الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

عودة إلى مأساة أحمد جواد: نبيل لحلو يكشف مسار رحلة موظف مُحتقر ومُداس الحقوق

عودة إلى مأساة أحمد جواد: نبيل لحلو  يكشف مسار رحلة موظف مُحتقر ومُداس الحقوق المخرج نبيل لحلو والمسرحي أحمد جواد الذي أحرق نفسه مؤخرا أمام الوزارة
في بداية التسعينيات، السنوات السوداء، سنوات الرصاص، سنوات القمع والبوليس، أعلن شاب، ممثل هاو عضو في فرقة مسرحية للهواة بمدينة الجديدة، أنه سينتحر احتجاجاً على الظلم الذي تعرض له من سلطات مدينته. وهو ما جعل الأنظار تلتفت إليه والناس يتحدثون عنه بقوة.
من بين الأوائل الذين قدموا دعمهم وأبدوا تضامنهم مع هذا الممثل الشاب الهاوي، أذكر أولاً خالد الجامعي (على روحه السلام)، الذي خصص مقالاً للشاب الجديدي في يومية "لوبينيون"، التي كان رئيس تحريرها.. ثم هناك الكريم ندير يعتة (رحمه الله) الذي دعمه بصفته مديرا لصحيفة "البيان" من خلال نشر قضية الشاب على الصفحة الأولى من جريدته، في المساحة المخصصة لعموده اليومي، عبر مقال لي عنونته ب"الطواحين القاتلة" Les moulins à vlan، تحدثت فيه عن المظالم التي حاصرت هذا الممثل الشاب اليائس الذي يريد إنهاء حياته.
بفضل التدخل الإعلامي والنضالي لخالد الجامعي، وافق مدير مسرح محمد الخامس عزيز السغروشني على منح وظيفة للممثل الشاب الهاوي من الجديدة الذي أصبح بذلك موظفًا حكوميا في مسرح محمد الخامس، بالسلم السابع وبراتب شهري مضمون.
لم أتمكن من مقابلة هذا الممثل الهاوي الشاب للمرة الأولى، إلا بعد حوالي خمسة عشر عامًا من نشر مقالتي "الطواحين القاتلة" Les moulins à vlan عن قضيته في جريدة "البيان"، التقيته في قاعة صغيرة ببناية مسرح محمد الخامس - الذي كان من الممكن أن يكون مسرح جيب جميل، بدلاً من كافيتريا- حيث ظل يدير بنجاح واقتدار العديد من اللقاءات الأدبية والمناقشات الشعرية وحقق نجاحا كبيرا.. مع ملاحظة أن 30 عاما من حياته قد مرت بسرعة، حيث ظل وضع راتبه دائما جامدا على حاله، بدأ يشعر بالحزن وخيبة الأمل، ووطأة الاستغلال بل وحتى الاحتقار. خاصة وهو يرى العديد من موظفي الخدمة المدنية في مسرح محمد الخامس كانوا في الواقع مجرد موظفين أشباح يمارسون أعمالهم في الخارج، ويحصلون رواتبهم الشهرية دون عمل.. شعر فجأة بالوحدة، وأن حقوقه مداسة، لقد أحس بأنه في وضعية استبعاد. فقرر كتابة مقالات للحديث عن قضيته وتوجيه رسائل إلى وزراء الثقافة المتعاقبين لفضح وضعه الإداري المخجل.
أمام الصمت الوزاري، أعلن على الملأ أنه سيقطع خصيته أمام البرلمان احتجاجا على وضعه الإداري المحزن. شعر بألم بأنه سيتقاعد قريبا، أصبح كئيبًا يلوم نفسه على مسار حزين وموضع لؤم الموظفين الكوميديين في وزارة الثقافة، المرسمين في السلم 11 ويواصلون القيام بأعمال تجارية، بينما هو، المتقاعد، يرى آماله المحطمة وكيف حُكم عليه بالعيش الكئيب من أجل البقاء.
في 6 فبراير، أعلن مرة أخرى أنه سيخوض إضرابا عن الطعام أمام مقر وزارة الثقافة. وحيث أنه لم يتلق أي بادرة أمل، وفي 27 مارس 2023، الذي يصادف اليوم العالمي للمسرح، عمد هذا الشاب الكوميدي في مسرح الهواة سابقا بمدينة الجديدة، والذي أصبح معروفا باسم أحمد جواد. مسؤول مسرح محمد الخامس، منذ عام 1990 حتى تقاعده من نفس المسرح عام 2022، إلى إضرام النار في جسده أمام مقر وزارة الثقافة، أمام اللامبالاة المثيرة للاشمئزاز من زملائه الممثلين العاملين، مثلما لاحظت ذلك، أمس، في مسرح محمد الخامس.
ليس ممكنا أن يكون أي كان رجل مسرح، كاتب مسرحي، ولا حتى مخرج مسرحي أو سينمائي. وأيضا أحمد جواد الذي أتمنى له الشفاء العاجل. سيبقى دائما، بين عيني، ممثلًا هاويا كان موظفا حكوميا قللت البيروقراطية من قيمته ودفعته للتمرد على وضعه.