لا يزعجني بتاتا أن يشارك كاتب سيناريو في أعمال متعددة في نفس السنة، ليس عيبا ولا يشكل أي مشكل إطلاقا، المشكل لدينا في المغرب أعمق وأعقد من هذا بكثير، ولا يعني وجود اسم السيناريست في عملين فنيين أو ثلاثة يمرون في نفس الوقت أنه كتبها كلها في نفس الوقت أيضا، قد يكون قد حضَّرها من وقت بعيد، واحتفظ بها الى أن ظهر صاحبها، وقد تكون الأعمال الفنية نفسها قد تزامن انتاجها بمحض الصدفة فظهر وكأن السيناريست كتبها كلها في نفس التوقيت، وهذا ليس صحيحا، لو تتبعنا كتاب سيناريو كبار في العالم الغربي وكذا عالمنا العربي لوجدنا لهم أعمالا متعددة في سنة واحدة، لكن هل هم كتبوها في نفس توقيت انتاج العمل الدرامي أو السينمائي؟ لنأخذ مثلا الكبير أسامة أنور عكاشة سنجد أن له ثلاث أعمال متعددة في سنة واحدة، كسنة 1989 التي كتب فيها مسلسل ليالي الحلمية، وفيلم كتيبة الإعدام، ومسلسل أنا وانت وبابا في المشمش، وكلها أعمال مميزة، أما سنة 1983 فله فيها أربع مسلسلات منها الشهد والدموع، ونفس الشيء بشكل متفاوت في سنوات أخرى، فهل هذا ينتقص من إبداعه؟ طبعا لا. لو أخذنا بشير الديك كمثال أيضا، فسنجد اسمه على ثلاث أعمال سينمائية في سنة 1992 لوحدها، وهي ناجي العلي، ومهمة في تل ابيب، وضد الحكومة، حيث تنوعت كتاباته فيها ما بين القصة والسيناريو والحوار، وهذا لا ينقص من قيمتها الفنية... من بين الأسماء المعاصرة سأختار مريم نعوم التي أبدعت في كتابة السيناريو ولا أحد يشكك في إبداعها بتاتا، ففي سنة 2001 أنجزت سبع مسلسلات مابين التأليف والسيناريو والسرد والحوار والإشراف على الكتابة.
كتابة السيناريو هي كتابة تقنية في الأساس، هي حرفة قائمة على آليات وأدوات تدرس أو تكتسب بالتكوين والممارسة، ليس بالضروري ان يكون كاتب سيناريو روائيا أو قاصّا، طبعا هي كتابة فيها من الابداع والخيال لكنها لا تعتبر جنسا أدبيا خالصا يفرض في ممارسه إتقان الكتابة الإبداعية ببنائها ولغتها وبلاغتها... فالمشكل لدينا باختصار هو فساد المنظومة التي جعلت شركات تنفيذ انتاج معينة تتسيد، وتتسلط على الصناعة الدرامية بفرضها وجوها وأسماء بعينها في إطار العلاقات والمصالح، وأغلب هذه الأسماء خُلقت من عدم دون إضافة تذكر، فلو كان العدل والحرية وعدم الرقابة، وفُتح المجال للخواص لدخول هذا القطاع بتنافسية شريفة، لشاهدنا مواهب ومبدعين حقيقيين يمارسون عملهم بصدق وجدية، حتى لو تفرغوا لخمس أعمال في السنة، فنحن ننتقد الأسماء المتواجدة في السوق على أساس أنها شبعت وعليها أن تنسحب وتترك مكانها لأسماء أخرى حتى تحصل بدورها على نصيبها من الكعكة، فالقضية اليوم ليست قضية موهبة ولا إبداع، بقدرما هي الحق في المال العام، فحتى لو قطعنا الطريق على كل هذه الأسماء، وأتينا بأسماء أخرى فنفس المشكل سيتكرر، ولن يتغير أي شيء وواهم من ظن أن مشكل الدراما لدينا في كتاب السيناريو فقط.
بل حتى لو أتينا مثلا بآرون سوركين أو جوي ايستيرهاس ودفعناهما لتقديم سيناريو من إبداعهما تحت ظل نفس المنظومة، فسنحصد نفس الهراء الدرامي الذي نشاهده اليوم لأن بكل بساطة هناك عملية إنتاجية مسوسة من الداخل، هي التي تتحكم في كل شيء من أجل مصالحها الضيقة، حكت لي سيناريست صديقة لن أذكر اسمها وأزعم أنها محترفة وموهوبة في مجالها، أن منتجا معروفا طلب منها سيناريو لمشروعه، فقدمت له واحدا سهرت عليه أياما وليالي وبعد اطلاعه عليه طلب منها حذف كل المشاهد الخارجية، والكثير منها مؤثرة في سير الأحداث، رفضت وانسحبت، وهذا أقل ما يحدث في هذا المجال، فقد تدفع لهم سيناريو محكم ومتقن وتتفاجأ أثناء عرض العمل أنه قد تحول الى شيء آخر سميه ماشئت إلا سيناريو، يغيرونه ويتلاعبون به حسب أهواءهم دون إذن صاحبه في غياب تام لقانون يحمي الكٌتاب، وينصفهم، ويصطف بجانبهم، رغم أن السيناريو الناجح هو عمود أي عمل فني ناجح.