خالد البكاري: نفتقد لمعارضة قويّة وسط انهيار شبكات الوساطة

خالد البكاري: نفتقد لمعارضة قويّة وسط انهيار شبكات الوساطة خالد البكاري
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬تخبط‭ ‬حكومة‭ ‬السّيد‭ ‬أخنوش‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬تفسيرها‭ ‬في‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية،‭ ‬كما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬توهمنا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تصريحات‭ ‬النّاطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬خرجات‭ ‬المدافعين‭ ‬عنها،‭ ‬والذين‭ ‬في‭ ‬أغلبهم‭ ‬تحركهم‭ ‬نزوعات‭ ‬مصلحية‭ ‬واضحة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬سوّقت‭ ‬لنفسها‭ ‬عند‭ ‬تنصيبها،‭ ‬بأنها‭ ‬حكومة‭ ‬كفاءات‭ ‬وواقعية‭ ‬وإبداع،‭ ‬وأنها‭ ‬جاءت‭ ‬لتصحّح‭ ‬أخطاء‭ ‬حكومة‭ ‬سابقة‭ ‬اعتمدت‭ ‬الشعبوية‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬شعبوية‭ ‬عن‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬نسق‭ ‬التّبريرية‭ ‬الذي‭ ‬يترجم‭ ‬فشلا‭ ‬في‭ ‬مباشرة‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬الإنتخابية‭ ‬التي‭ ‬تتضخّم‭ ‬فيها‭ ‬الوعود‭. ‬ويمكن‭ ‬إجمالا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬بأنّها‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬اتّسمت‭ ‬بالخصائص‭ ‬التّالية:
 
أولا:‭ ‬حكومة‭ ‬مفتقرة‭ ‬لكفاءات‭ ‬تدبيرية‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تسويقه،‭ ‬وذلك‭ ‬لاعتمادها‭ ‬على‭ ‬آليتي‭ ‬المحسوبية‭ ‬والتوازنات‭ ‬الحزبية‭ ‬الداخلية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الإسترضاءات‭ ‬عند‭ ‬اختيار‭ ‬الوزراء‭.‬
ثانيا:‭ ‬هي‭ ‬حكومة‭ ‬غير‭ ‬مبدعة‭ ‬بحيث‭ ‬أعادت‭ ‬إنتاج‭ ‬السّياسات‭ ‬السّابقة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬متغيّر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬
ثالثا:‭ ‬هي‭ ‬حكومة‭ ‬تعكس‭ ‬مصالح‭ ‬أوليغارشيا‭ ‬ريعيّة‭ ‬افتراسية‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬الكبار‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬طبيعيّا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قراراتها‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مطلب‭ ‬الدّولة‭ ‬الإجتماعية،‭ ‬والدّولة‭ ‬الإجتماعية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تشييد‭ ‬أسسها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نخب‭ ‬تنتمي‭ ‬لأسوء‭ ‬نسخ‭ ‬النّيّوليبيرالية‭ ‬المتوحّشة،‭ ‬وأقصد‭ ‬النّسخة‭ ‬الرّيعية‭.‬
 أيّ معارضة وأيّ وساطات؟ 
صحيح‭ ‬أننا‭ ‬نفتقد‭ ‬لمعارضة‭ ‬قوية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرد‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬المخزن‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وهذا‭ ‬التفسير‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يؤيده،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬كاف،‭ ‬لأن‭ ‬القمع‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تسليطه‭ ‬على‭ ‬المعارضات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬البرلمانية‭ ‬زمن‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬كان‭ ‬أقوى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬المعارضة‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬للممانعة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حتّى‭ ‬المعارضة‭ ‬البرلمانية‭ ‬«الإتحادية‭ ‬أساسا»‭. ‬ولذلك‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬المطامع‭ ‬الشخصية‭ ‬عند‭ ‬نخب‭ ‬الأحزاب‭ ‬وقياداتها،‭ ‬والتهافت‭ ‬لجعل‭ ‬العمل‭ ‬الحزبي‭ ‬أداة‭ ‬للاستغناء‭ ‬وللقرب‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار،‭ ‬جعل‭ ‬مطمح‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬خدماتها‭ ‬لمن‭ ‬تعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬المتنفذون،‭ ‬وتقديم‭ ‬أنفسهم‭ ‬كعجلة‭ ‬احتياط،‭ ‬وللحقيقة‭ ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الأحزاب،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬النقابات‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬المدنية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬شبكات‭ ‬الوساطة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلعب‭ ‬أدوارا‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬لجهة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بتسويات‭ ‬معينة‭.‬
‮‬لذلك‭ ‬فهذا‭ ‬الهدوء‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬سطح‭ ‬المشهد،‭ ‬يختزن‭ ‬احتقانا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬حقيقيّا،‭ ‬قد‭ ‬ينفجر‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬سياق‭ ‬مساعد‭ ‬أو‭ ‬مؤجّج،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الوساطات‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وفي‭ ‬انهيار‭ ‬آليات‭ ‬التّضامن‭ ‬العائلي‭ ‬نتيجة‭ ‬انهيار‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسّطة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬سيؤدي‭ ‬لا‮ ‬‭ ‬محالة‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬احتجاجات‭ ‬متصاعدة،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬شبيهة‭ ‬باحتجاجات‭ ‬2011‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشّكل‭ ‬وآليات‭ ‬التّنظيم‭ ‬والتّحرك،‭ ‬لكن‭ ‬ستختلف‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المطالب،‭ ‬فحركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬هيمن‭ ‬على‭ ‬مطالبها‭ ‬المدخل‭ ‬السّياسي‭ ‬الديموقراطي‮ ‬وتأثّرا‭ ‬بالموجة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشّرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭ ‬"الرّبيع‭ ‬العربيّ"،‭ ‬بينما‭ ‬اليوم‭ ‬فالمطالب‭ ‬تتّجه‭ ‬نحو‭ ‬تغليب‭ ‬المدخل‭ ‬الإجتماعي‭ ‬المرتبط‭ ‬بالعدالة‭ ‬الإجتماعية‭ ‬والمجالية،‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬موجة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬أقوى‭.‬
 
خالد البكاري/ فاعل حقوقي وسياسي