أعتقد أن تخبط حكومة السّيد أخنوش لا تجد تفسيرها في العوامل الخارجية، كما تحاول أن توهمنا عن طريق تصريحات النّاطق الرسمي باسم الحكومة، أو خرجات المدافعين عنها، والذين في أغلبهم تحركهم نزوعات مصلحية واضحة، ذلك أن هذه الحكومة سوّقت لنفسها عند تنصيبها، بأنها حكومة كفاءات وواقعية وإبداع، وأنها جاءت لتصحّح أخطاء حكومة سابقة اعتمدت الشعبوية. لكن بعد مرور فترة وجيزة تبين أن هذه الحكومة نفسها لا تقل شعبوية عن الحكومات السابقة، بل إنها لم تخرج من نسق التّبريرية الذي يترجم فشلا في مباشرة الإصلاحات المطلوبة، كما أنها استمرت في إنتاج خطاب لم يخرج من اللحظة الإنتخابية التي تتضخّم فيها الوعود. ويمكن إجمالا أن نقول بأنّها هذه الحكومة اتّسمت بالخصائص التّالية:
أولا: حكومة مفتقرة لكفاءات تدبيرية بخلاف ما تم تسويقه، وذلك لاعتمادها على آليتي المحسوبية والتوازنات الحزبية الداخلية القائمة على الإسترضاءات عند اختيار الوزراء.
ثانيا: هي حكومة غير مبدعة بحيث أعادت إنتاج السّياسات السّابقة في سياق متغيّر بشكل كبير.
ثالثا: هي حكومة تعكس مصالح أوليغارشيا ريعيّة افتراسية تخدم مصالح رجال الأعمال الكبار وبالتالي كان طبيعيّا أن تكون قراراتها بعيدة عن مطلب الدّولة الإجتماعية، والدّولة الإجتماعية لا يمكن تشييد أسسها من قبل نخب تنتمي لأسوء نسخ النّيّوليبيرالية المتوحّشة، وأقصد النّسخة الرّيعية.
أيّ معارضة وأيّ وساطات؟
صحيح أننا نفتقد لمعارضة قوية، سواء في البرلمان أو في المجتمع، هناك من يرد الأمر إلى نجاح المخزن في إضعاف الأحزاب، وهذا التفسير له ما يؤيده، غير أنه غير كاف، لأن القمع الذي تم تسليطه على المعارضات بما فيها البرلمانية زمن الحسن الثاني كان أقوى، ومع ذلك استطاعت المعارضة تطوير آليات للممانعة، بما في ذلك حتّى المعارضة البرلمانية «الإتحادية أساسا». ولذلك أعتقد أن تنامي المطامع الشخصية عند نخب الأحزاب وقياداتها، والتهافت لجعل العمل الحزبي أداة للاستغناء وللقرب من دوائر صنع القرار، جعل مطمح هذه النخب هو أن تكون إما في الحكومة، أو أن تعرض خدماتها لمن تعتقد أنهم المتنفذون، وتقديم أنفسهم كعجلة احتياط، وللحقيقة فالأمر لا يقتصر على الأحزاب، بل كذلك النقابات وكثير من التنظيمات المدنية، مما أدى إلى انهيار شبكات الوساطة، التي كانت تلعب أدوارا في الماضي لجهة التحكم في حركة الاحتجاجات، أو القيام بتسويات معينة.
لذلك فهذا الهدوء الذي قد يبدو في سطح المشهد، يختزن احتقانا اجتماعيا حقيقيّا، قد ينفجر في أيّ سياق مساعد أو مؤجّج، خصوصا في غياب الوساطات من جهة، وفي انهيار آليات التّضامن العائلي نتيجة انهيار الطبقة المتوسّطة من جهة أخرى. وأعتقد أن مثل هذا الوضع سيؤدي لا محالة إلى موجة احتجاجات متصاعدة، قد تكون شبيهة باحتجاجات 2011 من حيث الشّكل وآليات التّنظيم والتّحرك، لكن ستختلف عنها من حيث المطالب، فحركة 20 فبراير هيمن على مطالبها المدخل السّياسي الديموقراطي وتأثّرا بالموجة التي كانت سائدة آنذاك في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال ما سمي بـ "الرّبيع العربيّ"، بينما اليوم فالمطالب تتّجه نحو تغليب المدخل الإجتماعي المرتبط بالعدالة الإجتماعية والمجالية، ومن شأن ذلك أن يجعل موجة الاحتجاجات أقوى.
لذلك فهذا الهدوء الذي قد يبدو في سطح المشهد، يختزن احتقانا اجتماعيا حقيقيّا، قد ينفجر في أيّ سياق مساعد أو مؤجّج، خصوصا في غياب الوساطات من جهة، وفي انهيار آليات التّضامن العائلي نتيجة انهيار الطبقة المتوسّطة من جهة أخرى. وأعتقد أن مثل هذا الوضع سيؤدي لا محالة إلى موجة احتجاجات متصاعدة، قد تكون شبيهة باحتجاجات 2011 من حيث الشّكل وآليات التّنظيم والتّحرك، لكن ستختلف عنها من حيث المطالب، فحركة 20 فبراير هيمن على مطالبها المدخل السّياسي الديموقراطي وتأثّرا بالموجة التي كانت سائدة آنذاك في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال ما سمي بـ "الرّبيع العربيّ"، بينما اليوم فالمطالب تتّجه نحو تغليب المدخل الإجتماعي المرتبط بالعدالة الإجتماعية والمجالية، ومن شأن ذلك أن يجعل موجة الاحتجاجات أقوى.
خالد البكاري/ فاعل حقوقي وسياسي