها تسقط عندما تتحول إلى خطاب يحرض على الاحتقار ويغذي الكراهية خاصة عندما يتعلق الأمر بالأستاذ.