Saturday 22 November 2025
كتاب الرأي

إدريس الاندلسي: دبلوماسية الرياضة أصبحت ذات ثِقل كبير

إدريس الاندلسي: دبلوماسية الرياضة أصبحت ذات ثِقل كبير إدريس الاندلسي
افتتاح جميل لملعب مولاي الحسن
بالأمس نجح عُرس إفريقي في ملعب مولاي الحسن. أدهشني جمال الملعب وحجمه الطبيعي. تبادلتُ بعض الحديث مع سيدة تسهر على تنفيذ مشاريع الملاعب ببلادنا قبل أن تتحول مديرية المنشآت العمومية إلى وكالة وطنية. تذكرتُ تلك المهام وما صاحبها من اجتماعات وزيارات خلال بناء ملاعب طنجة وأكادير ومراكش. كانت الإمكانيات التقنية والمالية غير ما كنا نعرفه قبل أكثر من عشرين سنة. انتقلت بِنْيَة المقاولات من حالة إلى أخرى. أتذكر أن رئيس جامعة كرة القدم كان مهتماً، بصفته المهنية، بمتابعة هذه المشاريع. ولا زالت هذه السيدة تقف بوله يشبه ذلك الذي يفاجئه جمال ملعب يحتضن لأول مرة جماهير كثيرة بمناسبة المباراة النهائية للتأهل لكأس العالم بين نيجيريا والكونغو الديمقراطية.
 
لا يمكن لأي ذي عقل سليم أن ينكر أهمية الرياضة في تمتين العلاقات بين الدول. ويجب التذكير بالقول المأثور الذي يؤكد أن “العقل السليم في الجسم السليم”. ستظل العلاقات الرياضية، في ارتباطها بالنتائج وتحقيق هدف الوصول إلى مراتب متقدمة عالمياً، مبتغى كل دول العالم.
 
كانت إحدى تمظهرات الحرب الباردة تلك الصراعات الرياضية بين الاتحاد السوفياتي سابقاً وأغلبية الدول المنتمية للحلف الأطلسي. وقد شكلت الألعاب الأولمبية مناسبة للتعبير عن أهمية التفوق الرياضي لدى صانعي القرار السياسي العالمي. ويعلم المهتمون بالشأن السياسي أثر الأزمات السياسية على قرارات اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا بشأن مشاركة دول، من بينها روسيا بسبب أزمة أوكرانيا.
 
ولا يمكن أن ننكر، كمغاربة، أثر تفوق بعض الأبطال وبعض الفرق الوطنية الرياضية في التعريف ببلادنا على الصعيد العالمي. وجبت هذه المقدمة بعد اختيار العديد من دول قارتنا الإفريقية ملاعبَنا المغربية لاستقبال منافسيها في مباريات دولية تشرف عليها الفيفا والاتحاد الإفريقي لكرة القدم، تبعاً للمواصفات التي يجب أن تتوفر لإقامة كل مباراة. وبلغ عدد المباريات التي احتضنتْها بلادنا، منذ شهر نونبر 2021، واحداً وعشرين مباراة. ولا يزال طلب الدول الإفريقية كبيراً، ولا تزال موافقات الفيفا تزداد سنة بعد أخرى. ولا يجب أن يُختَصر هذا الإقبال على المغرب باعتباره اختياراً مبنياً على مقاييس تقنية فقط؛ فالأمر أكبر بكثير، ويرتبط بعلاقات بلادنا متعددة المجالات مع بلدان القارة.
 
لا أعرف إن كان جلّنا يتذكر ذلك الماراثون القانوني الذي كان ملعبه محكمة التحكيم الرياضي المتعلقة بالنزاعات. يعلم الراسخون في علم الأوبئة أن المغرب قرر التنازل عن تنظيم كأس إفريقيا لسنة 2015 بسبب الأزمة الصحية التي عرفها العالم بعد انتشار فيروس إيبولا. وقف الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي لكرة القدم “عيسى حياتو” في صف من أرادوا بالمغرب شراً، وحاولوا تشويه صورته وعزله عن قارته. وازداد الحقد درجات حين قررت عصبة رئيس “الكاف” السابق منع المغرب من المشاركة في كأس إفريقيا لسنتي 2017 و2019، وتغريمه ملايين اليوروهات. وكان سهر “الجزائري روراوة” طويلاً سَعْياً إلى إقناع محكمة التحكيم الرياضية الدولية بضرورة الإساءة لبلادنا. انقلب السحر على الساحر، وأصدرت المحكمة قراراً يقِرّ بإعمال العقل في قضايا أكبر من الرياضة، وتغليب الرزانة في أوقات الأخطار المهددة لصحة الإنسان، فاندحر أعداء المغرب.
 
وجب التذكير أن جامعة كرة القدم ورئيسها كانوا وسط زخم سياسي وإيديولوجي جعلهم يودّعون حقوقهم في النوم والراحة من أجل فضح المتآمرين الذين لا يرتاح لهم بال إذا لم يكونوا على رأس مؤامرة غبية. وباءت محاولات الأعداء الأغبياء بالفشل على جميع الأصعدة، بما فيها حضور المغرب في الأجهزة القيادية للكاف والفيفا.
 
شهدت جماهير إفريقية حجّت إلى مدن المغرب استقبالاً في أحسن الظروف وفي أفضل ما نتوفر عليه من ملاعب. ومن الصدف التي تؤكد شبكة العلاقات المتينة بين بلادنا وشقيقاتها الإفريقية ما حصل بالأمس خلال المباراة النهائية المؤهلة لمونديال 2026 بين نيجيريا والكونغو الديمقراطية. حضرتُ هذه المباراة التي شدت جمهور البلدين حتى الدقيقة 140 أو أكثر، وصولاً إلى ضربات الجزاء. كان حفلاً كبيراً صاحبته الأهازيج الكونغولية والنيجيرية طيلة ساعات المباراة. كنت قريباً من النيجيريين الذين لم يحالفهم الحظ، ولكنهم كانوا مبتهجين بتواجدهم في ملعب مولاي الحسن الذي يعد معلمة رياضية بحجم يلاءم إقامة كل المباريات حالياً ومستقبلاً.
 
كثير منا لا يعلم حجم الصورة الرياضية المنقولة إلى شعوب كثيرة وتأثيرها الدبلوماسي. ولهذا يجب أن نقرأ عمق علاقاتنا الدبلوماسية في تجلياتها وأبعادها الاقتصادية والثقافية والدينية، وأيضاً في جوانبها المتعلقة بالرياضة.